فائز حسن العوض
25-03-2013, 06:42 PM
قصة قصيرة :
الكبار :
:- هاي داد
نظر إليها مدهوشاً كأنه يراها لأول مرة ! واكتشف الآن فقط إنها تفتحت زهرة يانعة نضرة وقد كانت حتى الأمس القريب برعماً أخضراً !، نظر عينيها ... عينا أمها زرقاوين وزرقتهما فاتحة ... كالسماء الصباحية ، أما هو فعيونه سود . أخذت عن الاثنان لون عيونها ... عيونها بين الزرقة والسواد ... لون أول المساء !!،... شعر أمها ذهبي بلمعة معدنية وشعره أسود فاحم قبل أن يخطه الشيب، شعرها بينهما ، طوبي محمر كسقف من القرميد أو لون الشاي السيلاني!، بشرة أمها بيضاء كاللبن المبستر ،... هو أسمر البشرة .. وكان لون الزهرة خلاسياً كقطعه الشيكولاتة مع الحليب ،... بقية جسدها تقاسماه مناصفة ، طول أمها ... ذكاء العيون أبوها . رشاقة أمها ... بياض الأسنان أبوها . الجليد في وطن الأم وحرارة الإستواء وطن الأب ... الدفء في طبعها.
قال في نفسه :- إذًا فقد زار الربيع دارنا طالما تفتّحت زهرة الغاردينا وتضوَع عطرها وتأرَجت بالعطر وبالطيب .
صحيح أن كل شي جاء مصادفة ولم يك مخطط له . كان يأمل بالزواج من إمراة حنطية اللون ، سمراء أو أبنوسية ... أو ربما بلون البن المحروق ، كان يأمل بإنجاب أطفال سمر ، بلون الأرض كأنَهم جزءاً منها أو امتداد لها . كان يخاف عليهم _ قبل أن يولدوا _ شموس استوائيةً تنضج حرارتها الحبوب صيفاً وتقتل العصافير بالعطش!، فإذا به يتزوج امرأة تغطِي الثلوج أرضها معظم فصول السنة!!.
أعاده صوت نفير السيارة بالخارج لأيام خلت ،... أيام كان يزورهم فرانكو !، ذلك الشاب الحنطيِ اللون مبروم الشعر بضفائر عسلية وحواجب جميلة هلالية الشكل وعينان صافيتان كمياه الأنهار عند المصبات ، وسيم وفيه الكثير من خلقة العرب أو الأسبان وبعض من حوض المتوسط ، كان يزورهم في بعض الأحيان وكانت زيارته تسعد زهرة الغاردينيا أيَما سعادة وتنتقل السعادة منها لتغمر كل من بالبيت وما بالبيت . وكما يسعد الزرع بالمطر، كانت سعادتها كسعادة الأطفال بالعربة التي تحملهم للبعيد ، فرانكو شاب طيب وسليل أسرة أروبية ضاربة جذورها في التاريخ الأوربي وتجري في عروقها الكثير من الدماء الزرقاء! ، ولا ضير أن أحبَ ابنته وجاء يطلبها للزواج علي سنة الله ورسوله ، حينها سيقول له :- لا يجوز زواج مسلمة من كتابيَ ، فقط عليه أن يسلم أن أرادها زوجة له ، فأن كان يحبَها عليه أن يختار بين إسلامه أو نسيانها إلي الأبد!، لكن ذلك اليوم فاجأته الأشياء والحياة دفعةً واحدةً . ذلك اليوم قالت له الصغيرة :-
اليوم بلغت الثامنة عشر وأصبحت مسئولة عن نفسي وتصرفاتي ، سأذهب لأعيش مع فرانكو.
كان في السابق يسعد بزيارة فرانكو كثيراً أمَا الآن وقد فاجأته الحياة وكبرت الصغيرة فجأة ثم جاءت برفقته لترحل وتعيش معه كما يعيش الأزواج دون عقد شرعي فذاك أمر دونه الموت!!.
:- سنزوركم من وقت لآخر وندعوكم للسهر معنا ، ثم ذهبت لخزانة الملابس تجمع أغراضها وملابسها في حقيبة كبيرة للملابس، ... الدبَ الدمية الفضي ،... الفساتين، ... التنورات، ... البنطايل،... فساتين النوم، ... شنطة الماكياج، إذاً فالأمر ليس مزحةً.
