أحدث المشاركات
صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 20

الموضوع: القصة القصيرة جدا في قفص الاتهام

  1. #1
    أديب وناقد
    تاريخ التسجيل : Dec 2005
    الدولة : بعلبك
    المشاركات : 1,043
    المواضيع : 80
    الردود : 1043
    المعدل اليومي : 0.16

    افتراضي القصة القصيرة جدا في قفص الاتهام

    القصة القصيرة جدًا في قفص الاتهام
    لم يشهد نوع أدبي ما شهدته القصة القصيرة جدا من جدل محتدم خلال الندوات و المؤتمرات التي عقدت حول هويّتها من جهة و حول أحقيّتها في الحياة من جهة أخرى .
    فالأنواع الأدبية الأخرى فرضت نفسها في حيّز الوجود كأسلوب لا غنى عنه من أساليب التعبير ؛ و لم يمانع أحد في تلقّفها و لم يسألها عن بلد المنشأ طالما أنها تقدّم نفسها مرآة للإبداع و الجمال اللذين يتجاوزان حدود الوطن و الجنسية .
    لماذا تُحارب القصة القصيرة جدا هذه الحرب الشعواء ؟ تُقام في وجهها السدود و تُغلق دونها الحدود و تكال لها الردود التي تحمل في طياتها التهكّم و السخرية أحيانا .
    هذا يسميها ومضة و ذاك يسميها برقية و آخر يقول : لمحة وأخرى تقول:طرفة و خامس يقرّر: إنها فكرة و سادس يشعرنها مطلقا عليها اسم : خاطرة ؛ما جعلني أنضمّ إلى ركب المتفذلكين مختارا لها اسما جديدا: قَصَجَة .اختصارا لاسمها الطويل جدا و الذي لا يتناسب و جوهرها .
    إذا كانت حجّة المحاربين تتمركز حول حجمها الصغير جدا فالقصة القصيرة أيضا ثارت على الرواية و أعلنت الانفصال محققة نجاحات لا تُحدّ و جمالات لا تحصى .
    وإذا انتُقِدت لاجتزائها بعض عناصر السرد كالزمان أو المكان أو كليهما معا فهذا التحرر يزينها ولا يشينها و يُنصّبها منارة يخترق نورها أمداء الزمان و المكان ويُعلّق على صدرها وسام الشمولية .
    و إذا تناوشتها سهام النقد لأنها تُكثّف الصور و المشاهد و الرؤى إلى درجة تقرّبها من الغموض فهذا فخر لها و قد قرّر الإمام النفّري رحمه الله :" كلما ضاقت العبارة اتّسع المعنى." لأن خيال القارئ يسرح في تصوّر المشهد كما يحلو له فيغدو مشاركا في كتابة النص غير مكتفٍ بلعب دور المتلقّي السلبي ؛ولا بأس بمثل يدعم هذا الرأي:
    ( لو وصفنا الحديقة بأنها قِبلة المتنزهين و أمل الراغبين في السعادة و الجمال ؛ تتطاول أشجارها معانقة كبد السماء وتتلاون أزهارها معلنة أنها السحر بعينه .
    ووصفناها بأنها : جنّة .
    فأيّ الوصفين أقدر على تحفيز الخيال ؟! )
    و إذا جوبهت بأنها تدور حول حدث واحد و حبكة واحدة لا غير فهذا يقدّمها للقارئ على طبق من البساطة و الوضوح بعيدا عن تداخل الأحداث و تشابك العُقد .
    و إذا اتّهمت بأنها أباحت نفسها لكلّ من هبّ و دبّ من حملة الأقلام فهذا جُرم هي منه براء و الجاني هو من يستسهلها و ينتهك حرمتها .
    و لعل الرمح الذي يكاد يصيب منها مقتلا هو ضبابيتها التي تقلص الرؤية حولها فتجعلها عصيّة على التمظهر بقوام فريد يميّزها عمّا يشبهها من أنواع القصّ الأخرى كالطرفة و النادرة رغم أنّ الفرق بينها شاسع.
    فالطرفة ( النكتة و الملحة ) هي نص سردي قصير يهدف إلى الإضحاك تحديدا ،يختلقها الراوي ساخرا من الفكرة التي تختزنها معتمدا على مبدأ الإدهاش و عدم التوقّع ما يجعلها شبيهة بالإحجية. و البعض لا يفرّق بينها و بين النادرة .
    بينما القصة القصيرة جدا لا تهدف إلى الإضحاك إطلاقا و إن لبست ثوب الطرافة أحيانا راسمة البسمة على وجه القارئ ؛ و لعل ما يميّزها هو سخريّتها السوداء التي تفضح الواقع المرير والتي تستمطر الحزن بدل الفرح كقصّتي هذه:
    وا
    (على وقع الاستغاثات الصاخبة بُعث المعتصم من مرقده؛ كانت النداءات حادة و حارّة في لهفتها .
    أصمّ أذنيه للوهلة الأولى ثم تلفّت حوله يمنة و يسرة فلم يجد نساء عربيات يستغثن بل ملوكا و رؤساء و أمراء ، فأصيب بسكتة دماغية .)
    كما أنّ القصة القصيرة جدا تتميز عن النادرة في كونها تسرح في عالم الفانتازيا الخيالي الرائع بينما النادرة تسجيل حرفي لحدث اجتماعي أو تاريخي غير مألوف يتّصف بالغرابة و الإدهاش لذا فالأَولى تصنيفها في خانة القصص التاريخي كما أن النادرة قد تترهل على مدى صفحات و قد تنكمش في سطور قليلة بحسب عدد الشخصيات و الأحداث فيها، بعكس القصة القصيرة جدا .
    أما تشبيهها بالفكرة فخطأ فادح لأن الفكرة قد لا تروي حدثا ولا تتلبس شخصية ولا تتأطّر في زمان أو مكان .
