أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: مقتطف من رواية قنابل الثقوب السوداء. فتى البركان الملثم

  1. #1
    قلم منتسب
    تاريخ التسجيل : Mar 2022
    المشاركات : 59
    المواضيع : 27
    الردود : 59
    المعدل اليومي : 0.08

    افتراضي مقتطف من رواية قنابل الثقوب السوداء. فتى البركان الملثم

    ((((((هذا المقتطف ايام ماكان جاك لسة طالب في الثانوية العامة.)))))))
    فتى البركان الملثم
    استيقظ جاك على صوت صراخ منبعث مِن القناة الإخباريّة، ليست أذنيه التي تفاعلت مع الصراخ؛ وإنّما ضميره، فصوت الصارخ المستغيث يسمعه ذو الضمير الحيِّ كجاك، بينما لا يسمع ذو الضمير الميت ألفَ صارخ مستغيث، لا بأذنيه ولا بضميره.
    هبَّ مفزوعًا، فرأى أبراجًا تتهاوى في مشهد رهيب. حدّقَ بصره بحدّة وما يحدُّق إلّا في وجه الفناء، فرأى دموعًا كالأنهار، ودماءً تحترق، وعظامًا تذوب في بحور من الحِمم البركانيّة الطاغية.
    وأصغى السمْع وما يسمع إلّا الحسيس وأزيز الطائرات التي تُحلّق فوق سماء الحدث، وصراخًا وفرارًا ورعبًا وهلعًا.
    ولمْ تمرّ إلّا دقائق معدودة وشاهد أهوال القيامة تتجسد أمامه على شاشة التلفاز. ناطحات السحاب تتهاوى متهدمة، وبعضها خُسفت، والبركان يباغت الناس في منازلهم؛ فيحترقون ويصبحون بخارًا يتطاير في الهواء.
    الناس تجري فرارًا إمّا من الخسف أو الحرق، والسيّارات يتخذونها مهربًا مِن البركان الغاضب.
    البركانُ أكل السيارات، وتجشأ بطعام القطارات، وتكرّع بدماء الضحايا، يُميت بلا رحمة؛ فقد هرب منه قطارًا امتلأ عن آخره بالشباب والأطفال والعجائز والرجال فأدركه وضربه من جانبه ثمّ ابتلعه.
    ولم يرحم حتى المغيثين، فقد انفجر في طائرة إغاثة فأحرقها. امتزجتْ أصوات صراخ البريء والمجرم، والظالم والمظلوم، والكاره والمكروه، والسجين والسجّان، حتى الرضيع يصرخ جوعًا يريد أن يلقم ثدي أمّه لكنّه اللحظة لم يدرِ أنّه لقمة البركان.
    ومواسير ناسا ذات القطر الواسع تحاول أن تغيث، فتدفع بمائها بكلّ ما أُوتيتْ مِن قوّة غير أنّ البركان بغتها فأرداها صريعة وابتلعَ ماءها، ورئيس ناسا يشاهد مواسيره المحترقة فيدعو الربّ بالخلاص.
    وأبواق الحكومة الفيدراليّة تناشد المواطنين بترْك المنطقة الثائرة وترْك كلّ ما خلفهم، ولقدْ قال قائلٌ منهم: «اتركْ فقد يكون بينك وبين الموت ثانية واحدة فاظفرْ بها واستفدْ وانج بنفسك.» والصلوات تُتلى في الكنائس فِراراً إلى الغيّاث الأكبر ..ربّهم.
    وما أدهش العالم أكثر أنّ أقوى بركان كان بركان بيركلي القريب مِن الجامعة، ظلّ يجري مقتحمًا ما فوق الأرض وما تحتها متّجهًا نحوها، والطلبة تُنذر بمغادرة المكان، بينما رئيس جامعة بيركلي ظل واقفًا ولم يتحرك وقال: «نهلك معًا أو نبقى معًا.»
    فلمّا وصل البركان برد وتجمّد كأنّه سجد وخشع، وعلى الرغم أنّه لم يرحم الرضيع؛ لكنّه هذه اللحظة خشع وانهار ولم يقوَ على النهوض .
    ولقد حار العلماءُ في شأن هذا البركان السابق، علماء الجيولوجيا وناسا يؤكّدون أنّه كان ولابدَّ أن يواصل زحفه ويحرق الجامعة، لكن القساوسة أكّدوا أنّها معجزة ربانيّة تؤكد دفاع الربِّ عن هذه الجامعة لموْلِد رجلٍ سيكون السبب في نشر الفضيلة وحماية هذا العالم مِن الفناء، وقد صدقوا فعلاً (كما سيتبين مِن أمر جاك وفهمان).