بالأمس جاء هو يطلب يد أمها ، ذلك يوم لن ينساه ، يوم تحلًقوا حوله واحتفوا يهما – هو وأمها – كانت سهرةً لن ينساها مدى العمر!، كانوا فرحين به زوجاً لابنتهم ، شربوا نخب انتصار الحب أقداحاً علي أقداح ،... أقداح راح لذيذة مسكرة ، حتى هو المسلم شرب ذلك اليوم !!! – وما كان ينبغي له أن يشرب - ، وشرب بعدها مرات ومرات ، الآن جاء عليه الدور ليدفع ويردَ الدين! ، عليه أن يكرمهم كما أكرموه ، طالما لعب معهم وقبل شروط اللعب . عليه أن يكون متحضِراً ولا يقلِ عنهم تحضراً ، أخذ ابنتهم وعليه أن يعطيهم ابنته، لكنه شعر بسقوطه في الفخ الذي نصبوه له، وعليه أن يوقف اللعب فاللاعب الماهر يعرف متى يلعب ومتى يستمر طالما كان يكسب ومتى يتوقف عن اللعب !.
الآن سيخسر وعليه أن يوقف اللعب والآن فوراً، عليه أن ينسحب وألا يغامر بكل شيء . لكن كيف وقد كسب الجولة الأولي في الرهان أو قل أكسبوه لها ليضمنوا استمراره باللعب ؟، كان قد قبل شروط اللعبة وعليه أن يستمر أو أن يرد لهم ما كسبه بالجولة الأولي !، وكيف يرده وهو الزهرة وأمها ؟!، وعلي أحسن الفروض الأم إما الزهرة فهي مناصفةً بينهما ! . يجب إلا يحسبوا الأمر بهكذا طريقة وبهكذا حساب !، سأل نفسه :-
لماذا قبلت شروط اللعب إذا ؟! لماذا لم تنسحب قبل أن تقع الفأس علي الرأس ؟! لقد كانوا حضاريين متحضٍرين، قبلوه وهو الغريب زوجاً لابنتهم وليس علي دينهم أو ملتهم، احترموه واحترموها طالما هو قرارها وخيارها ! احترموا دينه ومعتقده ولم يناقشوه فيه!، ولم يطلبوا منه أن يغيَره وشربوا جميعاً نخب انتصار الحب وسموَه علي الماديات!، احترموا الحياة وما يعتقدوه ويمارسوه وتبادلوا الأنخاب !، الآن أدرك مقدار فداحة الأمر، الآن فقط أدرك سرَ سعادتهم حينها ذلك اليوم لأسباب كانوا يدركونها جيَداً مسبقاً وسلفاً ويجهلها ، ... كانوا يعتقدوه سينسحب أن أحسَ فداحة الأمر لحظتها . فإن قرر الاستمرار لنهاية الشوط فسيسخر كل شيء وعليه أن يقبل بالنتيجة طالما رضي شروط اللعب . لو كان يعرف مسبقاً لانسحب، لرفض اللعب لكنه ما كان يدري أو لم يحسب الأمر كما ينبغي له أن يحسب !، ذلك اليوم كانوا صادقين بحسابهم هم وأعملوه ولكن بطريقهم . كان يحب الجبن الرومي فعلَموه أن الجبن الرومي يؤكل أثناء شرب النبيذ والكحول، علَموه كيف يرقص وبراقص وقد فعل !، كيف يشرب الويسكي بمكعبات الثلج !، والفودكا تشرب دافئة !، والنبيذ بالصودا ، ذلك اليوم استطاب مذاق جبن الروكفور بعد أن كان يعدَه جبناً فاسداً لمذاقه المخمر ،عرف إنَه الأجود والأفخر من كلَ الأجبان ، ودخَن الغليون وخبر أنواع التباكو وعرف أجودها وأفخرها ، أكل الكافيار الروسي وقد كان يطُمَ بطنه بمجرد ذكر اسمه ، عرف أفخر أنواع الأسماك والقواقع البحرية وأكل الجمبري واستطيب طعم الاستاكوزا ،ذلك اليوم أعشت الأضواء الصاخبة المتلألئة الحقائق والقناعات بعينه فخلعها ولبس غيرها !، البسوه حلَة مزركشة الألوان وأجلسوه بعرش السلطان فهزَ رجليه سعادةً ورضا ! ، كيف يترك كل هذا الآن دفعة واحدة ؟!! ، كيف ينزل السلَم !! ، كانوا يرفعون كؤوسهم ويحيونه ثم يشربون النخب، أم تراهم كانوا يتراهنوه ؟ ، ذلك اليوم راقص كل من حلم بمراقصتها ، ألبريك ، الدسكو، التانقو، كل أنواع الرقص، الــــــ(Slaw) وغيره ، كل من حلم يوماً بمحادثتها أمسك بخصرها وملأ منه يديه وركزت نهدها علي صدره !، جرَب كل مسكر واستعذب طعم النبيذ في شفتيه ، ... الموسيقي الصاخبة والناعمة في أذنيه ، أجساد ناعمة بضَة مشتهاة طوع يديه ونفسه وما تشتهي ، شفاه مطعونة بعسل الحياة أضاعت طعم النبيذ من فمه ،... لم يمنعه أحد شيئاً طلبه !، ولم يصَده أحد عن شيء رغبه أو تمناه !، باختصار أيقظوا فيه حب الحياة ومذاقها ، بل كل عسلها!.