    و الخاطرة أيضا تختلف عن القصة القصيرة جدا لأنها أشبه بالمناجاة و البوح الحكيم و هي بعيدة عن السرد المتضمن حكاية كقولنا مثلا :
    ( لماذا أيها الحُبّ كلّما اقتربنا منك ازددت بُعدا و كلما توددنا إليك ازداد صدّك ؟)
    أمّا الومضة فهي لمحة موجزة تتأرجح بين الشعر و الخاطرة وهي إلى الصورة الشعرية أقرب .لذا فهي أبعد ما تكون عن القصة القصيرة جدا .
    إزاء ما تقدّم و بعد نفي علاقة القصة القصيرة جدا بالإنواع الأدبية الأخرى فلا بدّ من تحديد معالمها من خلال العناصر الأساسية التي يجب أن تتوافر فيها و هي :
    1- الحكاية : فعليها أن تحكي حكاية تماما كالرواية و القصة القصيرة و المسرحية و المقامة و النادرة و...
    2- الشخصية : فلا قصة بدون شخصيات تُنجِز الحدث و تشكّل جوهر السرد الأساس و لا يُشترط في الشخصية أن تكون إنسانا فالحيوان و النبات والجماد كلها تصلح للعب الدور.
    3- الوحدة : أي الإضاءة على حدث واحد بعينه مصوغ في حبكة واحدة تُبدي وضوحها للعيان لأن تنوّع الأحداث يستدعي تشابكها و يؤدي إلى تعدد الحبكات و العقد التي تقود إلى أكثر من احتمال و إلى تكرار الأفكار في معظم الأحيان ما يرمي بالقصة إلى هاوية الترهل و الذبول .
    4- التكثيف المقصود : و لعله الهوية الأبرز التي تحملها القصة القصيرة جدا و هو يعتمد على ضغط الصور و الرؤى بشكل موجز مختصر يحافظ على جوهرها بكل مكوّناته دون شرح أو تفصيل أي على مقاسها تماما دون تطويل مملّ أو إيجاز مُخلّ .و لعل هذا الشرط هو الأصعب بين عناصرها لأنه يحتاج إلى الموهبة المبدعة و الثقافة الثرّة و القدرات اللغوية والتركيز الذهني الشديد و هذه شروط تبدو تعجيزية يجفل منها الكتّاب فيديرون ظهورهم للقصة القصيرة جدا منصرفين إلى مجال إبداعهم الأساس .
    5- المفارقة : و هي عنصر جوهري لأنها تتمحور حول تقنية تفريغ الذروة و صدم القارئ بما لا يتوقّع و هنا يلمع وجه الشبه بينها و بين الطرفة و النادرة لأن المفارقة تشكّل عنصر التشويق اللذيذ الذي يميزالقصة الناجحة و يسكب المتعة و الارتياح في نفس القارئ .
    6- انتشار الجمل الفعلية بشكل لافت ؛لأنها في إيحاءاتها الدلالية تشير إلى الحركة و الحالة و هما شرطان لازمان من شروط السرد و هذا لا يعني الاستغناء عن الجمل الإسمية لضرورتها في الوصف الذي لا تحتفي به القصة القصيرة جدا في أغلب الأحيان ؛لأنه إن طغى على السرد هدم الحدود التي تفصلها عن الخاطرة وعن المقالة الوصفية .
    7- العنوان : وهو رغم أهميته في النصوص على اختلاف أنواعها فإنه في القصة القصيرة جدا يجب أن يختار بدقة لأنه يلعب دورا حاسما مضيئا على المضمون شاحنا للرؤى و الدلالات .
    وحين تزدان القصة القصيرة جدا بعناصرها تأتلق فيها الفكرة ماسةً تتعاكس عليها المرامي البعيدة و الدلالات المبطّنة ،يستوحيها القارئ الفطِن متّكئا على المفردات الدالّة و المختارة بدقّة و دراية فإذا هو في دقائق معدودات يقرأ قصّة ماتعة غنية بالرموز و الأبعاد و المعاني التضمينية في جوّ ساحر و ساخر يُشكّله الخيال الخصب المنطلق من أرضية الواقع المرير الذي تعبث به قوى الشرّ و الظلام لتجد القصة القصيرة جدا نفسها الأقدر على ملامسة المواضيع الحساسة كالعولمة و صراع الحضارات و الديمقراطية و الدكتاتورية و قضايا الإنسان العادلة و الإرهاب في أسلوب يتوخّى التلميح مستغنيا به عن التصريح .
    و القصة القصيرة جدا إذ تقدّم نفسها نوعا أدبيا جديدا له أنصاره و مؤيدوه المدافعون عنه تضع نفسها تحت المجهر مهيبة بالنقاد أن يفسحوا لها في الطريق كي تأخذ مكانها اللائق بها طالبة منهم الحذر و الدقّة في التعاطي معها لأنها طرية العود تتوق إلى من يحتضنها و يرعاها.
    تجارب الكتّاب و المبدعين ما زالت خجولة في ارتياد هذا الفنّ النثري الجديد و هي لا تكفي بضآلتها الحالية لتشكيل نظرة نقدية وافية ومحددة حولها ما يجعل التسرّع في الحكم عليها أقرب إلى النقض منه إلى النقد .
    هذا الخجل في التجريب يقابله خلل في المشهد النقدي ,فبين ناقد يُطبّل و يُزمّر لفلان أو علاّن من معارفه كَتَبة القصة القصيرة جدا و بين ناقد محايد،تهتزّ المعايير و يختلّ التوازن وتفقد(القصجة )
    عذريّتها و ألقها بعد أن عرّشت الطحالب على صدرها حارمةً ساحتنا الأدبية متعة التلذّذ بنوع أدبي جديد جميل توّاق للظهور، ومناسب لواقع الأمور، اسمه : القصة القصيرة جدا .

