ملاحظة=مازلت أؤكد على أن من حق كل إنسان أن يقول رأيه وأن ينصح ويبدي كل مايدور في عقله ولكن من حقي أن أرفضه رفضًا كليًا حتى وإن كان دافعي الأوحد للرفض هو كره ذلك الإنسان =ياخي من حقي أن أكره من أريد وأحب من أريد وأمقت واستحقر من أريد وأحترم من أريد دون أن أفرض على أحد مشاركتي في ذلك على أنني لن أضر ذلك الشخص ولن أعتدي عليه لا فعلا ولا قولاً إلا في المواطن التي تستوجب ذلكأعود لأدلي بالرأي الأدبي هنا وباقتضاب أيضا في نقاط محددة:
أجمل ما في كلامك أنك وبرغم اختلافك شبه الكلي معي إلا أنك لم تبخس حرفي حقه فمازلتَ تشيد بتطوري الشعري المستمر وهذه شهادة من منصف أعتز به ولا جدال في ذلك1- القصيدة عالية الكعب شعريا وتطور متواصل في أدائك الشعري يا حسين نلحظه جميعا ونتابع هذا التنطور الشعري في أفياء الواحة بفخر وسرور ، ولكني هنا رأيت تأكيد ما كنت أشعر به من جنوح حرفك نحو ما لا نحب لك من لغة يستعملها شاعر أو اثنين آخرين يتكئون فيها على عصا الدين انزلاقا إلى الشطط بما لا يخفى في هذا النص ، فلا تجعل الشعر يفسد عليك دنياك وأخراك ، والشعر هو وسيلة بيان وتواصل بين الناس فلا تستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير فتكسب بضعة أشخاص وبضع سنين وتخسر الملايين وعدد سنين.
أما ما ترى أنه قد أصاب حرفي من جنوح فلك أن تعتبره مرحلة من مراحل التطور وليستْ بالضرورة توجهًا وهدفًا أسعى متقصدًا إليه من باب كسب إعجاب شخص أو أكثر وبالمقابل خسارة البقية ممن لا يحبذون هذا الجنوح على حد وصفك=فأنا وبفضل الله لستُ بحاجة للمخالفة لكي أحظى بإعجاب فلان وعلان مهما كانت مكانتهم
2- في القصيدة مواضع مدهشة شعريا لا ريب وهي كثيرة ولكن فيها بعض مواضع أخرى تستوقف الذائقة وتحتاج مراجعة ولكني لن أتناولها هنا وسأكتفي بالحكم فيما اختلفتم فيه.
مجرد أنك تقر بأن القصيدة مليئة بالمواضع المدهشة التي وصفتها بالكثيرة فأنت منصف حتى وإن قلت في الشق الآخر أن في القصيدة أيضًا ما لا تقبله الذائقة هنا سأقبل رأيك بشقيْه وبدون مكابرة ليس لأنك أكبر وأعلم مني ولا لأنك رئيس الواحة بل فقط لأنك منصف فهل تريد مني أن أتعامل بنفس هذه الأريحية مع من جاء وليس في يده إلا معول الهدم مُصرًا ومتفاخرًا بإكتشافه لعورات النص التي لو طلبت منه أن يعددها لما تجاوزت عُشر القصيدة ؟ ..
شخص ترك كل ماتحويه القصيدة من جماليات غالبة -كما قلت أنت- واكتفى فقط بنبش مالا يكاد يذكر من عيوب
هل هذا الشخص في نظرك يريد أن يفيد ويستفيد أم يريد أن يبحث لنفسه عن مجد بطريقة لا ينتهجها إلا عاجز أو حاقد
3- إن كنت رأيت نفسك خير من محاورك شعريا فقد كان لزاما عليك أن ترى أنه ربما كان أفضل منك أدبيا ذلك أنه يفوقك سنا وعلما بتخصص في اللغة وآدابها ، وكان أجدر بك أن تحاوره كما أسلفت بالحجة فيكون الحوار الهادف الذي يثري الحوار ويؤكد الود وليس الرد بالجزمة وبالتسفيه وبالتعالي. وإن ما رأيته من طرح نقدي هو حق له أو لغيره ، ووجدتني أوافق الكثير مما قال إلا في بعض مواضع قليلة. واعلم أيها الابن الكريم أن علماء الفقه لا يبلغون فيه منزلة دون إلمام تام باللغة ودلالاتها باعتبار أن اللغة العربية هي لغة القرآن وهي مصدر التشريع.
قلت أني لم أحترم السيد خيطر فأشرت إلى كونه أفضل مني من حيث دراسته الأزهرية وما إلى ذلك=سامحك الله متى قلت ذلك؟
بل قلت له حرفيًا أنه بإمكانه أن يتفوق علي في كل المجالات التي تخطر بباله إلا الشعر فهل ظلمته؟ أم أنك تراه رجلاً خارقًا يفوق أقرانه في كل شيء حتى الفلك؟!
ثم لك أن تعود إلى بداية ردودي عليه واحكم بنفسك لاشك أنك ستعرف مدى الأدب وسعة الصدر وحسن النية في تلك الردود إلا بعد أن تجاوز صاحبنا حده وشخصن النقاش وبدأ بالتهكم الذي ربما لم تره!