الآن تفرق الحفل وانفضَ السامر وجيء بفاتورة الحساب ! ، وعليه أن يدفع كشخص متحضر ، يدفع عن ضيوفه الذين عزمهم رداً لدعوتهم التي قبلها وعليه أن يدفع الحساب وبقشيش للنادل والسعاة والطهاة!، كانت حاكي قد حقبة أشياءها بعد أن ملأت حقيبتها بكل ما يخصَها من أشياء . ضغط فرانكو جهاز التنبيه بالعربة مرة أخري يستعجلها، اقترب من الباب لدرجة جعلت ظلاله ترتسم وتتكسر علي زجاج الباب وخلفه مباشرة. كان عليه فعل شيء لوقف مأساة علي وشك الحدوث ، سأل نفسه :- أيقتله؟ أم يقتلها؟ لم يقتلهما معاً ؟!...ليس الذنب ذنب الشاب فرانكو! ، سيقتلونه لقتل فرانكو وستجد جاكي نذلاً أخر وما أكثرهم في هذه البلاد ، وستلاحقه الفضيحة إلي قبره ، كما ستلد جاكي أنذالا صغاراً!!!.
أيقتل نفسه وهو الأحق بالقتل لأنه فعل هذا بنفسه وبالآخرين !، فان قتل نفسه سترحل جاكي مع هذا المبروم الشعر ذي الفلجة وسط أسنانه العلوية ولونه الحنطي ، وقد يختلفان فيتركها لغيره وقد تتنَقل من رجل لآخر ! دون أي مانع أو رادع !، عليه ألا يضيِع وقته في التفكير ! ، وكاد يهوي كنجم يسقط علي الأرض لولا أن تحامل علي نفسه واستند لأقرب جدار ، هبت زهرة الغاردينيا نحوه مذعورة وأعطته حضنها فتوكأها وقد تغضَن وجهه بالألم ، وبصعوبة وجهد بالغين نطق :- ...الدواء وأشار بيده نحو الخزانة ، أخذته إليه فأدخل يده في الخزانة ، حرر جسدها وتركها تقف خلفه ،حين استرق نظرة للمرآة أمامه لمح بصرها مشتت بين الهنا والهناك ، ... بدت له مشغولة ومشتتَة الفكر ، لعلَها شعرت بهول ما يحدث للعجوز بسببها ، في الثانية التالية الفاصلة ضغط فرانكو جهاز التنبيه فأدخل العجوز يده في الخزانة ينقب عن شيء ما !، حين استدار العجوز نحوها لمع شيء في صفحة السماء كمصادقة نادرة الحدوث ، عقدت الدهشة والمفاجأة لسان الزهرة وشلَت تفكيرها حين وجدت فوهة المسدس مصوبة نحو صدرها، ... تماماً فوق القلب.
إثر ذلك اقتحم فرانكو الشقة وكسر الباب ، كانت الصغيرة ما تزال ترقد ممدة علي الأرض رخوة وخيط رفيع شديد الحمرة يتدفق من صدرها وهي تغالب نعاس الاحتضار !، ... وقع فوقها واحتضنها إليه :- جاكي ... جاكي ... جاكي. رفعت إليه عينان ناعستان كأنهما تحت مخدر ، أو عينا ثمل بالكحول.