  2. #2

  3. #3

  4. #4
    قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Oct 2006
    الدولة : Palestine-Gaza
    المشاركات : 101
    المواضيع : 14
    الردود : 101
    المعدل اليومي : 0.02

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سعيد أبو نعسة مشاهدة المشاركة
    وإذا انتُقِدت لاجتزائها بعض عناصر السرد كالزمان أو المكان أو كليهما معا فهذا التحرر يزينها ولا يشينها و يُنصّبها منارة يخترق نورها أمداء الزمان و المكان ويُعلّق على صدرها وسام الشمولية .
    .


    الفاضل سعيد ..

    وهل تبقى القصة قصة إذا فقدت أحد عناصرها ؟! ، وهل تحررها من بعض أجزائها يزينها ؟! أم هذا هروب من عدم اتقان !

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سعيد أبو نعسة مشاهدة المشاركة
    فالطرفة ( النكتة و الملحة ) هي نص سردي قصير
    .
    فما هي القصجة إذن ؟

    اخي الفاضل القصة تحتكم إلى عناصرها ولا يعني أن أتحرر من بعض أجزائها لأختلق فنا جديدا أسميه قصة قصيرة جدا وبعد ذلك آتي بفنٍ أحدث أسميه قصة قصيرة جدا جدا ، القصة هي القصة وإن قلت سطورها فهي أقصوصة وهناك الأسطورة والتي يتشبعها عنصر الخيال ، وأيضا الحكاية فهي القصة قديما وإن طالت وتعدت المجلدات سميت بالرواية لكن القصة قصة فليس هناك ما يسمى بالقصيرة جدا وإلا فأين ذهبت الأقصوصة ؟!