لولا إيماني بهذا لما كنت وإلى الآن أوصي أصدقائي بقراءة الشعر الجاهلي ليكون بدايةً ينطلقون منها لعالم الشعر بعد أن أقنعتهم بأن من يبدأ حياته الشعرية بمحاكاة نزار وأمثاله سينتهي قبل أن يبدأ=وقد أشرت لذلك في لقائي بآل الواحة فقلت حرفيًا إنني تتلمذت علي يد ابن أبي ربيعة وامرئ القيس4- لولا شعر الأولين ما كتبت الشعر يا حسين ولا كتب غيرك ، وتكرار حديثك عن هذا الأمر هو باب يقلقني عليك بحق ، وهو باب سبقك فيه الكثير فما بقى لهم من أثر إلا قليلا سيزول ، وأرجو أن لا يكون وصل بك الأمر كما وصل بغيرك إلى غمط كل قول غير قولك وزلق كل شعر غير شعرك.
أنت والسيد خيطر وبعض من مر قد استوقفكم بيت (الصلاة) وبيت (التصعير والصفع) وربما لم تخرجوا عن هذين البيتين ووالله لا مشكلة لدي في التنازل عنهما والإتيان بقصيدة مقابل كل بيت ولكن المشكلة أنني كنت ومازلت أرى الخلاف فيهما خلاف شرعي بحت5- لنتناول البيت الأول من قصيدتك أدبيا وبعيدا عن التناول الديني المباشر. تقول صفعت السماء بوجه الثرى ، واقول: إن الصفع لا يكون إلا بقصد التأديب والإهانة إذ لا يصفع إن من يستهان به كأن يكون عبدا أو إمعة أو مهينا فهذا أمر لا يستقيم مع السماء التي هي رمز الرفعة والقداسة ، وإن كنا نهينا عن سب الدهر فكيبف بنا نهين السماء. ثم كيف يصفع قاصر عن بلوغ قمة جبل السماء التي لا يبلغها الجن ناهيك الإنس. أما رأيت كيف قال الله تعالى في أمر فرعون الذي قال "وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب أسباب السماوات" فهل بلغ منها شيء إلا وهما أركسه في العذاب الأليم؟؟
ثم إن الصفع فيه من الغلظة والقسوة والغضب ما فيه فكيف تستقيم الصورة مع الرجاء والدعاء بالمطر وهو أحد أكثر أنواع الدعاء تذللا وخضوعا لله رب السماوات؟؟ إن الصفع هنا لا يكون طلب رجاء بل طلب أمر وتقريع واستعباد فمن هو الرب هنا ومن هو العبد؟؟ وكيف يمكن أن يستقيم المعنى الذي شرحت بصفع إهانة وغلظة؟؟
لإن مثل هذا كمثل من يقول مثلا: قبح الله وجهك! ثم فسر بأنه إنما قصد أنه يوسفي الجمال يفتن العقول وأنه يحتاج التقبيح قليلا كي يطيق العقل جماله ، ذلك أن الأمر فيه شتم وذم لا يمكن أن يبرره قصد حتى وإن قال: قبح الله وجهك ما أجملك!
ثم تقول: بوجه الثرى. أقول: الثرى هنا استعارة رائعة دقيقة باعتبار أن الثرى هو التراب الندي وهو أقرب ما يكون وصفا لحال الإنسان وخلقه ، ولكن الصورة هنا تأتي بطريقة المخالفة للمخالفة إذ تجعل الوجه هو من يصفع وهذا أمر يرسم البسمة ربما ولكنه لا يخدم المعنى مطلقا من جهة أن الكف هي التي تصفع ثم إن الصفع غير اللطم ، فاللطم يكون على الوجه ولكن الصفع يكون على قفا الرقبة وهذا أمر كان عليك الانتباه له وكان عليك أيضا أن تراعي فقه اللغة ودلالاتها كما أسلفنا في معنى الصفع.
ثم ننتقل للعلاقة بين الصورتين ودلالاتها البلاغية من كنابة واستعارة مما كان يحتاج أن تشرح للناس نيتك ومقصدك كي يمكن الربط بينها وعدم تقديم الظاهر من القول بما يرسم من صورة إنزال السماء إلى وجه الثرى وليس صعود الثرى إلى وجه السماء ، وحتى تفسيرك وإن كان غير مقنع على الأقل بالنسبة لي فإنه كان أجدر بك أن تيسر الأمر بإشارة خفية أو ذكية تسهل الربط بعيدا عن التخمين والتهويم كأن تضيف مثلا ياء النسب للوجه فتكون وجهي الثرى ، ولا تجادلني في مثل هذا لأنني إنما اسوقه مثالا توضيحيا وليس رأيا أدبيا في بيت أراه غير موفق شرعيا وغير دقيق شعريا.