قالت من تحت شفتيها اليابستين الجافتين :-
فرانكو ... حبيبي ... أهرب حتى لا يقتلك هذا العجوز ... لقد جنَّ فجأة ، أهرب ... أهرب أرجوك.
رد فرانكو :-
لا فائدة في الحياة بدونك حبيبتي ... فلا ترحلي بدوني ... انتظريني أو خذيني معك ، كان يتفطًر ألماً وحزناً ، أضاف:- ... ليته يفعل ... وتوجه للعجوز والمسدس ما يزال بيده:- أطلق النار أيها المجنون . الحقني بها فوراً ، أرجوك افعل.
قال العجوز في نفسه :-
أعرف أنك حزين ولكني أشدَ منك حزناً عليها ولكن ما باليد حيله وعليً دفع الثمن . أنت لا تعرف معنى الأبوة لأنك لم تجربها ولم تعشها مثلي ، انا أعذرك ، وان كنت حزيناً لخطأ ارتكبته الآن فأنني أكثر حزناً لأخطائي السابقة ،... جئت أرضكم ... أرض الحرية ... أرض الخير والإنسانية ظناً مني أني أنجو من الجحيم ! ، ودخلت وسطكم دخول الغريق قارب النجاة !! ، .. لم يك لي الخيار فإمَا الموت في البحر وإمَا النجاة ودفع الثمن ! ... غلطتي إني ركبت البحر!!
في تلك اللحظة خطرت للعجوز فكرة أخرى ! ، أن يطلق النار علي الشاب فيريحه من العذاب ويلحقه بها رحمة به ، ثم رصاصه أخرى له فهو الأحق بالرصاص و لتكن رصاصات رحمة .
فرانكو ...أمها ... هو نفسه ، وكل من يسمع صوت الرصاص فيهب للنجدة ، ولكن ما ذنب الآخرين ؟! ... نعم ما ذنبهم ؟! كان خطأه فلماذا يحملِه الآخرين ؟! ،.. انه ذنبك أيها العجوز فلتذهب للسجن أو للجحيم.
يوم المحكمة كان شيئاً لا يصدق !! تقاطر الناس من كل حدب وصوب، وكالات الأنباء العالمية والمحلية ، إل BBC والـ CNN ، التلفزيون السويدي ووكالة الإنباء الأوربية والروسية واليوغسلافية وكل الوكالات الأوربية وحثي تانيونغ الصينية ، والجزيرة وقناة العربية وكل القنوات الدولية بلا استثناء ، لم تتخلَف قناة تلفزيونية أو إخبارية إلا وحضرت ... أجهزة تسجيل ، كاميرات ... إنترنت . وخطوط تلفونية ، فاكسات وآلات تصوير وناسخات ضوئية.
مراسلوا ومراسلات وكالات أنباء . كل العالم كان هناك أرادوا أن تكون محاكمته قضية رأي عام . محاكمة حضارية بمفهومهم . حشدوا لها كل شيء هيئة دفاع من فطاحله أساتذة القانون في جامعاتهم ، أساتذة للقانون الدولي وحقوق الإنسان ، قالوا بفضلهم علي قبول العجوز وتزويجه بابنتهم ومعاملته كبشر كامل الحقوق دون أن يطلبوا منه شيئاً !!!.
قال :-
كنت أعرف كلَ هذا لذا قررت أن أقلب عليهم الطاولة . قلت القاضي :-
إنكم تجعلون من قضية قتل ابنتي قضية حضارية لكنكم تقتلون في اليوم الواحد ملايين البشر وفي كل بلاد العالم ؟!!،
توسوس القضاة وهيئة الدفاع وقرروا إيقاف المسرحية التي رفض بطلها لعب الدور وخلع ملابس التمثيل ،... قرروا إلغاء بقية العرض . أخيرا نطقوا بالحكم .
سبعة سنوات سجناً يقضيها في العمل الاجتماعي وخدمة المجتمع علَه يعود إنساناً صالحاً ويفعل الخير !!!!!؟ لان الإعدام عقوبة لا إنسانية ؟!!؟!
