- أنتِ مجرد شظايا ناشزةٌ حوافُها وضُمَّ بعضها إلى بعض ..لاتلبث أن تنفك وتتطاير برمية حجر...
- بل أنا المصقولة بعصارة الطهر والصفاء لا الخبث والدهاء..
- أنتِ مجرد وسيلة لا غاية للمتلهفين..ألا تفهمين..؟
- أنا لاشأن لي لا بالفهم ولا بالخيالات والأفكار،والقيل والقال..
- الأشياء والذوات شأنك إذن...؟
- أَنْ أعكس الأشياء والذوات أخفُّ عليّ من وطأة ما يدور من خبايا وأفكار جهنمية سوداء في غور الجماجم البشرية لو تسنى لي ذلك فعلا..
- أنتِ لست سوى تقليد أعمى للأردية البائدة والأجساد الآيلة للفناء..
- وأنتَ واحد منها..فَلْتَعِ بذلك..!
- مجرد خزعبلات..!!
- بل هي الحقيقة الساطعة ..حقيقتك وحقيقة نماذج بشرية على شاكلتك..!
- ألا ترين أنك تعكسين وهما وسرابا ؟ وتضمين في أحشائك صورا لواقع زائف؟
- لاتراوغ يا آدمي ألا أبدو لك شفافة إلى درجة الوضوح والجلاء..؟
- أي وضوح وأي جلاء ..؟!..مجرد تُرَّهَات..!!
- إن الجميع يقفون أمامي متسمّرين كالتماثيل خانعين كأطفال مدللين..يتفحصون الوجوه والأذقان وكل أجزاء أبدانهم من كل الزوايا والأبعاد..يقفون بصَلف وعُنْجهية ..يحاولون إخفاء حقيقتهم بمساحيق زائلة..فانا الكاشفة لزيفهم وحقيقتهم مهما فعلوا..!!
- كل المرايا مهما كانت شفافيتها وبريقها آيلة للانكسار والزوال...
- أنتَ تنسى أن العجائز أمامي يولولون حسرات على الزمن الذي تولى على عجل ويتوقون لفتوة أقسمتْ ألا تعود ،والشباب يتلمسون طريقا لمظهر أكثر إغراء وجاذبية ولفتا للانتباه..لكن هيهات..! ما كل ما يتمناه المرء يدركه..وحتما ماعاد بالإمكان أن يرتد الزمن إلى الخلف...!
- كفاكِ تباهيا زيادة على اللزوم..!!
- مهما تبرجتم ووضعتم من مساحيق وحشوتم من ألبسة وتكللتم بتيجان الزهو والدلال،فلا محالة أنكم إلى صفاوتي وأُنسي عائدون وقد نبا بكم الدهر وبلغ بكم العمر أرذله..
- لقد تبدّت عورتك بصفاوتك وشفافيتك الزائدة..
- في مواجهتي،كدأبك كل صبيحة،مجرد هيكل فارغ برزت عظامه ..ماعاد لك من نفع أيها العجوز الأشمط ..!!
" هيكل فارغ ..؟؟ العجوز الأشمط..؟؟" رددها متسائلا في دخيلته وقد استبد به انفعال غير معهود...هز رأسه الأشعث..متكئا على عكازه،تطلّع إلى المرآة الممتدة بطوله عرض الجدار..على وجهه الكئيب، ارتسمت أسارير الزمن الصارم .. لحية كثيفة امتدت على صدره العريض ورأس اشتعل شيبا عمّهما بياض في بياض والسواد في تلاشٍ..اهتز كيانه وارتعشت أوصاله ولمع بريق عينيه الذابلتين بشرر لاهب..جمد الدم في أوردة جسده المنهار..شرع يردد العبارة المرة تلو الأخرى..
على حين غرة،استجمع شتات لعابه..مرتدا الى الخلف،قذف به بقوة فوق الإطار الزجاجي الصقيل ثم نبح مكشرا عن أنياب السخط واليأس المرير :" تبا لك أيتها المرآة الملعونة..!! هيكل فارغ..؟؟ عجوز أشمط..؟؟".
بدا محياه أكثر بشاعة من ذي قبل،صمت لبرهة طويلة ثم لوّح بقبضة عكازه في الفراغ وهوى بها على المرآة دون تردد..تطايرت قطعا وشظايا في كل الاتجاهات وعكست أطرافا من جسده التائه..أطلق ضحكات هستيرية مرددا ذات العبارة بلا انقطاع...تواصلت قهقهاته وهذيانه..وشيئا فشيئا بدأ يخفت صدى هيجانه إلى أن خيمت على أرجاء المكان سحابة صمت رهيب..