- هل اشتريت لي هذه الاسطوانة الجميلة لي كهديه, كأنك تريد أن تخبرني شيئاً ما من خلالها؟
لم تفاجأه حدة ذكائها وآثر الصمت, فقد كانت في حلقه غصة و حرقة .
تنطلق الاغنية بعذوبة و حزن:
( لن تستطيع أن تجمعنا الايام ,
فنحن من عوالم مختلفة بعيدة .
حلق يا حلمي النازف في سماء
اللا وجود , حلق و اختفي بين الغيوم)
تطفئ الموسيقا وقد ذرفت دموعاً كقطرات الدروالجمان على بشرتها البيضاء الوردية , فزادت زرقة عينيها المتلألأتين بريقاً و بهاءً.
- لكن الحب قادر على أن يلغي المسافات ويتجاوز الحدود و الاودية.
- في بعض الاحيان لا يستطيع أن يتجاوز إلا نفسه , متوقفاً في محطات المرارة و الندم .
- لاأستطيع العيش بدونك , تعرف كم أحبك ؟!
- وأنا أحببتك بصدق .
- ولماذا تحكم بالفراق و الرحيل ؟؟
- حان الوقت .
- أرحل معك , فبلادي هي أنت .
- لن تقدري ! فحدود شائكة كثيرة في انتظارك .
- سأحطمها بصخرة عشق صلدة.
- لست من صنعها , ولذلك لن تقدري ..
- أنت لغتي وعاداتي وموروثي وديدني , ودينك ديني.
- الفقر ينتظرني مكشراً عن أنيابه .
- ما أحلاه معك !
- بل ما أتعسنا معه !
- سأرحل ...
- لا تفعل ...
- قررت .
- ابقى قليلاً كي تلتهم حواسي منك إطلالتها الاخيرة ..
- الرفاق في الانتظار.
- وأنا في احتضار.
يقف وتقف معه ويقترب منها مرتجفاً ويطبع على جبينها قبلة حزينة, ثم يمسح دموعها
- اعتني بنفسك .
- ضاعت نفسي .
- سأتذكرك دائماً , و خصوصاً عندما يهطل الثلج !..
- ليس للثلج لون بدونك .
- وعندما يشتد البرد .
- ما أبرد الفراق !
- وداعاً يا حلمي الجميل الرقيق .
- وداعاً يا دفء الشرق وحنانه .
يهم بالخروج فتصيح به ,
- انتظر , خذ هذا الكتاب , فيه ورود حمراء أهديتني إياها في أول لقاءٍ جمعنا , قمت بتجفيفها ووضعتها
في صفحة قصيدتك المفضلة.
يمسك الكتاب دون أن ينظرإليها , ويخرج حزيناً كئيباً غير آبه بصراخ الرفاق:
يا أخي ستتاخر على موعد القطار هيا ...
ينظر الى الكتاب فاذا هو ديوان شعر ل(بوشكين) يفتح الصفحات , فيجد الورود الحمراء الذابلة,
يزيحها بحذر ليرى القصيدة , ثم يضحك و قد ابت دمعة الا أن تتحدر على صفحة خده:
(لا زلت أذكر تلك اللحظة الرائعة
عندما ظهرت أمامي !!! ,
كطيف رائع لبس تاج الروعة و الجمال)
يسترق النظر إلى النافذة التي تمردت على تسلط أغصان شجرة الكستناء العجوز , ليراها كما كانت دوما : بدراً يشع من خلف الزجاج ليضيء لياليه الكالحة، ولكنها في هذه المرة لم تزرع البسمة الساحرة على ثغرها الكرزي الصغير , بل كانت تلوح بيدان مرتجفتان و الدموع تنهمر.