السلام عليكم يا أهل هذه الدار الفانيةوبعد،
كدت أتوقف عن مواصلة مشاركتي في هذه الواحة، لأني شديدة الحساسية، أتأثر سريعا بالكلام السيء، أنظر إلى بعض التدخلات الشديدة اللهجة كشكل من العدوان يمارس في حق الفكر، كدت أنسحب، لأن أمطار الواحة ليس كل غيثها بل رداد من فصل صيف لايعتد به أحبطت اندفاعي، أحسست أني في عالم لايختلف واقعه عن واقع آخر لايلتقي فيه الناس وجها لوجه بالدم واللحم، بل عن طريق الكلام الذي يشكلون به صفحات هذا الكائن الغريب الذي صنعه كائن أشد غرابة وهو الإنسان، الإنسان ذلك المجهول.وأن يتشابه التواصل بنفس السلبيات، وأن يستطيع هذا الكائن الضوئي أن ينقل كلمات تفعل في كياني مثل ما تفعله كلمات شخص غير متحضر في واقعي اليومي المميز بالدم واللحم، فذلك ما أثار استغرابي.
ها أنا استجمع قوتي، وبقية أمل لدي وأدخل واحتكم من جديد كذلك المؤمن الصادق المستجيب للآذان، المتمكن من طقوس الوضوء،المستريح بعد أدائه فريضة من فرائض الصلاة، أو واجب من واجبات الحياة الضرورية. وإليكم سبب كتابة هذه الإنطباعات. فقد ساءني أن يستمر البعض في حمل تلك الصورة عن المرأة، خاصة الذين يحملون القلم ويكتبون لتبليغ رسالة إنسانية، تتجاوز العنف الذي كان سببا في الكتابة، إني أوجه رسالتي هذه لكل هؤلاء الذين يعتقدون في المرأة أنها سبب بلاء الأمة بما هي مبتلية به، هؤلاء الذي يرون أنهم هم من يقرر ما يجب أن تكون عليه المرأة، وما لايجب أن تكون عليه. هؤلاء الذين يخصصون للمرأة مكانا يعجبهم أن تكون فيه، وهو البيت والبيت ولا شيء غير البيت، والحق أقول لكم أنني مثلكم أطمئن لمن سيقوم بترتيب البيت، غسل الصحون، نفض الغبار، غسل الثياب،تهييئ الطعام، وبعد هذا تربية الأبناء والاستجابة لكل مطلب من مطالبهم. إنني لازلت أحمل تلك الصورة لأمي التي فارقت الحياة، وكانت أما شديدة التحمل، تغرق في الأعمال المنزلية مع طلوع الفجر إلى غاية منتصف الليل، لا تتوقف ولا أدري ما كانت تتحمله بعد نومها. لكني لا أنسى أبي أيضا فقد كان رجلا خدوما يعمل طيلة اليوم في وظيفة لا تترك له سوى ساعة لتناول الطعام وسط النهار، لكنه كان يسرق من ساعته تلك، نصف ساعة للقيام بعمل إضافي في حقل كان يمارس فيه أشغال الفلاحة، كان أبي فلاحا محبا للأرض تماما كما كانت أمي منظفة محبة للبيت ولا تخرج منه إلا للاستحمام، أو لزيارة المقبرة.لم تكن تجد ولو ساعة لفعل ما كانت تفعله النسوة في بلدتي، إذ كن يتسوقن، وكانت إليهن تسند هذه المسؤولية، لانهن يتميزن بمهارة كبيرة في مجال المناورة في الأثمنة، لاأدري لماذا كان أبي يحرم أمي من هذه النعمة التي كانت مصدر متعة لنساء البلدة؟ إن السؤال لايتضمن اتهام أبي بالتقصير في حق أمي، أبدا والله لن أتهم أبي ولن أسند له صفة التقليل من شأن أمي. فقد كانت الوظيفة التي تأخذ منه كل وقته لا تسمح له أبدا بتأمل أمي ومعرفة صفاتها الإنسانية، بل لم يكن أبي يعرف إن كان هوذاته إنسانا أو آلة ؟ وهنا أتوقف لحظة لأذكركم بما قاله العقلاء قديما، وأهل العقل أسبق على المتأخرين من أصحاب التشريعات سواء كانت من وحي سماوي أو من غير ذلك. يقول الرجل الموقر في باب المعرفة أفلاطون في كتابه الجمهورية، وأفلاطون هذا كان نموذجا حاكاه وقلده الكثيرون من أهل فكرنا الإسلامي،قال:" أحمد الله أني ولدت يونانيا وليس بربريا، سيدا وليس عبدا، رجلا وليس امرأة".والحق أقول لكم لازال هناك من يحمل هذا التفكير بيننا، أي مازال هناك من ينظر إلى الناس من فوق في حين أن الناس " قد خلقتهم أمهاتهم أحرارا".هل كان أفلاطون رجل عقل؟ إن من لايخطئ من العقلاء لايمكن اعتباره عاقلا، لكن الجهل هو الاصرار على الخطإ رغم معرفته. فمن منا لايعرف أنه نتيجة أم سهرت على خدمته وقت استيقاظه إلى وقت نومه، أو زوجة خدومة تسهر على خدمة زوجها قبل استيقاظه إلى حين نومه، بل تتركه نائما متمتعة بشخيره، بموسيقى منبعثة من ظهره وليس من فمه،وهو يوجد على سرير نومه كما يوجد الجدار لكائن وحيد في غرفته، يرسم عليه كل ألوان آلامه، يشتكي له، ولا من مواساة غير شخير يتكرر باستمرار.من منا لايعرف أن المرأة إنسان لا يمكن أن ننتقص من صفاته الإنسانية شيئا إذا عرفنا أن ما يميز الإنسان عن الحيوان هو نشاطه العقلي، وليس هناك شيئ يميز المرأة عن الرجل إلا قدرتها على الإنجاب بالإضافة إلى خاصية ممارسة النشاط العقلي الذي تمارسه بقوة إذا كانت ذكية أو بأقل قوة إذا كانت أقل ذكاء، والناس جميعا ليسوا متساوين فيما يخص استخدامهم لقواهم العقلية سواء كانوا رجالا أو نساء. ألا تصلون معي إلى نتيجة وهي أن المرأة تمتاز عن الرجل بالإنجاب؟ لكن هل امتلاكها لهذه الخاصية تسمح لكم بتقييد مجال حركتها، ومنعها من ممارسة حقها في معرفة الحياة والتمتع بالحرية؟ إني أرى فيكم من يحاول أن ينطلق من وضع النساء الحالي، ويسبق إلى استنتاج أفكار خاطئة عن نتائج حرية المرأة في عصرنا الحالي،بل يوجد فيكم من كرس وقته لإنتاج قصيدة بغية إرسال أفكار ظلامية مسيئة للمرأة، غير معترف بقيمتها كمبدعة، منتقصا من أهميتها ككائن مفكر له كل الحق في حرية التعبير والتفكير، تماما كما هو الأمر بالنسبة إليه. أن تؤمن بحرية التفكير معناه أن تترك ذاتك تفكر تسأل تحلل، تركب، تقدم حلولا، تتسامح مع من يعارضها في الأفكار، لاتتهم بدون برهان، تؤكد، تستدل، تستشهد إلخ...هناك من يطالب المرأة بان تقوم بالموازنة بين بيتها ،وظيفتها الحكومية، وزوجها..وهذا المطلب يتضمن اعترافا ضمنيا بضرورة خروجها من البيت والاشتغال خارجه. لكن هل سنحت الفرصة لمن يطالب المرأة بهذه المطالب أن يتأمل قليلا في ذاته وفي المرأة من أجل الوصول إلى طرح السؤال التالي:" إذا كانت المرأة قد قصرت في واجباتها اتجاه بيتها وزوجها، فهل هذا يعني أن التقصير نتاج إرادتها ام نتاج قوة خارجة عن إرادتها؟ إذا كانت صورة التقصير هذه لاتعجب الرجل فهل هذا يعني أنه يسعى إلى صورة تعجبه وتريح المرأة؟ هل توجد مواصفات جاهزة لصورة نموذجية لامرأة تتمكن من التوفبق بين وظيفتها وعملها خارج البيت وبين مهامها الخاصة بالاهتمام بالزوج والأبناء؟ إذا كانت المرأة تعاني وتتألم بسبب ممارستها لمهام تفوق طاقتها الإنسانية، فهل التخفيف عنها يتم باقتراح عودتها إلى ممارسة ما كانت تمارسه أمي طيلة يومها؟
إذا كان المجتمع يتقدم علميا وتكنولوجيا، وإذا كانت العلوم والتكنولوجيا قد حررت النساء من العمل كالآلات، وقد كان العبيد في دولة أفلاطون عبيدا وكان أفلاطون بفضلهم سيدا، فهل العلوم و التكنولوجيا تم استخدامها من أجل جعل المرأة كائنا كريما محترما يقرر بنفسه مصيره؟ هل تقدم المجتمع الانساني يعني تجاوزه أبعاد تحقيق الشهوات الذاتية والغريزية والمصالح الشخصية؟ فلنترك للواحة عرض هذه التساؤلات على من يهمه التفكير بتغيير وضع المرأة والرجل إلى ما هو أفضل لمجتمعنا العربي والاسلامي؟ مع العلم أننا لانستطيع إلا أن نفكر في الحلول دون ان ندعي امتلاك امكانية تطبيق أفكارنا في الواقع.فلنطبقها على أنفسنا يكون ذلك بداية لنشأة غد مشرق. وإليك أخي درهم جباري هذه الخاطرة الشعرية في حق الدعوة الإسلامية، لم أعرف كيف أحملها، فأرفقتها بكلمتي هذه.