أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 8 من 8

الموضوع: حوارية

  1. #1
    قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Jul 2005
    المشاركات : 320
    المواضيع : 85
    الردود : 320
    المعدل اليومي : 0.05

    افتراضي حوارية

    حوارية

    قال لي:-
    أنا أعرفك منذ زمن بعيد، بيني وبينك اتصال، تخاطر، رسائلك لم تكتب بالأحرف، ليس لها مفردات، لا تتشكل من الجمل، لكني أعرفك جيدا، رسائلك كلها فيً، في مخزون ذاكرة خاصة، ذاكرة تحاصر الزمان، تحاصر المكان، تقتحم مجهول الأقبية والسراديب والدياجير.

    قلت:-
    وأنا أعرفك، ملامحك، كل شعرة في راسك، كل ذرة في جسدك، خطواتك، إشاراتك، قامتك المربوعه، تحمل لي أنفاس جنة، اسمها عدن، اسمها يمن، بيني وبينك تخاطر يتصل من جوف زنزانتي بجوف زنزانتك.

    قال لي:-
    تاريخ نحن، مداده العذاب، الهوان، الألم، الفراق، تاريخ حمل غبار جسدينا، غبار نفسينا، في حبات أثير طار لا نعلم أين، لكنه محفوظ في جوف الفضاء، ربما جزء منه في القمر، وربما جزء منه في الشمس، وربما جزء لا يزال مسافرا في رحلة طويلة طويلة.

    قلت:-
    عذابنا راحة، ملتقى لسر كامن في رحم الآت، رحم مستقبل ترسمه مساماتنا، جلودنا، مساحات الألم الممتدة من فلسطين إلى عدن، من عدن إلى فلسطين، فراقنا لقاء بين ماض يتجدد، وحاضر يتعهد، الماضي والحاضر يربطان الزمن بالأثير، الشمس والقمر في حدقات عيوننا التي ترز شعاعا يشكل ألوان الأرض حين تمتزج بألوان السماء. هوان، كلمة ليست ضمن مفرداتنا، ولا في قواميس أحلامنا، لا مداد لها ولا حبر على صفحات تاريخنا أو مستقبلنا. إباء نحن، شموخ، عزم وعزيمة لكل إنسان. هوان جلادنا، سجاننا، هوان يرحل في طيات الذل والهزيمة، مفرداته بلا روح، بلا قلب، تعيش في قاموس يأكله العفن، يركِعه الزيف.

    قال لي:-
    لكننا نحيا، نرسم من مفرداتنا عوالم مفتوحة، لا حدود لها، لا تعرف المسافات ولا تعترف بالأبعاد، لا تخضع للأورام، نحن نكتب الفرح، نجهر بالحقيقة ليصعد الحق إلى السطح، إلى العين.

    قلت:-
    الكتابة خلاص من عذاب، من ازدحام النفس في طاقات لا تعرف طريقها، لا تدرك مدارها بين الكواكب والمجرات. نحن شيء بسيط، بسيط، إلى حد أننا حين نحدق بالرجال، بالتاريخ الذي كتب دون الحاجة إلى أناملهم، أقلامهم، عباراتهم، نشعر بالتقزم، التقزم الشديد. نحن نملك أداة تساعدنا على منح ذاتنا نرجسية مغلفة بالبطولة، بالصمود، بالنهوض. لكنهم هم، أولئك الرجال، الرجال الذين امتصت عقولهم وأرواحهم التجربة بكل ما فيها من نقاء، رحلوا، رحلوا دون أن تنظر أعينهم نحو الحياة، نحو اللذة، رحلوا مخلفين من هم أمثالنا يقفون على رصيف زمن لا نعرفه ولا يعرفنا.

    قال لي:-
    لكننا مثلهم، دفعنا الثمن، خضنا التجربة، رضعنا الألم من ثدي كرهناه، رائحته نتنه، عفنة، وكنا مع الموت في كل يوم، في كل لحظة، على موعد. رقابنا مصابة بحساسية الحبال، عيوننا يسكنها الم الفراق، وقلوبنا تمتد خارطة من شرق إلى غرب، من شمال إلى جنوب، من فوق إلى تحت، لتتركز في عمق بؤرة هذه الأبعاد كلها، كنا بشرا نتجرع الخوف، نتعلق بحبال الدعاء والرجاء، وأبواب الزنزانة تصفق في كل حين، في كل لحظة لتذكرنا بحقيقة الموت والفناء.

    قلت:-
    نحن كنا نطلب الرجاء، نمد أفكارنا حبالا للتمني، لكنهم ركلوا الرجاء بأقدامهم، بل كانوا يستدعون الموت في كل لحظة ودون تأخير، بيننا وبينهم جبالا من السنين، سهولا من الدهور، ممتدة امتداد قدرتهم على البقاء في رحم الأرض أحياء، امتداد قدرتهم على صلب العذاب فوق سواعدهم وعلى رؤوس أناملهم. هم كانوا، وسيبقون، بوابات التاريخ الفاصل بين مراحل الزمن. أما نحن، لا شيء سوى حراس على أرضية تلك البوابات، شرف عظيم، نقبله ولا ندعيه، إن كانت تلك البوابات تحتاج أصلا إلى حراسة.

