" آجي أقابل بابا إمتى ؟ " قُلت تِلك الجُملة مُنتظراً رَدة فِعلها , كُنت سعيداً وأنا أتابع توَرّد وجنتيها بحُمرة الخجل, أخذتني الذكريات لثلاثة أعوام سبقت تلك اللحظة , لبداية قصة حبنا , و إصرارنا على المُضيّ قُدماُ في مواجهة جميع المُشكلات التي قد تقف في طريق سعادتنا , ما زال الحب يرفرف داخل قلوبنا , فلم يعرف الملل طريقاً لنا , ولم نسمح للمشكلات التي واجهتنا أن تكسر حلمنا الجميل الذي بنيّناه بورود العشق والغرام .
كانت ندى هي أحب الناس إلى قلبي , فقد جذبني إليها جمال روحها الأخاذ ورفعة خلقها , وحب الحياة والابتسامة الدائمة على شفتيها , كانت ملامحها تشعرني بالهدوء والراحة.
لطالما كُنّا نحلم بتلك اللحظة التي يجمعنا فيها بيت واحد , كم تعبنا من أجل تلك اللحظة , عام كامل فى العمل الشاق والبحث المستمر عن وظيفة جيّدة , وقد نجحت والحمد لله في الإلتحاق بشركة كبرى , و أهداني أبى شقة جميلة بسيطة , نستطيع أن نبدأ بها حياتنا سويّاً , شعرت بأن الله قد كافأنا بعد كل المشاق التي عانيناها , و ها قد جاءت أخيرا بعد طول عناء.
ابتسمتُ وأنا أمسك يدها برفق , نَظَرت إليّ بدون أن تتكلم , غمرتني بأرق كلمات الحب بعيناها , ثم سَحَبت يداها بهدوء من يدي , وقالت أنها ستنتظرني في الموعد الذي سيحدده أباها .
مرَّت الأيام سريعة ليأتي اليوم الموعود .. ذهبت حسب المَوعد المُحَدد , و استقبلني والد ندى بابتسامة ودود , وفاتحته في الموضوع مباشرةً , و بالطبع دار نفس الكلام المكرر الروتيني الذي يُقال في تلك المناسبات .
ثم بدأ في لفت انتباهي بأنني شاب حديث التخرج وبأن الدخل الذى أتقاضاه لن يجعلني كُفئاً لتحمل مسؤولية أسرة –بالرغم من أن هناك الكثير من الناس يتقاضون نصف راتبي ويعيشون به راضيين– واعترض على الشقة التي أملكها بحجة أنها تبعد عن مكان إقامته بمسافة كبيرة , وأنه يتعيّن عليّ أن أقوم بشراء شقة جديدة في أرقى الأحياء , كما اعترض أيضا على إمكانياتي التي لا تسمح له بتحقيق ما يتمناه لابنته , من حفل زفاف فاخر في أرقى الفنادق , ومن رحلة (شهر عسل) في الخارج , و في تأثيث البيت بآخر الموديلات الحديثة في عالم الأثاث , و شراء أحدث الإلكترونيات .
أخبرنى بأنني مظلوم ككل شباب ذلك الجيل , ولكنه لا يستطيع أن يضحي بمستقبل وسعادة ابنته مع شاب مثلى في بداية حياته .
كُنت استمع إليه وكأنني استمع لمسلسل عربي مُعاد أشاهده لإضاعة وقتي بعد أن مللت منه , ولكنى للأسف في تلك المرة لن أستطيع إغلاق التلفاز , بل يجب على أن أظل مُنتبِها لآخر الحلقة , آسف .. أقصد لآخر المناقشة .
دافَعتُ عن حقي وأبديت له أسبابي , وبأنني ميسور الحال ولست متعسّراُ كما يُصوّرني , أوضحت له أن السعادة في تكوين الذات مع من أحببتها , وفى ظل حب يجمع قلبينا , ويذيب المشاكل التي سنواجهها , لماذا أتحمَّل وحدي مَشقّة الحياة بدون أي شخص بجانبي يشدد من أزرى ويحنو عليّ ؟ , ولماذا هي تعيش وحيدة تنتظر إلى أن يتقدّم لها شخص آخر ليتزوجها ما دُمت شخصاً خلوقاً ؟ , كم سيمر علينا من الوقت منتظرين؟ , لماذا لا نبدأ حياتنا معاً , لماذا نقتل بداخلنا حُب الحياة والصمود معاً في وجه المشكلات التي سنُلاقيها , بدلاً من أن يواجهها كل طرف منا بمفرده , بعيداً عمّن يُحبّه و يحتاج لقُربه ومواساته , إن الحياة عندما نبدأها سويا , أفضل من أن نبدأها بعد أن يكون الزمن قد غيَّر مشاعرنا ومرَّ بِنا العُمر , قبل أن تذهب زهرة شبابنا في طريق لن تعرف الرجوع منه.