    العالم كلُّه يتابع المشهد، دول الغرب ترسل سراياها للمساعدة والتدعيم، حكّام العرب يبكون ويتباكون على أمريكا والشعب الأمريكيِّ ويعلنون الولاء والتضحية بالنفس مِن أجلهما، والشعب الفلسطينيّ مثْلج الصدْر يحمد الله ويُعلن الشماتة ويردّد أقوال بعض آيات القرءان الكريم التي تتكلّم عن الانتقام مثل: ï´؟إنّ الله عزيز ذو انتقام -إنّ ربك لبالمرصاد- ولا تحسبنّ الله غافلاً عمّا يعمل الظالمون إنّما يؤخّرهم ليومٍ تشخص فيه الأبصار) صدق الله العظيم.
    بينما بعض المساجد ترفعُ أكفَّ الضراعة مبتهلين لاعنين الأمريكان وداعين بالتدبّر في آيات الله الكونيّة.
    وفي مشهد آخر وعلى بُعد عشرات الكيلومترات مِن منزله رأى جاك كاميرا تسلّطُ الضوءَ على طفل وطفلة لمْ يتجاوزا الست سنوات.
    -الطفل سمين ذو وجه ممتلئ وهيئة حسنة بينما الطفلة هزيلة وملابسها ممزقة ونحيفة شاحبة اللون- بدأ الإعلاميّ يتكلم عن هذا المشهد ليبيّنه ويشرح ملابساته إلى المشاهدين ودور الحكومة الفيدراليّة وفريق الإغاثة في إنقاذهما؛ بدأ يصف المشهد وملابساته.. وقدْ قال مُستهلّاً وجاك يسمع بانتباه وترقّْب:
    «هذان الطفلان فلسطينيّان، اتّصلَ والدُ الطفلة مستغيثًا لإنقاذ ابنه وابنته مِن الجحيم، بينما لمْ تصلْنا إشارة حتى الآن بتوجّه فريق الإغاثة لإنقاذهما، لقد انشقّتْ الأرض عن يمين وشمال الطفليْن وتركتهما محصوريْن بين جداريْن مِن ألسنة لهب الحمم البركانيّة العالية،
    نارٌ تتأجّج أمامهما وخلفهما؛ بينما هما يصرخان واقفين على الأرض المحصورة بين طوديّ الحمم الملتهبة، الأرضٍ قريبةٍ في شكلها مِن شكل المثلث متساوي الساقين المرسوم على الأرض، ويبدو مِن خلال المعاينة ومراعاة الأبعاد أنّ المثلث ضلعه يتراوح ما بين 15-17 من الأمتار بينما قاعدته أكبر فطولها ما بين 25-27 متر.»
    فلمّا سمع جاكُ هذه الأبعاد كوّرَ كفىّ يديْه بحيث أصبح ظهريْهما للسماء، ثُمّ أمالهما خفْضًا ورفْعًا وهذه إشارة لإمساك دراكسيون دراجه بخاريّة، وقدْ كان يقصد ذلك بالفعل .
    ومن حجرة مبيت عالم الفيزياء الفذّ ميتشو كاجيتا بمصادم ffc-1 الكائن في سيرن بسويسرا نجد كاجيتا يشاهد البركان ويرقص، وكلّما زاد البركان توحّشًا زاد رقصًا وفرحًا، ولقد كان يتراقص قائلا: «هيّا أيها البركان الرحيم خلّصنا من هذه الزبالة البشريّة.»
    واستأنف الإعلامي: «والرماد البركانيّ والحِمم في ازدياد، وأخيرًا جاءتْ إشارة أنّ منطقة الطفلين خطرة ولا يملكون التحليق فوقها الآن وليس لديهم أدوات لمدِّ جسر لإنقاذهما. لكنّهم سيحاولون إرسال الدعم في وقت قريب، فكلّ طائرات الإغاثة منشغلة بإنقاذ عشرات الآلاف مِن الضحايا.»
    انتفض جاك ثمّ قفز على دراجته البخارية وأنزل اللثام على وجهه وانطلق بها مخترقًا باب منزله الذي طار في الهواء، وظلَّ منطلقًا بأقصى سرعة متجاوزًا الزحام بالتحكم في حركتها بطريقة أسطورية. وبمجرد خروجه جاءتْ إشارتان أحدهما تقول إنّ الأبَّ الفلسطينىَّ صاحب الرسالة قد شاهد ولده منذ لحظات وأنّ المحصور في البركان ليس ابنه.
