المشاركة الأصلية كتبت بواسطة هشام عزاس
الحبيب / راضي
بين جحيمين وجدتكَ تطفو أحيانا ثم تُعيد الغرق مجددا في محاولة يائسة في إيجاد منطقة وسطى بين الهواء و الماء . فما أنتَ بقادرٍ على أن تتنفس تحت الماء و ما أنتَ بقادر على أن تظلَ دون هواء .
هو جحيم صراع أبدّي بين العقل و القلب , و قد يبدو نعيما إذا ما تعلّمنا العيش دون أن نُرهق الحس أو الفكر بمتناقضات وُجدت أساسا لنتعامل معها كما هي دونَ مشقة البحث عن العدل الذي لا يوجدُ أصلا في هذه الحالة , و إن وجدَ لا يمكننا كبشر تجسيده و فرضه كمنهج تعامل وفق آليات نرجسية .
هناك أسئلة كثيرة لو تمت الإجابة عليها من منطق الحس لكانت للحياة أذواق و روائحَ مختلفة و قد نمقتها حينها لأنها ستأتي خلافا لنمطية الإحساس البشري و تناقضاته الفطرية .
و هناك أسئلة قد يجيب عليها العقل وفق مبدأ العدل النظري, و لكنه لا يفصلُ في حيثياتها و كثيرا ما تكون الإجابات لا تتعدى محور مسكِ العصا من الوسط و يكون العدل متجسدا نظريا فلا إفراطَ هنا و لا تفريطَ هناك.
ما أريدُ قوله هو أن معيار العدل فيما يتعلقُ بالمشاعر الإنسانية أو التقديرات الذاتية أو التعاملات بين البشر قد يحدّدُ نظريا وفق أطر و معالمَ موضوعية يتفقُ حولها الجميع , و لكنّ تنفيذه عمليا وفق تلك الأطر الموضوعية يصطدمُ دوما بالتقديرات المختلفة في كيفية التطبيق و آلية التعامل و حتى في كيفية النظرة ذاتها من شخص لآخر , و بذلك نجدُ أنفسنا ملزمينَ أحيانا بالتبرير و أخرى في الدفاع عن منطلقات ذاتية تخضع كغيرها من المنطلقات للخطأ و الصواب .
و لذلك أوافقكَ النظرة تماما في أنّ إيجاد الراحة بما يتناسب و رؤانا التي تحدد العدل من هذا المنظور هو من باب المستحيلات, و العدل الذي ننشده في هذا الموضع لا يتحقق فعلا إلاّ عندَ من خلقَ هذه الأنفس و يعلمُ تفاصيلها و تراكيبها العجيبة.
استوقفتني في هلوستك هذه كما تقول أسئلة كثيرة و من بينها تحوّل الصداقة إلى حب حقيقي , و طبعا تقصد صداقة الرجل بالمرأة التي ما زلتُ في قرارة نفسي لا أقرّها و لا أعترفُ بها إلاّ في حدود مضبوطة جدا لأسباب كثيرة يضيق بي المقام هنا للخوض فيها حسب ما أعتقدُ طبعا _ و هذا يقودنا إلى التحليل الأول و مسألة المنطلقات و الحكم عليها _ و بالتالي فأنا أعتبرُ أنّ تحولها أو خروجها عن إطارها النظري هو مسألة نفسية بحتة و لا بد من وجود خلل ما إذا افترضنا بوجودها و صحتها أصلا .
التخلي عن بعض العادات يا صديقي لا يلغي أسباب التخلي عنها, و بذلك لا تعدو زوبعة في فنجان أو تحصيل حاصل, لأن النكهة الحقيقية الموجودة بغض النظر إذا كان مُنتجها مضرا أم مفيدا, هي نكهة القلب و ما يحمله في أعماقه من نكهة شراب الوهم أو الحلم . و انهزامنا إراديا لا يدفع عنّا انهزاماتنا اللاإرادية حتى و إن كان يحققُ لنا رؤية السعادة التي نفتقدها مرسومة على وجه آخر .
ليس تبذيرا كل ما كتبناه و كل ما رسمناه , لأننا في الحقيقة لا نكتبُ للآخر بقدر ما نكتبُ لذواتنا , و من الظلم و الجور أن نعتقدَ أن خلاصة أحاسيسنا هي رهينة القبول عند الآخر , لأننا أنفسنا الأحق بها و الجديرون بتداعياتها حتى و إن فُسّرت على عكس ذلك, فما الداعي إليها إذن و نحن نعلم يقينا بأن لا جواب ؟؟؟
يبدو أن هذا التشظي جعلني أشاركك هلوستكَ , و لكنها هلوسة حميدة لأنّ نيكوتينها يزيد من اتساع شرايين الروح و العقل , كما يفعل نيكوتين السيجار الكوبي في اتساع شرايين الدماغ و لو مؤقتا.
أتمناكَ بخير دوما و أبدا ...
إكليل من الزهر يغلف قلبك
هشـام