    قال لي:-
    نحن امتداد لهم، لتجاربهم، لامتدادهم فوق جسد التاريخ كسحابات تظللها الشمس النافرة من بين سحابات الصباح الناعم. نحن خليط متين من كل ما فيهم، نشعر بأرواحهم تسري وتكبر في أرواحنا، نشعر بدمائهم تفتح في أوردتنا وشرايننا مزيج رائع من الإباء والشموخ الذي يشك يفاعة ملامحنا.

    قلت:-
    قد يكون في هذا شيء من الحق، نفس من الحقيقة، لكن، أنا وأنت، نشعر أننا أطفالهم، نذهب كل يوم إلى بوابات جامعاتهم لنعود محملين بغموض صبرهم ورباطة جأشهم، نعود ونحن نحاول الإجابة، ولكن دون جدوى. ويبقى عمر القاسم، إبراهيم الراعي، أبو النوب، حسن كليبي، يحيى عياش، احمد ياسين، الرنتيسي، ومثلهم كثير، يبقى من نعرف منهم ومن لا نعرف، تاريخ يمكن الوقوف على أعتابه، على مصاطبه، مع الشعور بالرهبة، بالجلال، بالغموض، وقوفنا هذا دليل على بقاءنا نحتاج دوما أن نرفع رؤوسنا بشدة كي نتمكن من رؤية نورهم الدافق بالحياة، بنور الشمس وجلالها.

    قال لي:-
    لكننا منهم، نحن منهم.
    قلت:-
    ممكن، لكنهم كتبوا أسطرهم على صفحات رائعة تاركين النهاية مفتوحة. أما نحن يا صديقي، فإننا لا نزال أحياء، نحتسي القهوة، ندخن، نداعب أحلامنا وأطفالنا، هم خلفونا وراءهم، فهل ندرك ذلك؟ الجواب متروك للزمن، للنهاية، للأيام القادمة كي تقول للناس إن كنا على اقل تقدير مثل تاريخ يوم واحد، بل ولحظة واحدة من لحظات حياتهم.



    " هذه الحوارية، غير موجهة لشخص بعينه، بل موجهة لكل عربي ومسلم يرى الحق البدهي خطا وحدا لا يمكن المساومة أو الادعاء عليه، حق الحقيقة التي لا تقبل التجزئة أو التقسيم، أو حتى النقاش باسم المصطلحات الجديدة التي تطالبنا بالتنصل من حق الفطرة واستقامتها بأسماء ومصطلحات يروق للبعض التشدق بها باسم الرأي والرأي الاخر، هذه الحوارية مهداة للأبطال في كل زمان ومكان، والى من يعترف بحقهم في الخلود خارج دوائر الترهات والزيف التي يتغنى بها جمع هائل من ( المثقفين ) ( الأبطال ) على ورق والخوف والانحسار والهزيمة ".


    مأمون احمد مصطفى
    فلسطين – مخيم طول كرم
    النرويج – 5- 8 - 2003

  2. #2
    الصورة الرمزية ليال قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Apr 2003
    المشاركات : 982
    المواضيع : 35
    الردود : 982
    المعدل اليومي : 0.13

    افتراضي

    حوارية قوية تصدح بالحق لترينا الأشياء كماهي لا كما نحب أن تكون،حوارية صريحة صارخة تضرب في صميم الصميم، لتغرس في جثث الضمائر خنجراً وفي أطلال الحناجر بعضاً من الصدق، تحية كبيرة لقلم معطاء.
    .

  3. #3
    الصورة الرمزية أسماء حرمة الله شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jun 2005
    الدولة : على أجنحــةِ حُلُــم ..
    المشاركات : 3,877
    المواضيع : 95
    الردود : 3877
    المعدل اليومي : 0.56

    افتراضي

    سلام الله عليك ورحمته وبركاته

    تحية مخضرة اخضرار "حوارك"

    الأخ المبدع مأمون مصطف،

    "حوارٌ" مفعم بروح الإباء والشموخ، مثقل بآلامِ وآمال شعبٍ بل أمة بأكملها، مكتوبٌ بعزة الضمير وثورته، يجلس الشهداء بين حنايا حروفه يفتحون لنا سجلات تاريخهم الذي يضوع مسكاً وثورة، وقد أبى "الحوار" إلا أن يصدع بالحق كي تستيقظ الضمائر...بوركت أيها القلم السامق الأبي..
    ...........
    اسمح لي بالإشارة إلى:
    بيننا وبينهم (جبالٌ) من السنين/ (سهولٌ) من الدهور،
    نشعر بدمائهم تفتح في أوردتنا وشرايننا (مزيجا)(رائعا)
    يبقى من نعرف منهم ومن لا نعرف، (تاريخا) يمكن الوقوف على أعتابه،
    على (بقائنا)
    (يفاعة): أظنك قصدتَ يفَع أو يفاع؟

    عاشت فلسطين حرة أبية..
    تقبل خالص تحاياي وتقديري
    وألف باقة من الورد والمطر

  4. #4
    في ذمة الله
    تاريخ التسجيل : Sep 2005
    المشاركات : 3,415
    المواضيع : 107
    الردود : 3415
    المعدل اليومي : 0.50

    افتراضي

    سلام الله ومحبته ، أخي الفاضل أ / مأمون أحمد مصطف

    نثرية حوارية رائعة ، بورك فيك ؛ وعظم الله أجرك لجميل نبضك .