    والإشارة الثانية من يهوديّ يقول عن هذا الذي مع الفلسطينيّة ابنه، وقد قال بالنص: «إن لمْ تنقذْه الحكومة فسوف يحمّلهم مسئوليّة موته .»
    ولقد سمع قوله يعقوب إسحاق مقولته عبر التلفاز فارتعد وانتفض، ثمّ هاتف بيد مرتعشة الرئيسَ الأمريكيّ على الفور وقال: «إن مات طفلنا فسوف أمحوك من الوجود.»
    ثمّ تلتها إشارة ثالثة بعد قليل أنّ فريق البحث متّجه لإنقاذ الطفل والطفلة لخمود الرماد البركانيِّ والحِمم حولهما بصورة تُمكّن طائرة الإنقاذ التحليق فوقهما لانتشالهما. ويبدو مِن الإشارة الثالثة أنّهم استطاعوا أنْ يوفّروا طائرة استغاثة بالفعل.
    انطلق جاك متّجهًا إلى مكان الطفليْن، فلمّا دنا مِن المكان أدّى صلاته ودعا الربَّ بالنجاة والتوفيق ثُمّ دعا لأمريكا بالخلاص.
    وانطلق بأقصى سرعة، ولحسن الحظ أنّ الجدارَ المنفصل الواقف عليه الطفلان منخفضٌ عن الأرض. فطارتْ الدراجةُ مرتفعة في الهواء لمسافة ما بين 15-17 مترًا وظلَّتْ في الهواء متجاوزة ألسنة الحِمم التي كادتْ أن تنال منه، وبالفعل فقد قذف البركانُ جمرةً صغيرة التصقتْ بأسفل بنطلونه. ثمّ بدأتْ الدراجة في الهبوط متّجهة إلى قاعدة المثلث الكبرى.
    كانت الدراجة مسرعةً، وأيّ فرملة مفاجأة سوف تقلبه هو والدراجة في الجحيم، ففرمل على مراحل، المرحلة الأولى خفيفة وكذلك الثانية والثالثة، أما الأخيرة فكانت على بعد أربعة أمتار مِن حافّةِ قاعدة المثلث قبل أنْ يفعلَها، ثُمّ أسند بقدمه على الأرض وآمال الدراجة قليلاً فمالتْ وسارتْ تجاه أحد ضلعيِّ المثلث. وظلّت الدراجة تدور حول نفسها عدة مرات حتّى استقرت.
    جاك يعلم أنّ الدرّاجة لن تستطيعَ العودة مطلقًا لوجودها في مهبط، وبالطبع فلن تصعدَ الدرّاجة ضد الجاذبيّة، وحتى لو كان هذا جائزًا فالمسافة قليلة لكي يطير بها مجددًا.
    فماذا يخبئُ جاك لنا؟
    من المدهش أن بطل العالم في الدرجات كان يشاهد المشهدَ فقال دهشًا: «أنا ما أستطيع فعلها.»
    والناس تشاهد المشهد برمته عبر التلفاز، ولقد شاهدوا قفزته؛ فخطفت أنفاسهم حتى إنّها صرفت أبصارهم عن موت آلاف الضحايا الذين يسقطون كلّ ساعة.
    اشرأبتْ أعناقهم نحو التلفاز، واستطلعتْ عيونهم كذلك محدّقين قائلين: «لقد ألقى الفارس الملثّمِ هذا بنفسه في التهلكة رغم شجاعته ومهارته وشهامته.»
    ومن الوادي الجديد نجد فهمان يشاهد هذا الرجل الملثّم وهو يلقي بنفسه لإنقاذ الطفلين غير مكترثٍ لحياته، فتمنّى فهمان أن يكون مثله في التضحية والشجاعة.
    أما داخل مبنى وكالة ناسا فيشاهد رئيسها الفتى الملثّم ويخاطب نفسه قائلاً: «أيّها الملثّم، أنت تصلح أن تكون رائد فضاء من الطراز الأول.» ثمّ تحركت شفتاه همسًا مستفهمًا: «مَن أنت أيّها الفارس الملثّم؟!كم أرجو رؤيتك.»