    وهاهو القرآن الكريم يقص علينا من القصص التي تعلمنا منها كيف تكون القصة .

    وهل أكتب جملة أو جملتين ، حكمة أو مقولة او أنقل فكرة أكون كتبت القصجة .

    لنعود قليلا إلى القصة ..

    هنا


    أخي سعيد أتمنى أن نكون أوسع فكرا ...

    مع خالص التحية

  5. #5
    قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Oct 2006
    الدولة : Palestine-Gaza
    المشاركات : 101
    المواضيع : 14
    الردود : 101
    المعدل اليومي : 0.02

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة شاهين أبوالفتوح مشاهدة المشاركة
    أستاذنا الكريم / سعيد أبونعسة
    أفدتني أفادك الله وبارك لنا فيك وفي قلمك.
    واسمح لي أن أسئل الأخت إيمان دلول : ماذا تقصدين ب :
    وهاهو القرآن الكريم يقص علينا من القصص التي تعلمنا منها كيف تكون القصة ؟؟؟
    شاهين أبو الفتوح اهلا بك مجددا

    أي اني لم أجد في القرآن الكريم قصجة واحدة !

  6. #6

  7. #7

  8. #8
    الصورة الرمزية حسام القاضي أديب قاص
    تاريخ التسجيل : Mar 2006
    الدولة : مصر+الكويت
    العمر : 63
    المشاركات : 2,213
    المواضيع : 78
    الردود : 2213
    المعدل اليومي : 0.33

    افتراضي

    أخي الحبيب الأديب والناقد المبدع / سعيد أبو نعسة
    السلام عليكم ورحمة الله وبركانه
    جميل منك جداً هذا الموضوع ؛ فقد جاء في وقته تماماً ، وكم كنا نحتاج لمثل هذه الاضاءة حول ماهية القصة القصيرة جداً ، وأنا معك ومعها تماماَ كفن مهم جداً ، ولكن البعض يستسهلها ويظنها ملخصاً لقصة أكثر منها طولاً ؛ فهؤلاء يبدأون بها مباشرة قبل أن يتمكنوا من كتابة قصة بوجه عام ، لذا تأتي أعمالهم مسطحة و باردة لا فن فيها ، والبعض الآخر للأسف قد يوردها في شكل خبري ، وأنا ( ولتسمح لي) أعترض على هذا الشكل ؛ فإذا أصبحت القصة مجرد خبر فليكتبها إذاً كل من يعرف الحروف الأبجدية ، وهنا أخشى على هذا الفن الجميل من اختلاط الحابل بالنابل فيأتي اليوم الذي لا نستطيع فيه التفرقة بين القصة وبين أي شيء آخر .
    تقبل تقديري واحترامي .
    حسام القاضي
    أديب .. أحياناً

  9. #9
    أديب وناقد
    تاريخ التسجيل : Oct 2006
    الدولة : الكويت _ مصر
    المشاركات : 133
    المواضيع : 5
    الردود : 133
    المعدل اليومي : 0.02

    افتراضي

    الأديب الفاضل والناقد الأستاذ سعيد أبو نعسة
    تحية عطرة إلى جهدك واجتهادك في التنظير والتحليل
    لكنها بالفعل " قصة قصيرة " تكثفت واعتصمت بالإيجاز حتى أضحت " أقصوصة " , كما أشارت الفاضلة إيمان
    والعناصر التي _ نحمد لك تبيانها _ هي نفسها عناصر القصة القصيرة , وهي تتجدد لأن من طبيعتها التجدد .
    أثني على مقالك كل الثناء
    ودمت مبدعا

  10. #10
    أديب وناقد
    تاريخ التسجيل : Dec 2005
    الدولة : بعلبك
    المشاركات : 1,043
    المواضيع : 80
    الردود : 1043
    المعدل اليومي : 0.16

    افتراضي

    أخي الكريم شاهين أبو الفتوح
    أشكرك على هذا التعاطف مع النص
    دمت في خير و عطاء

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. القصة القصيرة جدا: قراءة في التشكيل والرؤية
    بواسطة د. حسين علي محمد في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
    مشاركات: 17
    آخر مشاركة: 27-06-2010, 12:08 PM
  2. قراءة في قصيدة " عصفور في قفص الاتهام " للشاعر عبد المنعم الموسوي
    بواسطة د.مصطفى عطية جمعة في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 06-11-2008, 08:10 PM
  3. جيلٌ في قفصِ الاتهام
    بواسطة عبد الحميد محمود في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 20-09-2008, 01:50 PM