أيتها الحمى ... أشكرك !
أشكرك أيتها الحمى أن جئت لزيارتي وأنا في بيتي .... ربما إن لم أكن موجودا لا أدري أين كنت ستقضين عطلتك؟إليك ... يا من تكونين حبيبتيمحمد نديم
آخر أيام العطلة ... ستبدأ حمى العمل والركض ...
أبدو وكأنني أستحث العطلة أن تنتهي والعمل أن يقبل
العطلة التي كانت لي( أنفلونزا) ممضة مؤلمة سكنتني وقضت أجازتها عندي ....
الآن فقط بدأت تطفئ أتون نارها و تلملم أنياب آلامها ومخالب وجعها مع آخر أيام العطلة ..... ربما ستخرج من عندي لتبدأ عملها في جسد آخر من جديد ... شكرتها وحمدت الله أنها كانت هنا في عطلتي ....لا أحب أن يعطلني شيء عن العمل
فعند عودتي إليه بعد انقطاع أشعر بغربة وتوتر وتمزق وارتباك وعدم تركيز
ولا أستطيع (لملمتني ) إلا بعد أسبوع على الأقل ....
كما أن قضاء عطلة بين أحضان حمى .... تجربة رائعة وجميلة .... لأسباب عديدة ....
أولا لقد شعرت لأول مرة بمتعة المرض .... نعم متعة المرض ... أن تستلقي على سريرك ... وتتمتع بحلاوة النوم والاستلقاء ,,, وحولك من يخدمك بحنان . تشير فيمدون أيديهم لك بما تحتاج .... تغفو بين إغماضة هلوسات المرض وبين صحوة عليل شاقه أن يرشف بعض ماء .... فتعلم أن كم جميلة هي الحياة ورائعة هي الصحة ...
وكم هي جميلة لحظة السكينة والصفاء في المرض .... كلحظة الصوم في آخر نهار من نهارات رمضان ...
لعلها الروح ... تسمو وتشف بالصوم والألم ... فتكون قريبة من مصدرها وبحرها الخضم ... من جمال الله وروحه سبحانه وتعالى ....
؟ ربما .
في عطلتي مع الحمى أو قل رحلتي معها ... طوال أسبوع أو أكثر ... رأيتني أستحم
بالندى والبرد بين الغمام ,وأسابق النجوم والكواكب نحو الشمس لأستزيد من وهجها
ورأيتني أركض في مروح ووديان وسهول وتفتحت كأزهار في شجر الليلك .... وبراعم على رؤوس الزنبق ,وانشطرت مع الصخور حين شقها السيل ....وسافرت في ماء الأنهار ... ولثمت خدود النباتات والحشائش .... وغصت مع المحارات الجميلة والأسماك الملونة .... وسبحت مع عرائس البحر ووحوش المحيطات .... وخرجت في شبكة صياد ... ألقاني على شط من النور واللألئ .... وخاطبت السناجب وحادثت الفراشات ودود الأرض وثعابينها وراقصت قطرات الندى على شفاه الورد ...
والتصقت بظهور الصواريخ ...وطرت مع أسراب الطائرات والبوم والعصافير .. وانفجرت مع الشراك المفخخة .... هنا وطني .... وامتزجت بخطب الساسة ... وأمسكت بتلابيب العم بوش ... وكدت ....أن يخنقني ... ورأيت وجه رئيسي في العمل كحذاء قديم مهترئ وعلى صدره لوحة رقمية للص فور القبض عليه ...
ورأيت وجهك حبيبتي .... كقطرة ماء صافية ... لا بل هي دمعة رائقة .. حنونة... ولمست خدك الطفولي الرقيق .... فانتشيت ... وأمسكت كفك فإذا هو باقة من الياسمين !!!
ولبسنا أثوابا من العشب ... وعناقيد القرنفل ...وصنعت لك عقدا مسحورا من حبات عنب بري وحين جعنا ... أكلناه ........ وتشابكت أصابعنا .... فتفجر النبع من بين أيدينا ... فضحكنا حتى البكاء .... وسمعت صرختي لحظة ميلادي.... أبي يضحك وبغله أيضا ... أمي تكور خبز تنورها وترميني بالعجين في وجهي ...اصطفت جداتي من قرون يجهزن لعرسي فور أن ولدت.ورأيتني صبيا على ضفاف النهر يحاول أن يحبس القمر في زجاجة صغيرة.
غنيت مع صبايا الحي ... وجنيات النيل الأسواني ... ... وبكيت مع الأيتام ... واختيأت في جوف تمرة شهية ... ستأكلها حبيبتي ... وٍذبت مع أريج الربيع لعلمي أنه سيصافح وجهك الجميل.ويداعب خصلات شعرك المجنونة.
وتقافزت فوق أوتار الكمان فطرت إلى السقف وعدت إليها مرة أخرى
وتناثرت لحنا رائعا .... جميلا ... وهممت بفتح فمي لأغني ...
فكانت ( الآه)
ألما وتوجعا ...
هي الحمى إذن .
القلب والوجدان ساعة المرض... .... رقيقان محلقان ... بين الأمل والرجاء
أن يغفر الله ما كان ... وتحن لحظتها لكل من حولك أهلا كان أو حبيبا صديقا كان أو, عدوا .... لتقول لهم جميعا .. كم أحبكم
وشعور طفولي ... تحس معه أنك عدت إلى براءة وجهك الأول .... وضعفك الإنساني الذي أخفيته وراء غلالة من الكذب والافتراء والشعور الخادع بالقوة ...ا
هي الحمى في عطلتها معي ... أعطتني إجازة من كل مساوئي .... وآثامي ... وعندما رأيتني في مرايا الحقيقة ... عرفتني ... نعم هو أنا ......دهشت لرؤيتي ... ! كم اشتقت أن أراني منذأمد بعيد .
إليك يا من تكونين حبيبتي....
أطلت عليك؟
أحب أن أحدثك حتى ولو على الورق... أو في هلوسات الحمى وفي كوايس الألم ..
نعم أود للعطلة أن تروح....
وكأننا لا نتوهج حبا وعطاء إلا حين نكون مربوطين في عجلة الحياة ولهيب العمل ومعترك الواقع ... وغبار السباق المحموم ..حمى جديدة ربما ؟ إذن فلتكن .
بل نعم بالتأكيد هي الحقيقة .... نشتاق أن نهرب ... من قيظ الواقع وشمسه الحارقة ... إلى رشفة الحب الباردة ... نحن إلى أن نريح القلب والعقل تحت غصون العشق الوارفة .... بعد رحلة سفر شاق طويل
لكننا لا نحس بواحة الظل لو عشنا فيها إلى الأبد...
لابد أن نكون بين بين ... كي تكون الفرحة .... و تكون الحياة.
أحبك الآن .... أكثر.
أشتاق إليك الآن أكثر..
اغتسلت ...
سأتوهج الآن
عملا
وحبا
وأملا
سأسافر في الشمس والبرد ...
في دنيا الله ....
وتحت عينيه ...
محوطا بروحة ...
سأبدأ السباق من جديد
لأحن إلى واحتك الوارفة
أستظل بحبك تحت غصونها ...
وأرشف من عينيك خمري الدافئة
فالعطلة انتهت
والحمى قد سافرت.
فجرالجمعة التاسع من فبراير 2007