تجليات رؤيوية
فـي شعـر العـاميـة
بدمياط
جمال سعد محمد
- 1 -
في دمياط تتسع الرؤيا باتساع التاريخ وعبقرية المكان وتضيق العبارة بقدر المخزون الموروث منذ آلاف السنين , و الذي تختزله الثقافة الشعبية في طيات الجيولوجيا الإنسانية لتعيد إنتاجه .
دمياط تلك البيئة الكريمة المعطاءة التي ما زالت ترفد الإنسان بزاد لاينتهي , حينما تمشي في دروبها وحول نيلها فأنت تنتقل بين دفات المعاجم وكتب التاريخ ومرافئ الحكايات الشعبية وساحات الإنشاد الديني
لكن ربما تتقافز الأسئلة بعد هذه المقدمة عن علاقة البيئة الدمياطية بالمشهد الإبداعي وعن أثر كل هذا الغني في التجارب الإبداعية وعن قدرة هذا " المكان " البطل علي صياغة الثقافة وشحن الطاقات الوجدانية والانفعالية بمدد متعدد الدلالات .
وأتصور أن دمياط ليست مجرد حيز جغرافي يكتسب خصوصية ما , بل أعتقد أنها اختزال للشخصية المصرية في أبرز خصائصها وتجلياتها . وإذا كان ( من الصعب تحديد سمات فارقة بين إبداعات الأدباء في دمياط وبين الإبداعات في الساحة الأدبية , فالحركة الأدبية في دمياط جزء غير منعزل عن الحركة الأدبية في مصر , و إن ظهرت في إبداعات بعض أدبائها سمات البيئة الجغرافية والنفسية ومن أهم تلك الكتابات في شعر العامية أشعار محروس الصياد حيث تبدو عناصر البحر والصيد والطيور المهاجرة كعناصر تشكيل الصور الشعرية وأشعار سمير الفيل التي تعتمد علي عناصر عديدة من أهمها أجواء الحارة الشعبية الدمياطية والسمات النفسية للشخصية الدمياطية كما تعتمد أشعار محمد الزكي علي عناصر الأسرة الدمياطية التقليدية ومعتقداتها وتلك الروح الخاصة جدا التي تسري بين أفرادها , ويقف السيد الجنيدي رائد شعر العامية في دمياط شامخا برغم توقفه عن الكتابة من بداية السبعينات حيث أدخل عناصر تعبيرية ذات خصوصية بيئية في قصائده ) ( 1 )
.