صوتكَنثاراتٌ من الخزامى يأتيني صوتكَ من تلَّة الوجدِ بيننا هالاتٍ هُيامى تَفيقُ عليها زُهيراتٌ من الشوق غافيةٍ على نسيجِ روضةٍ فيروزيةٍ تُشبهُ شاطئ الحياةِ الأزرقِ فتعبق بها زوايا الكونِ والآفاق , وترتعشُ لأريجها حنايا الأشياء الغارقة في روعةِ الحُسنِ ونَفْحِ الجمال , ثم لا تملكُ إلا أن تنشدَ أنشودةَ المطر فَـتَـتَـشَنـَّفُ مسامعُ الدنى ألقاً وطرباً تميس حولها أفنانُ الشجر وأرياشُ الطيور ..
اهداءٌ إلى نَشْوَةِ الخمرِ في صوتِهِ
يأتيني نَثِيرُ صوتكَ - نثيرُ الحِسِّ هو- فَتُعشب أقواسُ قزحٍ وتَـتـَفَـتَّـقُ مزنُ الغيبِ عن أوراقٍ خضراءٍ مُبْتَلَّة بِطَلّ شَذى ضَوءٍ يَتَطَايَرُ في شِعَابِ روحي المُعتلقة في شعابِ روحكَ فَـتُـزْهِرُفيها كواكبُ حمراءُ تشعُّ شعوراً وحبوراً وَتَرِفُّ حَنيناً وعُطُوراً ..
وعندما أتأمَّل صوتكَ أشعرُ أنَّه الأقحوانُ البَهيُّ تُحيطُ بهِ عناقيدُ من الياقوتِ الأحمرِ بين كُلِّ واحدةٍ وأخرى زبرجدةً تأخذني إلى سواحلِ خضراء حيث أتَرَاشَقُ هناك أنا وهُدهدٌ عُشْبِيٌّ شقيُّ برشقاتٍ من ماءِ الحبِّ السَّاجي في عُروقي المُبتَلَّةِ بكَ , ثم يقطر فيَّ بمنقاره الجميل نعاعة من فيء قلبك اللَّمَّاعِ المُضِيء ..
صوتكَ يَتَسَلَّلُ إلى أذني فأتحولُ عصفوراً شَهِياً يَتَلظَّى على سِحْرِ نَبَراتَكَ , أو عناقيدَ من حباتِ بوحٍ فريدٍ كان قد سكن قِنينةَ عشقٍ أسطوريٍّ تَفجَّرَ فجأةً من مَسْحَة مَلَكٍ زاكي يشبه رجفة الطرب من بيانٍ أثيرٍ ونفثةِ العُقدِ الساحرة في الرَّوعةِ المُفزِعَة ..
عندما يُعانقُ الفجرُ النَّقيُّ خيوطَ الشَّمسِ الضَّاحكةِ يأتي صوتكَ قطراتٍ مُعَبَّأةً برحيقِ العشقِ يَتَلألأ كالبِلّور في مَيْعَة النَّهار المُدَلَّلُ على أديمِ الأرضِ المَفتُونةِ بكَ , فَتَتَراقَصُ فراشاتٌ مُلوَّنةٌ كنَقشِ السُّحبِ عندما تَتَشَكَّلُ من عِنَاق المطرِ والغيمِ والهواءِ الرَّطيبِ , ويبدو أن في الحياة صفحاتٌ أخرى أجمل كانت مختبئةً خلفَ أوراقِ وردٍ مُضيءٍ لم يُعرفْ من قبلْ ..
يأتيني صوتكَ هاتفاً يُبعثِرُني أزهاراً وأريجاً ومزيجاً من الأشواق المتوزعة وجلاً وخَجَلاَ على مسحات الأفق .. أتـَنـَاثرُ كَنَثـْرةِ عطرٍ يرجُفُ فوقَ غيماتِ السَّماءِ ونورسٌ أخضرٌ يرقبني حائراً من بعيد .. يتلقَّفُني بأجنحته .. أطير بها فوقَ الحياةِ الشَّاعرة , وأرَى وكَأنَّنِي حُلماً يَهْذِي ببريقِ البهاءِ وعبقرية الجمالِ السَّرمديِّ العتيق ..