بقلم : فائز حسن العوض
مارس 2011 م
الكبار :
:- هاي داد
نظر إليها مدهوشاً كأنه يراها لأول مرة ! واكتشف الآن فقط إنها تفتحت زهرة يانعة نضرة وقد كانت حتى الأمس القريب برعماً أخضراً !، نظر عينيها ... عينا أمها زرقاوين وزرقتهما فاتحة ... كالسماء الصباحية ، أما هو فعيونه سود . أخذت عن الاثنان لون عيونها ... عيونها بين الزرقة والسواد ... لون أول المساء !!،... شعر أمها ذهبي بلمعة معدنية وشعره أسود فاحم قبل أن يخطه الشيب، شعرها بينهما ، طوبي محمر كسقف من القرميد أو لون الشاي السيلاني!، بشرة أمها بيضاء كاللبن المبستر ،... هو أسمر البشرة .. وكان لون الزهرة خلاسياً كقطعه الشيكولاتة مع الحليب ،... بقية جسدها تقاسماه مناصفة ، طول أمها ... ذكاء العيون أبوها . رشاقة أمها ... بياض الأسنان أبوها . الجليد في وطن الأم وحرارة الإستواء وطن الأب ... الدفء في طبعها.
قال في نفسه :- إذًا فقد زار الربيع دارنا طالما تفتّحت زهرة الغاردينا وتضوَع عطرها وتأرَجت بالعطر وبالطيب .
صحيح أن كل شي جاء مصادفة ولم يك مخطط له . كان يأمل بالزواج من إمراة حنطية اللون ، سمراء أو أبنوسية ... أو ربما بلون البن المحروق ، كان يأمل بإنجاب أطفال سمر ، بلون الأرض كأنَهم جزءاً منها أو امتداد لها . كان يخاف عليهم _ قبل أن يولدوا _ شموس استوائيةً تنضج حرارتها الحبوب صيفاً وتقتل العصافير بالعطش!، فإذا به يتزوج امرأة تغطِي الثلوج أرضها معظم فصول السنة!!.
أعاده صوت نفير السيارة بالخارج لأيام خلت ،... أيام كان يزورهم فرانكو !، ذلك الشاب الحنطيِ اللون مبروم الشعر بضفائر عسلية وحواجب جميلة هلالية الشكل وعينان صافيتان كمياه الأنهار عند المصبات ، وسيم وفيه الكثير من خلقة العرب أو الأسبان وبعض من حوض المتوسط ، كان يزورهم في بعض الأحيان وكانت زيارته تسعد زهرة الغاردينيا أيَما سعادة وتنتقل السعادة منها لتغمر كل من بالبيت وما بالبيت . وكما يسعد الزرع بالمطر، كانت سعادتها كسعادة الأطفال بالعربة التي تحملهم للبعيد ، فرانكو شاب طيب وسليل أسرة أروبية ضاربة جذورها في التاريخ الأوربي وتجري في عروقها الكثير من الدماء الزرقاء! ، ولا ضير أن أحبَ ابنته وجاء يطلبها للزواج علي سنة الله ورسوله ، حينها سيقول له :- لا يجوز زواج مسلمة من كتابيَ ، فقط عليه أن يسلم أن أرادها زوجة له ، فأن كان يحبَها عليه أن يختار بين إسلامه أو نسيانها إلي الأبد!، لكن ذلك اليوم فاجأته الأشياء والحياة دفعةً واحدةً . ذلك اليوم قالت له الصغيرة :-
اليوم بلغت الثامنة عشر وأصبحت مسئولة عن نفسي وتصرفاتي ، سأذهب لأعيش مع فرانكو.
كان في السابق يسعد بزيارة فرانكو كثيراً أمَا الآن وقد فاجأته الحياة وكبرت الصغيرة فجأة ثم جاءت برفقته لترحل وتعيش معه كما يعيش الأزواج دون عقد شرعي فذاك أمر دونه الموت!!.
:- سنزوركم من وقت لآخر وندعوكم للسهر معنا ، ثم ذهبت لخزانة الملابس تجمع أغراضها وملابسها في حقيبة كبيرة للملابس، ... الدبَ الدمية الفضي ،... الفساتين، ... التنورات، ... البنطايل،... فساتين النوم، ... شنطة الماكياج، إذاً فالأمر ليس مزحةً.