    أيقن كل المشاهدين بأنّه سوف يموت، لكن ماذا يخبّئ لنا جاك؟ هل هذه العبقريّة وهذا الضمير الملائكيِّ ساذجٌ لهذه الدرجة أن يلقي بنفسه في الجحيم؟!
    الحقيقة أنّ جاك ألقى بنفسه وهو بالفعل لم يحسب خطوات العودة، نظر إلى الطفلين وسألهما غيظًا وحنقًا عن سبب سيرهما بدون مصاحبة والديهما، ثمّ أطرق متسائلا: «وماذا كان سيفعل الوَالِدَانِ في هذا المأزق.»
    فنظرت الطفلة إلى بنطلونه الذي بدأ يحترق، فقد بدأت الجمرة تتحوّل أسفل البنطلون نارًا فقالت له الطفلة: «عمو،أنتَ تحترق.»
    ثمّ نظر الطفل اليهوديّ إليه أيضًا قائلاً: «سيدي أنتَ تحترق.»
    فضرب جاك بنطاله بيده غير مكترث لما قد يحدث لقدمه او له من احتراق وإنّما حدّق في الطفلين وكرّر نفس السؤال للمرة الثانية.
    فأجابتْ الطفلةُ: «إنّنا كنّا مجموعة مِن الأطفال عربًا وعجمًا، فأقبلَ عليّ هذا الولد وقال لي بأنه يهوديّ ويريد المال الذي معي والفستان الذي ارتديه، فلمّا قال ذلك رمقه بعض الأطفالُ العرب وقالوا له وهم يتغامزونه وأياديهم مبسوطة نحو جيبه بأن كلامه لا يصحّ ومبجلين إياه بقولهم له بأنه سيدهم.أمّا بقيتهم فتداولوا فيما بينهم ثمّ رحلوا جميعًا، وانتهز فرصة رحيلهم فضربني ولا زال يضربني حتى اِنشقتْ الأرض.» وفور ان انتهت من كلامها أجهشت بالبكاء حتى ارتعد جسدها وأعادت قائلة: «انشقتْ الأرض لأنّه ظلمني.» ثمّ تمالكتْ نفسها ومسحت دموعها وتثبّتتْ ثمّ رددت: «وهكذا سيدي الشجاع، تنشقُّ الأرض عندما تُسلب من أصحابها.»
    فعلق الطفل اليهودي على قولها: «نعم سيدي، هي على حقٍ في قولها "تنشقُّ الأرض عندما تُسلب من أصحابها."نعم سيدي، انشقتْ الأرض لأنّ فلسطين اغتصبوا أرضنا.»
    فلمْ يعبأ جاك بعراك الطفلين وإنّما أخذ يفكّر كيف ينجي هذين الطفلين من الموت، أيستسلم؟! جاك الذي لمْ يفشلْ قطٌ يموت الآن، مستحيل.
    وعبْرَ الشاشات نجد الناس يتملّكهم الحزن الشديد على الملثّم قائلين: «خسارة أن يفقد هذا العالم رجل مثل هذا الفارس، وتأهّبوا للصلاة عليه بعد أن تأكله النيران.»
    استجمعَ جاكُ فِكره وغيّب مشهد الفزع الذي ينتابه مِن شكل الطفلين، ثمّ جثا على ركبتيه صامتًا حتى ظنَّ الناس إنّه يصلّي صلاة الوداع.


    وانتفض فجأة ونظر لبركان النار وصراخ الطفلين ودموعه تنهمر من عينيه، مسح دموعه ونظر نظرة خاطفة إلى الدراجة، ثمّ أقبل عليها وفتح حقيبة كبيرة كانت خلف المقعد الذي يجلس عليه واستخرجَ كيس النايلون الذي فيها -إنّه كيسٌ رقيقٌ خفيفٌ لا ينفذ منه الهواء مطلقًا ولا يحترق إلّا تحت درجة انصهار عالية ومطلىٌّ في فوهته بمادة لا تحترق، كان يحتفظ به في دراجته للقيام ببعض المناورات الطائرة، أما فوهته فعبارة عن طوق مِن الحديد ذات قطر صغير 90 سم ومطليّة بمادة ضد الحرائق- وتذكّر عندما اشتراه أنّ البائع قال له: «هذه المادة ضدّ الحريق يا فتى.» ولمْ يفكر وقتها في السبب لكنّه علمه الآن وقال لنفسه وقتها: «يبدو يا جاك أنّ هذا البالون كان يستخدم كمنطاد في نقل راكبين أو ثلاث.»