أما في العجز فتقول: وصعرت كفي مستمطرا. وأقول: الصعر لغة هو ميل الوجه إلى شق وفقهها هو الميل استكبارا كما ورد في القرآن ، وفخرك بتصعير الكف مستغرب إلا إن كنت تريد أن تخالف للمخالفة فحسب كأن تقول مثلا أكل الباب ظلي أو أمسكت برقبة الحائط ... إلخ فاعلم يا حسين أن هذا ليس من التميز الذي يفتخر به المرء بل هو أمر آخر أربأ بك أن تكون من أهله.
والتصعير كما أوضحنا يكون دليل استكبار وميل نفور واستنكاف فكيف يستقيم هذا مع دعاء الاستمطار وصلاة الاستسقاء التي تحتاج غاية التضرع كما أسلفنا؟؟ وإن التصعير هو نفور وتعال على شيء فما هو هذا الشيء الذي تعاليت عليه هنا فصعرت "كفك"؟؟ أليس هو السماء؟؟ فكيف يستقيم هذا عقلا ناهيك شرعا؟؟
6- تقول: فَـأنْــتِ الـصَّــلاةُ الَّــتــي أُجِّــلَــتْ
أقول: الصلاة لغة هي التعبد لله بالركوع والسجود متى كانت من الجن والبشر ، وهي الدعاء والاستغفار منى كانت من الملائكة ، وهي الرحمة والمغفرة متى كانت من الله تعالى.
والصلاة هي واحد الصلوات التي هي كنائس اليهود ومعابدهم.
فإن كان المعنى الثاني فما كانت هذه صورة مناسبة للمعنى الذي تريد وفيه ما يحمل من معاني لا تستقيم والمقصود من المشاعر.
وإن كانت الأولى - وهذا أمر أقررت به - فما لك من حق في أن تحور معنى الصلاة الذي يخص البشر ، ولا يصح شرعا أن تقول لمن تحب أنت الصلاة فتقول إنما هذا تشبيه فإن مثل ذلك مثل قولك: أنت الله! تقصد به تعظيم أحد أو تقديسه ، وهذا أمر لم يفعله حتى كفار قريش إذ سموا الأصنام آلهة ولكن حفظوا لله قداسة اسمه ، ونحن كمسلمين نحفظ للصلاة طهر معناها وخصوصية دلالتها ، ولا يجوز بحال ومهما كانت المبررات اللغوية والبلاغية أن تشبه أحدا بالصلاة حتى لو كان نبيا أو ملكا كريما.
ثم لا صلاة تؤجل لا شرعا ولا عرفا ، فالصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا ، وحين ذكر تأخير الصلاة فهو في حكم شرعي محدد وإلا كانت من السهو الذي ذكره الله تعالى.
باختصار هذا أمر يوقع في مخالفة شرعية لا يبررها أمر ، ولا يشفع لها محسن بلاغي أو بديع أو نية ومقصد ، ولا أجد لها من الناحية الأدبية ارتباطا بين الصدر والعجز فتأخير الصلاة إنما تفرض الحساب والعقاب من جهة ، وإن الجزاء الذي أنكرا ليس له سياق ذو دلالة في البيت إلا أن يكون تهويم افتراضات وقسر جمع ما لا يجمع. وأما تفسيرك للبيت فهو قائم على ما صوره رأيك لا ما قاله بيتك. وبعيدا عن حرمة ابتذال قداسة العبادة وطهارة الصلاة التي شرحناها والتي لا يكون للشاعر فيها أي ثقب ولو كان كسم الخياط إلا إن مرق من الدين ، وبعيدا عن تباعد الربط بين المعاني هنا فإني أقول بأنني قد أفهم بأن التأجيل كان أمرا قسرك عليه ظرفك الذي أعرفه لأنني أعرفك فكيف تريد أن تفرض على من لا يعرفك ولا يعرف هذا أن يخمنه دون إشارة دالة منك على ذلك ، ولئن فهمت أمر التأجيل فكيف لي أن أفهم الإنكار مكان الحرمان كما شرحت أنت والفرق بينهما لغة دلالة كبير كبير.
7- إن ما تقدم من نصح أبوي ومن رأي أدبي هو مجرد اجتهاد صادق منا في أن لا يدفعك العجب للشطط فتخسر رضا ربك ومحبة عباده ، وليس لي أو لغيري أن ينصب نفسه ربا يحاسبك ولا أن يتأله أحد على أحد ، ولكن فرض علينا النصح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ونثق بحسن نيتك واجتهاد طموحك في التميز الشعري ولكن كل ابن آدم خطاء ولا أحد معصوم ، وها بذلنا لك الرأي مخلصين والنصح ماحضين فخذ إن شئت أو فدع وأمرنا وأمرك إلى الله تعالى.
تقديري
فاعلم يا رعاك الله أني أحرص الناس على الصدق مع نفسي قبل الآخرين لذلك لن أجد حرجًا في اعتزازي بموقفي العدائي تجاه فلان وعلان مهما كان السبب ولا أستحي من ذلك ولن أفكر يومًا في تصنع المثالية =وهذا لايعني أن العداء مطلق أو أبدي فربما أغير موقفي غدًا لأي سبب فأنا مرن في كل شيء ولكني لا أتراجع عن قناعة إلا بقناعة