وعندما يَغْفُو القمرُ بين أضلاعِ المساءِ وتختبئُّ النجومُ المتواترةُ حياءً خلفَ أنسجةِ السَّحرِ وتَهْمِسُ نسائمُ اللَّيلِ بأسرارِ وَجْدِها لصَفحَة السَّماء يأتيني صوتكَ يخترقُ كٌلَّ أجواءِ السِّحرِ تلك , ويصنعُ لي لوحةً سِحْرِيَّةً أخرى جديدة من صنع الله البديع – سبحانه - ومن بديعه الفتان , تَقْطُر من جوانبها ذؤاباتُ من رُوْحِ الرَّوْحِ والرَّيحانِ والتسنيم والرحيق المختوم ..
هَل تدري أنِّي أحياناً لا أفْقًهُ قولكَ ؟!
تأخذني موسيقى الأصواتِ في كلماتكَ إلى غاباتٍ من الوردِ الأحمرِ وأشجارِ الصنوبرِ والصَّندلِ فأظلُّ أطفقُ مَسْحَاً بأوراق كثيرةِ متناثرةٍ حولي سقطتْ من كُلِّ تلك الأشجارِ , وأنسى أنني كنتُ معكَ وأسمع لكَ , بل تِهْتُ في نَغَمَاتَكَ ..
هَل تَعي أنَّنِي أُنْصِتُ لكَ بِِأُسِّ روحي وبِنبضِ حِسِّي ونَقْطِ مَشَاعري وصوتِ وَجْدي ونيروزة حُبي لا بأذني فقط , وأنَّنِي أتطَايرُ شَعَـثاً شَعَـثاً تبدوعِطْرِيَّةً قَمَرِيَّةً تذوبُ فوقَ رَوَابِي الوَجْد السَّاكنةِ في وديانكَ وفي أحيائكَ المخضوضرة بفيضِ ودادكَ وشَهِّي ابتسَامِكَ ..
يتحولُ صوتُكَ في أغلبِ أحيانهِ رَجْفَةً خَمْرِيَّةً تُطِيحُ بكلِّ تمنُّعي وكبريائي فتَـتـَساقطُ معه ثماراً حلوةً نتلاقطها معاً عندما تَتَحَدَّثُ أكثر , أقصد عندما يُفَجِّرُصَوتكَ كُلَّ صَمْتِي فيتحولُ طَيْشَاً مَجْنُوناً سَاحراً أعمى ..
وقد يتحولُ صوتكَ أحياناً أهازيجاً كالعيدِ الزَّهِيِّ فأسوحُ في ربوعكَ كالأطفالِ الأشقياءِ في زمنِ العيدِ تـَتـَقـَافـَزُ البهجةُ من عيونهمِ وشفاههم وقلوبهم الصغيرةِ البيضاءِ .. يعبثون بالزِّروعِ والزُّهورِ والفـَرَاشِ وبالألعابِ النَّاريَّة وفي أيديهم حَلوَى أفراحِ حروفكَ التي أطعَمْتـَها قلبي قبل سَمْعِي وحَلوَى أفراحِ صوتكَ الذي بـِتُّ أتـَلَمَّظُهُ حقاً وحقيقة ً في شَفَتيَّ لا في أذنيَّ ..
صَوتكَ عَنَاقيدُ مَحَلاةٌ في نَفْسِي أتوقُ إلى قَطْفِهَا كُل حينٍ ...
وعصافيرُ صغيرةٌ أتوقُ إلى مُشَارَدَتِهَا ومُشَارَكَتِها الشَّقْشَقة عندَ انبلاجِ الصباحِ , وتَفَتُّحِ الأورَادِ , وعندَ رفيفِ هجرتِها مساءً مع نسيماتِ الأصيلِ وطّلاتِ المساءِ الرقيقِ ..
قد يكون صوتكَ هو الحياةَ في الأحياءِ ..... لستُ أدري!
لستُ أدري أيُّ شيءٍ هوَ ؟!
فإنْ عرفتَهُ أنتَ فَبَصِّرني وفَصِّل لي ثم دعني أغيبُ فيه وأدسُّ في طياته بقية عمري .
دعني أتوه فيه وأشتت فيه أنفاسي ونفسي وبقايا كياني وكينونة زمني وأواني..
وانساه وانساني ..
انسَ صوتكَ السَّاكنَ فيَّ الذائبَ الفانِي ..