بالأمس جاء هو يطلب يد أمها ، ذلك يوم لن ينساه ، يوم تحلًقوا حوله واحتفوا يهما – هو وأمها – كانت سهرةً لن ينساها مدى العمر!، كانوا فرحين به زوجاً لابنتهم ، شربوا نخب انتصار الحب أقداحاً علي أقداح ،... أقداح راح لذيذة مسكرة ، حتى هو المسلم شرب ذلك اليوم !!! – وما كان ينبغي له أن يشرب - ، وشرب بعدها مرات ومرات ، الآن جاء عليه الدور ليدفع ويردَ الدين! ، عليه أن يكرمهم كما أكرموه ، طالما لعب معهم وقبل شروط اللعب . عليه أن يكون متحضِراً ولا يقلِ عنهم تحضراً ، أخذ ابنتهم وعليه أن يعطيهم ابنته، لكنه شعر بسقوطه في الفخ الذي نصبوه له، وعليه أن يوقف اللعب فاللاعب الماهر يعرف متى يلعب ومتى يستمر طالما كان يكسب ومتى يتوقف عن اللعب !.
الآن سيخسر وعليه أن يوقف اللعب والآن فوراً، عليه أن ينسحب وألا يغامر بكل شيء . لكن كيف وقد كسب الجولة الأولي في الرهان أو قل أكسبوه لها ليضمنوا استمراره باللعب ؟، كان قد قبل شروط اللعبة وعليه أن يستمر أو أن يرد لهم ما كسبه بالجولة الأولي !، وكيف يرده وهو الزهرة وأمها ؟!، وعلي أحسن الفروض الأم إما الزهرة فهي مناصفةً بينهما ! . يجب إلا يحسبوا الأمر بهكذا طريقة وبهكذا حساب !، سأل نفسه :-
لماذا قبلت شروط اللعب إذا ؟! لماذا لم تنسحب قبل أن تقع الفأس علي الرأس ؟! لقد كانوا حضاريين متحضٍرين، قبلوه وهو الغريب زوجاً لابنتهم وليس علي دينهم أو ملتهم، احترموه واحترموها طالما هو قرارها وخيارها ! احترموا دينه ومعتقده ولم يناقشوه فيه!، ولم يطلبوا منه أن يغيَره وشربوا جميعاً نخب انتصار الحب وسموَه علي الماديات!، احترموا الحياة وما يعتقدوه ويمارسوه وتبادلوا الأنخاب !، الآن أدرك مقدار فداحة الأمر، الآن فقط أدرك سرَ سعادتهم حينها ذلك اليوم لأسباب كانوا يدركونها جيَداً مسبقاً وسلفاً ويجهلها ، ... كانوا يعتقدوه سينسحب أن أحسَ فداحة الأمر لحظتها . فإن قرر الاستمرار لنهاية الشوط فسيسخر كل شيء وعليه أن يقبل بالنتيجة طالما رضي شروط اللعب . لو كان يعرف مسبقاً لانسحب، لرفض اللعب لكنه ما كان يدري أو لم يحسب الأمر كما ينبغي له أن يحسب !، ذلك اليوم كانوا صادقين بحسابهم هم وأعملوه ولكن بطريقهم . كان يحب الجبن الرومي فعلَموه أن الجبن الرومي يؤكل أثناء شرب النبيذ والكحول، علَموه كيف يرقص وبراقص وقد فعل !، كيف يشرب الويسكي بمكعبات الثلج !، والفودكا تشرب دافئة !، والنبيذ بالصودا ، ذلك اليوم استطاب مذاق جبن الروكفور بعد أن كان يعدَه جبناً فاسداً لمذاقه المخمر ،عرف إنَه الأجود والأفخر من كلَ الأجبان ، ودخَن الغليون وخبر أنواع التباكو وعرف أجودها وأفخرها ، أكل الكافيار الروسي وقد كان يطُمَ بطنه بمجرد ذكر اسمه ، عرف أفخر أنواع الأسماك والقواقع البحرية وأكل الجمبري واستطيب طعم الاستاكوزا ،ذلك اليوم أعشت الأضواء الصاخبة المتلألئة الحقائق والقناعات بعينه فخلعها ولبس غيرها !، البسوه حلَة مزركشة الألوان وأجلسوه بعرش السلطان فهزَ رجليه سعادةً ورضا ! ، كيف يترك كل هذا الآن دفعة واحدة ؟!! ، كيف ينزل السلَم !! ، كانوا يرفعون كؤوسهم ويحيونه ثم يشربون النخب، أم تراهم كانوا يتراهنوه ؟ ، ذلك اليوم راقص كل من حلم بمراقصتها ، ألبريك ، الدسكو، التانقو، كل أنواع الرقص، الــــــ(Slaw) وغيره ، كل من حلم يوماً بمحادثتها أمسك بخصرها وملأ منه يديه وركزت نهدها علي صدره !، جرَب كل مسكر واستعذب طعم النبيذ في شفتيه ، ... الموسيقي الصاخبة والناعمة في أذنيه ، أجساد ناعمة بضَة مشتهاة طوع يديه ونفسه وما تشتهي ، شفاه مطعونة بعسل الحياة أضاعت طعم النبيذ من فمه ،... لم يمنعه أحد شيئاً طلبه !، ولم يصَده أحد عن شيء رغبه أو تمناه !، باختصار أيقظوا فيه حب الحياة ومذاقها ، بل كل عسلها!.