    وخالص التحايا والأمنيات الطيبة .

  5. #5
    قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Jul 2005
    المشاركات : 320
    المواضيع : 85
    الردود : 320
    المعدل اليومي : 0.05

    افتراضي

    الاخت الكريمة اسماء حرمة الله:

    اشكرك جميا الشكر على تفضلك بتصحيح الاخطاء التي وردت في الحوارية، فهذا فضل من اخت كريمة تصحح بطريقة لبقة رائعة، وارجو ان تصححي في اي وقت تجدين لي مقالا او اي شيء، فانا اشعر بالفخر حين ينقح عملي من الاخطاء اللغوية، وانا اعترف بان علاقتي مع قواعد اللغة العربية علاقة رديئة لانني اضن بالوقت على القواعد للحاق بالجديد والتمتع بالشعر والرواية والتاريخ، اشكرك مرة اخر وارجو ان تجدي لي عذرا.

    مامون احمد مصطفى

  6. #6
    قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Jul 2005
    المشاركات : 320
    المواضيع : 85
    الردود : 320
    المعدل اليومي : 0.05

    افتراضي

    الاخت الكريمة عبلة زقزوق:

    شرف عظيم لي ان اجد اسمك على اي عمل ارسله، وشرف اعظم ان اجد وسط ضياع نساء هذا العصر هذا النفس الايماني منك ومن الاخوات اللواتي اتلقى ردودهن.

    تحية مودة من اخ مسلم الى اخت مسلمة

    مامون احمد مصطفى

  7. #7
    قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Jul 2005
    المشاركات : 320
    المواضيع : 85
    الردود : 320
    المعدل اليومي : 0.05

    افتراضي

    الاخت ليال:

    من الامور التي يجب ان نعترف بها في زمن الذل والهزيمة الذي نحياه، هو الا ننتقص حق الابطال الذين حاولوا ولا زالوا يحاولون دفع الظلم والذل والهوان عن كواهلنا.

    تحية من اولئك لك ولكل من يحفظ قدرهم.

    مامون احمد مصطفى

  8. #8
    الصورة الرمزية أسماء حرمة الله شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jun 2005
    الدولة : على أجنحــةِ حُلُــم ..
    المشاركات : 3,877
    المواضيع : 95
    الردود : 3877
    المعدل اليومي : 0.56

    افتراضي تحية ورد

    سلام اللـه عليك ورحمته وبركاته

    تحية مكتوبة بمداد الورد

    الأخ المبدع مأمون أحمد،

    أقدّرك كثيرا وأقدّر قلمك وسعة صدرك، وأحييك على لطفك وكرم أخلاقك، لا اعتذار أخي الكريم لأننا جميعا نخطئ، وكلنا بقافلة العلم نتعلّم ونحاول أن نقطف من كل حديقةٍ وردة..
    بارك اللـه فيك أخي الكريم، وسنبقى دوماً بانتظار حروفك المضمّخة بالإباء والجمال والشموخ..
    دمتَ لنا..
    تقبّل خالص تحاياي وتقديري واعتزازي
    وألف باقة من الورد والمطر

المواضيع المتشابهه

  1. دعوة حوارية للمصارحة والاستفادة ....يعجبني ولا يعجبني !!
    بواسطة نورا القحطاني في المنتدى الاسْترَاحَةُ
    مشاركات: 18
    آخر مشاركة: 20-01-2007, 03:53 PM
  2. حوارية الأدب و الجمال
    بواسطة د. عمر جلال الدين هزاع في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 12
    آخر مشاركة: 07-05-2006, 02:46 AM
  3. ما رأيك أيها الرجل في المرأة التي تخطبك لنفسها ؟(دعوة حوارية)
    بواسطة نورا القحطاني في المنتدى الحِوَارُ المَعْرِفِي
    مشاركات: 27
    آخر مشاركة: 06-04-2006, 09:53 PM
  4. عاليادي -حوارية زجلية
    بواسطة مريم العموري في المنتدى أَدَبُ العَامِيَّة العَرَبِيَّةِ
    مشاركات: 13
    آخر مشاركة: 04-02-2005, 01:30 AM
  5. قم لنرحل/قصيدة حوارية بين بوش وشارون ومسلم بعد سرقة المصارف
    بواسطة فارس عودة في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 10-03-2004, 04:02 PM