    رآه فهمان وقد كان جالسًا، وعلى الرغم من ألمه وتفجّعه على الناس الذين يحترقون إلا أنّه لم ينسَ العلم كأبيه، فحدّق في الفتى الملثّم قائلاً: «أرجو أن تفعلها أيّها الملثّم ..أرجو أن تفعلها، وانتبه لما معك، فمعك الموقد والغاز والهواء.»
    تفاءلَ جاك بذلك واستبشرَ، وارتسمتْ على وجهه علامات الطمأنينة.بعد ذلك، أخرج مِن الحقيبة علبَ كانز فارغة، علب كان يخزنها بعد ارتشافها ليبيعها لأحد الباعة من أجل أن يستعين بها على قضاء بعض حوائج المعاش.
    ولحسن حظه أنّها كانتْ كثيرة، استخرجها وألقاها أرضًا ثمّ ثقبها كلّها من أعلى ثمّ قال همسًا: «لا بأس بها فإنّها تفي بالغرض.»
    لقد تعجّب الناس عبر الشاشات من فعله الغريب فقالوا: «لقد أصابته لوثة الجنون.» أما رئيس ناسا ففهمَ ما ينوي الفتى فعله،
    فقال متحفزًا: «أرجو أن تنجح في صنع سفينتك الفضائيّة أيّها الملثّم.»
    وقد صدرتْ أوامر إلى طائرة فريق إنقاذ بالذهاب إلى مكان الحادث لإنزال أريكة بحبال تحتوي على أبازيم رابطة لتحمل الطفلين إلى الطائرة.
    بعد ذلك استخرجَ جاك مِن أسطوانة الدراجة الغازية الغاز الذي تعمل به بعد أن ثقبها ثمّ أفرغها كلّها في علب الكانز عن طريق أنبوب.
    ثم قام بسداد علب الكانز كلِّها بسدادة محكمة، وربطها كلّها معًا بإحكام في أربع مجموعات، ثم ما لبثن أن ربط المجموعات في قاعدة خشبيّة كانت ملقاة على أرض البركان.
    وفهمان يحدّق في الشاشة مائلاًَ مقوس ظهره ويحفزه غيابيًا بقوله: «هيا، هيا اِفعلها، اِفعلها أيّها الملثّم البطل.»
    ومن تل أبيب كان يعقوب إسحاق يشاهد المشهد من أوله، ولقد أدرك أخيرًا ما ينوي فعله ذاك الملثّم.
    بعد أنْ انتهى جاك، لمْ يجد عناءً مطلقًا في المرحلة التالية، كان عليه الآن أن يحضر مضخّة الهواء اللاسلكيّة (قوتها 12 فولت)كان يضخُّ بها الهواء لإطاريّ دراجته. طرح البالون وأمرَ الطفلين بإمساكه جيدًا كي لا يطير فامتثلا، ثمّ ربطه جيدًا في صخرة كبيرة كانتْ على سطح الجدار المعزول حتى لا يطير، كما ربط َالطرف الآخر كذلك. قام بضخّ الهواء البارد داخل البالون حتّى امتلأ، ثمّ قام بسدّه حتى لا يتسرب الهواء البارد.
    وسرعان ما أحضر مجموعات الكانز الأربعة، وقام بنزع سداداتها واحدة تلو الأخرى وبسرعة، وكلّما نزع واحدةً منها أشعلَ النّار فيها فكانتْ تشتعل كموقد البوتاجاز، فاطمأنّ أنّها تعمل بامتياز. أشعلَ النارَ بوساطة أحد الأعواد الخشبيّة التي كانت ملقاة على الأرض مِن خلال أحد ألسنة اللهب المتأججة، ولقد لحظ تسرّب بعض الهواء مِن البالون، فأعاد ضخَّ الهواء مِن جديد حتى امتلأ، نادى على الطفلين، وأعدّ حبلاً متينًا كان يستخدمه في تسلْق الأشياء المرتفعة، أحضره مِن الحقيبة أيضًا، ربطَ نفسه في جهة وربط الطفلين في الجهة الأخرى من البالون حتى يتّزن البالون ولا يتأرجح، لكن الطفلان أثقل قليلاً، فاضطر لحمل حجر في يده -وزنه 11 كيلو جرام - في الإطار الحديديّ الدائريّ المثبّت في أول البالون القريب مِن أرض الجدار مدَّ يده إلى الداخل وأمالها أفقياً، ثمّ ربطَ المجموعات الأربع فيه.