الآن تفرق الحفل وانفضَ السامر وجيء بفاتورة الحساب ! ، وعليه أن يدفع كشخص متحضر ، يدفع عن ضيوفه الذين عزمهم رداً لدعوتهم التي قبلها وعليه أن يدفع الحساب وبقشيش للنادل والسعاة والطهاة!، كانت حاكي قد حقبة أشياءها بعد أن ملأت حقيبتها بكل ما يخصَها من أشياء . ضغط فرانكو جهاز التنبيه بالعربة مرة أخري يستعجلها، اقترب من الباب لدرجة جعلت ظلاله ترتسم وتتكسر علي زجاج الباب وخلفه مباشرة. كان عليه فعل شيء لوقف مأساة علي وشك الحدوث ، سأل نفسه :- أيقتله؟ أم يقتلها؟ لم يقتلهما معاً ؟!...ليس الذنب ذنب الشاب فرانكو! ، سيقتلونه لقتل فرانكو وستجد جاكي نذلاً أخر وما أكثرهم في هذه البلاد ، وستلاحقه الفضيحة إلي قبره ، كما ستلد جاكي أنذالا صغاراً!!!.
أيقتل نفسه وهو الأحق بالقتل لأنه فعل هذا بنفسه وبالآخرين !، فان قتل نفسه سترحل جاكي مع هذا المبروم الشعر ذي الفلجة وسط أسنانه العلوية ولونه الحنطي ، وقد يختلفان فيتركها لغيره وقد تتنَقل من رجل لآخر ! دون أي مانع أو رادع !، عليه ألا يضيِع وقته في التفكير ! ، وكاد يهوي كنجم يسقط علي الأرض لولا أن تحامل علي نفسه واستند لأقرب جدار ، هبت زهرة الغاردينيا نحوه مذعورة وأعطته حضنها فتوكأها وقد تغضَن وجهه بالألم ، وبصعوبة وجهد بالغين نطق :- ...الدواء وأشار بيده نحو الخزانة ، أخذته إليه فأدخل يده في الخزانة ، حرر جسدها وتركها تقف خلفه ،حين استرق نظرة للمرآة أمامه لمح بصرها مشتت بين الهنا والهناك ، ... بدت له مشغولة ومشتتَة الفكر ، لعلَها شعرت بهول ما يحدث للعجوز بسببها ، في الثانية التالية الفاصلة ضغط فرانكو جهاز التنبيه فأدخل العجوز يده في الخزانة ينقب عن شيء ما !، حين استدار العجوز نحوها لمع شيء في صفحة السماء كمصادقة نادرة الحدوث ، عقدت الدهشة والمفاجأة لسان الزهرة وشلَت تفكيرها حين وجدت فوهة المسدس مصوبة نحو صدرها، ... تماماً فوق القلب.
إثر ذلك اقتحم فرانكو الشقة وكسر الباب ، كانت الصغيرة ما تزال ترقد ممدة علي الأرض رخوة وخيط رفيع شديد الحمرة يتدفق من صدرها وهي تغالب نعاس الاحتضار !، ... وقع فوقها واحتضنها إليه :- جاكي ... جاكي ... جاكي. رفعت إليه عينان ناعستان كأنهما تحت مخدر ، أو عينا ثمل بالكحول.
