يجلس على رمال شاطئ البحر...
خيوط الشفق ، تنساب في صفحة السماء ...
نثار الموج ، يلفح وجهك...
رخات الهواء البارد ، تنعش خلاياك ...
تولع ، بتموجات البحر...
البحر... والمدى اللامتناهي .. يسربلانك ...
.. تمر ساعات .. تسرح في الأفق ...
البحر.. حصيرة هادئة...
تجفل عيناك .. تشعر بمن يتحسس ملامحك ، يضغط على كتفك .. تنتبه – على ضوء القمر – تبصر وجهًا ، مستديرًا ، ينسدل عليه شعر طويل ، يطمس قسماته - تمامًا - يرنو بأنفاسه نحوك ... تسري رعشة في أوصالك .. تشم رائحة غريبة .. جسد امرأة، عار، ممشوق..
تفرك عينيك .. تقف .. تقترب منها .. ترفع براحتيك : خصلات شعرها .. تطالعك عيناها الخضراوان تضويان في الظلمة ..
تدهشك ضحكتها، الناعمة:
-أيقظتك من حلمك ؟!
-أتسبحين هكذا ؟!
تزداد ضحكاتها .. تشير إلى البحر ، بأصابعها :
-أنا من هنا ...
-لا أفهمكِ ...
تطلب منك الجلوس على رمال الشاطئ .. تأخذ من حقيبتك قميصًا .. تعطيه لها .. تهم بارتدائه .. تلتفت برأسك ؛ حتى تنتهي ..
تجلسان.. تمسك براحتيها حفنة من الرمال .. تطيل النظر ، تهمس :
- ولدت في مملكة المرجان ؛ بأعماق بحر ، الوادي السحيق ..
لم يرزق والدي بسواي .. أفرط في تدليلي.. سئمت القصر، وما فيه
في يوم ؛ سبحت أميالاً وأميالاً .. لمحتك ؛ تجلس على الشاطئ .. تابعتك ؛ وأنت تناجي البحر .. تسرح بنظراتك إلى الأفق البعيد .. لا أعلم لماذا شغلت تفكيري ؟..
واليوم ؛ سبحت من أجل أن أراك ؛ وأحدثك ..
بالفعل وجدتك ؛ تجلس في نفس المكان..
يصيبك الدوار ؛ تتلعثم . تنطق ، بصعوبة:
-أكيد أنك تداعبينني .. هل يوجد في عصر المعلومات .. عروس بحر ؟!
- أعرف أنك لا تصدقني؛ ولكن هذه هي الحقيقة.. أتريد أن أثبت لك !!
أعطني يديك .. لم تشعر إلا وهي تجذبك إلى البحر ..
تقاوم.. لم تستطع أن تفلت من يديها ؛ اللتين تحولتا إلى زعانف ؛ فور ملامستها الماء.. ضربت بها ماء الأعماق .. أحاطتك غلالة شفيفة ؛ تتنفس من خلالها.. تسبح أمامك بسرعة؛ وأنت تتبعها ..
ظلمة شديدة؛ تشعر بأشياء تلامسك؛ لعلها كائنات بحرية..
بعد لحظات .. تجد الظلمة ؛ تتلاشى تدريجيًا .. ضوء ساطع ، مبهر.. أسماك صغيرة؛ بألوان الطيف .. تكوينات صخرية ؛ لم تر مثلها من قبل.. قصر عالي البناء ، متسع الأرجاء.. ثريات؛ تدهشك أنوارها.. تنتفض فرائصك .. تشملك رعشة شديدة.. أحست بك .. أخذت تعود بك مرة أخرى.. دخلت إلى الظلمة .. تشعر أنك تطفو .. تضرب بزعانفها ؛ الغلالة ؛ التي تحوطك.. تكتم أنفاسك.. تصعد برأسك.. تأخذ نفسًا عميقًا .. تسبح إلى الشاطئ .. تنظر وراءك؛ تبحث عن عروس البحر..
ظلمة البحر شديدة ، و الأمواج متلاطمة...
... لم تستطع أن تقف على ساقيك .. الخدر ، يسري في خلاياك .. العتمة تغشاك ..
.. تفتح عينيك .. وجوه شائه ، تطل عليك .. تحاول أن تستنطق الحرف .. تأخذك الغفوة ..
.. تشم رائحة اليود .. تنفض غطاء سريرك .. تمد يدك للأباجورة ؛ تضغط مفتاحها .. تفتح خصاص نافذتك ... تطل على البحر .. تتأمل غبش الفجر.. تملأ رئتيك بالهواء ، الرقراق ...
.. رأسك مشوش ، تحاول أن يتسق تفكيرك .. ملامحها ، لا تبعد عن خلدك .. تأسرك عيناها ، ولمسة أناملها ، البضة .. تعرج إلى الكورنيش .. تجلس على رمال شاطيء البحر .. تتابع تموجات البحر ..
نثار الموج ، يلفح وجهك ...
رخات الهواء البارد ، تنعش خلاياك ...
البحر ... والمدى اللامتناهي .. يسربلانك ....