    قال فهمان عندها: «ها قد فعلها، ها قد فعلها.»، أما رئيس ناسا فقال: «لقد صنع مركبة فضائيّة، فأرجو أن ينجح في صناعة كوابحها.»
    وصلتْ الطائرة أخيرًا، وأرسل قائدها تقريرًا إلى مبنى الطائرات أنّه لن يستطيعَ التحليق عِن قرْبٍ بعد أن ارتفعتْ ألسنة اللهبِ منذ قليل، وتبعًا، فإنّ الدرج لن يبلغ الطفلين، وجاءت الرد له فورًا بعدم المغامرة والانتظار لعلّ البركان يهدأ. تلاها إشارة أخرى معللًا للطائرة بعدم المغامرة لأن هناك فتىً ملثمًا قد صنع مِنطادًا طائرًا، ولذلك يجب عليه الترقب.
    بدأ الهواء البارد يسخن تدريجيّاً بفعل مواقد الكانز، ثُمّ بدأ البالون يرتفع محلقًا عاليًا، وعندما اطمأنَّ جاك أنّ المنطاد ارتفع عن ألسنة اللهب ولا خطورة منه بدأ يوجّه البالون حتى ساقته الرياح للحركة الأفقيّة؛ فتغيّر مِن الوضعيّة الرأسيّة إلى الوضعيّة الأفقيّة.ثم مدَّ يدُه وقام بنزْع مجموعةً من المجموعات الأربع، فبدأ المنطادُ يهبط مائلاً.
    بدأ المشاهدون يتفاءلون وكلّهم في ذهولٍ وترقّبٍ، يأملون أن ينجح الملثم في عملية الهبوط.أما يعقوب إسحاق فحمد الله على نجاة الطفل وأطلق أخيرًا أنفاسه التي كانت محبوسة.
    ولمّا غادر المكان أفقياً أيضًا نزعَ المجموعة الثانية؛ فخفَّ اللهب كثيرًا ممّا تسبّبَ في هبوط البالون تدريجيّاً، لكنّه ما زال يحلّق؛ فنزع الثالثة ثُمّ الرابعة فاصطدموا جميعًا بالأرض دون أذى. انشقّتْ الأرضُ المثلثيّة بعدها مباشرة وابتلعتْ الأرضُ الدراجةَ.
    نظر خلفه ليجد دراجته التي يعشقها تنفجر، حمد الربَّ على نجاة الطفليْن، ثُمّ ترك المشهد كلّه هروبًا من أن يعرفه أحد.
    بدأ البركان يهدأ بعدما أفرغتْ الأرض غيظها وغضبها، والحِمم الباردة تغطي مساحات شاسعة على أرض كاليفورنيا وخاصة المنطقة المحيطة بجامعة بيركلي. ورغم موت آلاف الضحايا في البركان الغاضب إلاََ أنَّ مشهد جاك ارتكزَّ في عقول وقلوب العالم كلِّه وخاصة الأمريكيين.
    وظلّتْ وسائل الإعلام تقصُّ وتروي وتستفيض في وصف فتى البركان الملثّم، وخاصة أنّ الطفلين أحدهما يهوديّ والأخر فلسطينيّ .
    وظلتْ على مدار أيّام وشهور يعرضون صورة الدراجة وهي تطير ، وصورة الملثّم وهو طائر في الهواء ببالون صنعه ببراعة شديدة ، وصورة الدراجة وهي تتهاوى في البركان، وأشاروا إلى وجهه مليارات المرات متسائلين: «تُرى مَن أنت أيها الملثّم المجهول؟»
    ولقد شاهد جاك تعليقات وسائل الإعلام على صنعه فلم يكترثْ لهم وإنما قال مستبقيًا نفسه:«الحمد للرب على نجاة الطفلين.»

  2. #2
    مشرفة عامة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 21,137
    المواضيع : 318
    الردود : 21137
    المعدل اليومي : 4.94

    افتراضي

    بين انبهاري بروعة المشهد وقوته ومتانة الحبكة وجمال السرد
    وبين وجبة معرفية وجمالية وحكمة وبلاغة وصور محلقة بيراع ذهبي
    استمتعت بنص لا يخلو من حنكة وبراعة ، ولا يغفل عن تفصيلات علمية دقيقة
    هو باخنصار نص مميز
    أحي سمو يراعك ودقة تصويرك.
    ولك تحياتي.
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  3. #3