وكأنني كُنت أتحدث إلى نفسي , لم يعر كلامي أي اهتمام , وكأن كلامي لا يعنيه , بل أخذ يردد أنه لا ذنب له في هذا الموضوع , لأنه يريد أن يرى ابنته سعيده –وكأن السعادة تٌشترى بالمال– ولن يتنازل عن هذا أبداً , ثم أسَرَد لي أسباب شقائنا نحن جيل الشباب .. و أن الظروف الإقتصادية هي التي وضعتنا جميعاً في هذا المأزق , وأن ارتفاع البطالة وزيادة التضخم وراء انخفاض قيمة العملة , وبالتالي ارتفاع الأسعار , بما فيها المنتجات الزراعية , والأثاث والإلكترونيات , وبالتالي أثرت على تكاليف الزواج .
لم أفهم أبداً ما علاقة هذا الكلام بما أتيت من أجله , أو ربما قد وقف عقلي عن التفكير من عدم تصديقي لما أسمع .
ولكن في النهاية , انتهت المقابلة بنتيجة غير قابلة للمناقشة , لن يكون هناك زواج , إلا إذا وافقت على طلباته , من بيت جديد وأثاث بأرقي التصميمات , و حفل زفاف يُقَام في فندق خمسة نجوم , و .. و.. و..
سرت شارداً في الطريق , دون أي قصد , ظللت أفكر فيما ما حدث منذ دقائق , هل أنا مُخطئ لأنني أقدمت على الزواج ؟, هل يجب أن أبلغ من العمر أرذله كى أستطيع أن أتزوج؟ , ما معنى الحياة دون أي هدف , وما معنى تحمّل المَشقّة دون أي شخص يشد من أزرك ؟ , كيف ستسقيم الحياة بلا زواج و استقرار نفسيّ ؟ , لماذا خلق الله حواء لآدم إذن ؟!!
نظرتُ إلي شابِ وفتاة تشابكت أيديهما في حبِ و حنان , فانتابتني نوبة من الضحك الهستيري , و أخذت أضحك مُتصوّراً حالتهما عندما يُصدَمون حين يُعلنون رغبتهم فى الزواج , إنهم بالتأكيد لا يعلمون بأن هذا الجيل قد كُتِبَ عليه عدم الزواج , لأن الظروف الاقتصادية قد زادت من أسعار كل شئ حتى المنتجات الغذائية.
و لم استطع إيقاف طوفان الأسئلة داخل عقلي , هل سيؤثّر زَواجي على اقتصاد بلدي ؟ أم أنه سيؤثر في معدّل نسبة البطلة وانخفاض قيمة العملة ؟ .. هل فشل زواجي لأن ( كيلو الطماطم ) أصبح بستة جنيهات ؟!! , ولأن طبق الفول قد تعدَّت أسعاره الحد المعقول ؟!! ..
و عَزمت على نَشر حِكايتي في كل مكان , أود لو أحفرها في التاريخ لعلّ شخص يأتى من بعدي و يدرك ما كنا نُعانيه – نحن شباب هذا الجيل – من إحباط و يأس .
ولكني لم أكن أعلم أن تلك المرة التي أكتب فيها قصتي ستكون هي المرة الـ 530 خلال عامين على 334 حائط , دون أن يذكر التاريخ أي شئ عن قصتى , ودون أن أرى أي شخص قد تعلَّم من قصتي شيئاً , ولكنى سأظل أكتب حتى أجد لقصتي مكاناً في كُتبِ التاريخ.
عــادل الشـامــــي
مستشفى الأمراض العقلية .. العباسية
جمهورية مصر العربية
تــمــت
بقلم : أحمد فؤاد
الأثـنـيــن
29/03/2004