السراج
الفجر الجميل لما يظهر بعد ولكني حملت قنديلا صغيرا أحضرته أمي من مدينة القدس الحبيبة في إحدى روحاتها , حملته وصعدت السلم وأنفاسي تنبئني بشيء غامض سيحدث .
لم يكن القنديل الصغير الذي أحمله سيضيء لي أية ظلمة فقد كان القلب مثقلا وهيهات أن يسبل على روحي المتحفزة لهدوء وراحة مثل هذا الضوء الخافت .
كم أحس أحيانا أن وقع الأقدام الخافتة في ساحة عمرنا لها أكبر الأثر من تلك التي تجلب معها ضوضاء تصم الآذان .
فعند أول الشارع الضيق المؤدي لبيتي القديم , وشباب اليوم يكاد بطفولة رعناء يسطر أحاجيه وألغازه في قلب يتمنى أن يكون ذاك الخيال الأبيض القادم له تأثير أقوى من هذا السراج المهلهل . ارتمى في حضن أملي صوت قادم
فسمعت وأنا أنصت لحديث قلب , حديث لطالما رهف وخف وشف... سمعته وقد ابتدأ سراجي الصغير في يد ابنة صغيرة السن كبيرة الآمال , يساوم على تواجد لنفس أصبحت خوراء وكأنها قطعة بالية على جزيرة نأت عن الدنيا بزوبعة أطاحت بها .
لم يكن سني الصغير هو من يثقل الكاهل فأقلامي متسمرة في دنيا اللعب والتفاهة الطفولية المجلجلة حبا
وأراها تصغر كلما حاولت أن أرفعها لفوق تتعلم من كبار الأيام حوادث الكبار ..
وتكبر كلما تتوق أن تبرق كبرق صغير في سماء عمري لا يمطر إلا لهوا ولعبا..
فثقلت النفس لمحاولات تتزين للعبث فتخرج منتصرة ..غيداء بخربشات فاعلة في النفس تلهت عن اتزان .
وكنت كلما اثاقلت تلك الخطى في رمل صحرائي أغذ السير فوق سطح البيت لعلي أكبر بارتقائي للدرجات , ولكني كنت دوما ألملم محاولاتي الساذجة لأدفنها في وثير الخدر حتى أريقها على دنيا النسيان بعد ذلك مسفوحة في داخلي لا تطفو إلا فجرا كما هي اليوم وفي هذه اللحظة .
واقترب الخيال الأبيض متحديا ضوء سراجي يعلمه درس الضياء الحق لينير المكان ببسمة وضيئة فجرية الإيحاءات سليمة الخيرات وسيعة الآمال .
وبتحية من صوت عذب سكب في فؤادي المتصحر فأنبت غداة ظن فقدا لزهره الطفل :
-صباح أسعد من السعد وأرق من الرقة وأحلى من الشهد
بهذا حياني فتبسمت
وأشار لي نزولا فهتف القلب لمرآه
نزلت سراعا وقد اشتعل السراج بيدي متوهجا ينير لي الدرجات التي كانت تطوى تحت قدمي كأنها حرير يسحبني بنعومة طائرة إلى حيث يقف مضيئا المكان:
ولمس شعري بيده فامتلأت حبورا
- أوقدي لنا السراج أشار لسراجي الملتهب المتقد
- كيف ؟
سراجي لم يتقد إلا لما رآك وابتسمت مجاملة له
- لا يا ابنتي
فلنضيء سراجك بداخلك ... تعالي لنحفظ سورة الكهف
لندخل في كهفك قصة فتية رحلوا إلى الله
لنحفظها
فأضيئت القناديل
وعلمني عمي الشيخ قراءة وحفظا
وعلمني أن أمسك ريشة بيضاء أكتب بها قبلاتي على الورق فتنتشر في أثير إيماني برونق وتؤدة
وغدا السراج وهاجا
رحمك الله يا عمي
أوقدت سراجي بزيت الإيمان فلك الفضل يا سراجا يغيظ الشيطان