قالت من تحت شفتيها اليابستين الجافتين :-
فرانكو ... حبيبي ... أهرب حتى لا يقتلك هذا العجوز ... لقد جنَّ فجأة ، أهرب ... أهرب أرجوك.
رد فرانكو :-
لا فائدة في الحياة بدونك حبيبتي ... فلا ترحلي بدوني ... انتظريني أو خذيني معك ، كان يتفطًر ألماً وحزناً ، أضاف:- ... ليته يفعل ... وتوجه للعجوز والمسدس ما يزال بيده:- أطلق النار أيها المجنون . الحقني بها فوراً ، أرجوك افعل.
قال العجوز في نفسه :-
أعرف أنك حزين ولكني أشدَ منك حزناً عليها ولكن ما باليد حيله وعليً دفع الثمن . أنت لا تعرف معنى الأبوة لأنك لم تجربها ولم تعشها مثلي ، انا أعذرك ، وان كنت حزيناً لخطأ ارتكبته الآن فأنني أكثر حزناً لأخطائي السابقة ،... جئت أرضكم ... أرض الحرية ... أرض الخير والإنسانية ظناً مني أني أنجو من الجحيم ! ، ودخلت وسطكم دخول الغريق قارب النجاة !! ، .. لم يك لي الخيار فإمَا الموت في البحر وإمَا النجاة ودفع الثمن ! ... غلطتي إني ركبت البحر!!
في تلك اللحظة خطرت للعجوز فكرة أخرى ! ، أن يطلق النار علي الشاب فيريحه من العذاب ويلحقه بها رحمة به ، ثم رصاصه أخرى له فهو الأحق بالرصاص و لتكن رصاصات رحمة .
فرانكو ...أمها ... هو نفسه ، وكل من يسمع صوت الرصاص فيهب للنجدة ، ولكن ما ذنب الآخرين ؟! ... نعم ما ذنبهم ؟! كان خطأه فلماذا يحملِه الآخرين ؟! ،.. انه ذنبك أيها العجوز فلتذهب للسجن أو للجحيم.
يوم المحكمة كان شيئاً لا يصدق !! تقاطر الناس من كل حدب وصوب، وكالات الأنباء العالمية والمحلية ، إل BBC والـ CNN ، التلفزيون السويدي ووكالة الإنباء الأوربية والروسية واليوغسلافية وكل الوكالات الأوربية وحثي تانيونغ الصينية ، والجزيرة وقناة العربية وكل القنوات الدولية بلا استثناء ، لم تتخلَف قناة تلفزيونية أو إخبارية إلا وحضرت ... أجهزة تسجيل ، كاميرات ... إنترنت . وخطوط تلفونية ، فاكسات وآلات تصوير وناسخات ضوئية.
مراسلوا ومراسلات وكالات أنباء . كل العالم كان هناك أرادوا أن تكون محاكمته قضية رأي عام . محاكمة حضارية بمفهومهم . حشدوا لها كل شيء هيئة دفاع من فطاحله أساتذة القانون في جامعاتهم ، أساتذة للقانون الدولي وحقوق الإنسان ، قالوا بفضلهم علي قبول العجوز وتزويجه بابنتهم ومعاملته كبشر كامل الحقوق دون أن يطلبوا منه شيئاً !!!.
قال :-
كنت أعرف كلَ هذا لذا قررت أن أقلب عليهم الطاولة . قلت القاضي :-
إنكم تجعلون من قضية قتل ابنتي قضية حضارية لكنكم تقتلون في اليوم الواحد ملايين البشر وفي كل بلاد العالم ؟!!،
توسوس القضاة وهيئة الدفاع وقرروا إيقاف المسرحية التي رفض بطلها لعب الدور وخلع ملابس التمثيل ،... قرروا إلغاء بقية العرض . أخيرا نطقوا بالحكم .
سبعة سنوات سجناً يقضيها في العمل الاجتماعي وخدمة المجتمع علَه يعود إنساناً صالحاً ويفعل الخير !!!!!؟ لان الإعدام عقوبة لا إنسانية ؟!!؟!
بقلم : فائز حسن العوض
مارس 2011 م