وتحار أسئلتي
سها جلال جودت
وعادت أسئلتي ملحاحة تتكرر، ومن تكرارها أفهم الحياة أكثر وأدخل في دقائق الأشياء ثم أخرج فأجد أنني لا أعرف في هذه الدنيا إلا النادر القليل.
يوم بدأت أعي بعض أشياء سألت نفسي:
- لماذا تغيب الشمس ؟
وحين كبرت عرفت أن الشمس لا تغيب الذي يغيبها دوران الأرض من حولها.
ويوم عرفت أن الله موجود سألت: لماذا لا أراه وكيف يراني؟!!
ولحظة تحرك النبض في عقلي وروحي تأكد لي أنه من أسرار المعجزة التي يعجز السطر عن تفسيرها لأنها مسكونة في بسملة الخشوع عند الركوع والسجود وفي أعمال الفضيلة كلها.
ولم يتوقف الزمن ومراكب الأسئلة تتوالى لأدخل في مرحلة الحساب ، والتوقيت رقاص ساعة أسمع رنينه كلما مضى عام ، ولحظة فكرت بالاستراحة على بساط الأرض وجدت أن بحر الحياة قد أغرق الكثير، الكثير وترك لي بعض أشياء!
ثمة لكنٌ وقفت في دربي وطريقي، هل يفهم الآخرون مكنونات الباحث الآخر في أرقه وسهده وعذابات نفسه وجراحات سهره وقد اتخذ لنفسه البديل في عشق سرمدي يحاكي موجودات الأشياء من شمس ونجم وقمر !
تلك أسئلة جديدة من بينها هل يحق لمن سرقه الزمن مختطفاً منه بعض سنوات من عمره أن يعيد النظر في موضوع الحب!
وهل هذا الميقات يقره الآخرون؟
وقفت على حافة البكاء والضحكة، وشهقة القلب تخرج مخضلة تسأل هي الأخرى ذينك السؤال الذي ما انفك يغادرني؟
- ماذا يفعل المحب في حبيبه؟
ماالطلبات ؟ ماالتحديات؟ ماالمواجهات؟ كيف ستواجه الناس؟ ومن سيتوجه إليك بالملامة، كل الملامة وقد أعلنت العصيان على كل الأعراف التي لا تقرها؟!!
كما عرفت سر غياب الشمس، عرفت سر وجود الله في نبضي وفي قلبي، ولأنني عرفت السر فلقد عرفت الحب المتجدد في انبعاث الخلايا ووجيف القلب ورفيف الرمش في غناء سحري تحار من أين أتاك ذلك التوحد في روح ذلك الشخص الإنسان الذي مالت نفسك نحوه بكل تباشير الوجد.
ويوم تقاضيت مع سر وجود المعرفة سألت:
لماذا اخترت في حياتي أن أكون الأنثى الرضية القانعة والغافلة عن الكثير من موجودات الحياة.
ولماذا أصررت إلا أن أكون ذاتي وقد نسيت في عجلة من أمري تلك الفتحة المضيئة في حقيبة الزمن التي بظني أنها لن تكبر ذات يوم لأعود من جديد أكرر الأسئلة.
لحظة استمعت إليه وقرأت في عينيه تردد الشوق والخجل، وعرفت في الرجولة رمز الوجود من إعادة الأسئلة، عرفت أنني كنت في محطة الانتظار.
تواعدنا وقبل أن ندخل ميناء المدينة نزلنا عند جسر الأحلام، ضحكت من القلب، كانت ابتسامتي أكبر بكثير من ابتسامة القمر وقد انتصف بدره.
حدثته عن حلمي ، عن الجري واللعب ومسامرة العصافير، فسألني :
- إلى متى ؟
غاب الجواب في أوردتي ، اشتعلت حرائق أسئلتي فأجبت نفسي بصمت نفسي " لا تكرر ذلك السؤال لأني مسكونة بالحياة حتى نهاية الحياة "
بعد عدة أمتار عاد إلى سؤالي:
- إلى متى وحرائق القلب مسكونة بالحب وبانثيال النبض داخل أوردة الروح تخفق وثابة مثل غزال بري، تتوق إلى يوم اللقاء.
ارتعشت ابتسامتي وخشيت من الضعف وهرباً من قوة الجواب قلت:
- سأغلق مفاتيح الأسئلة!
- أتغلقين دروب الوجد وتتركين عاشق الروح مخذولاً لايدري لمن يكتب السطور بخمرة الحب؟
قاطعته على الفور:
- لا تحدثني عن الخمرة ، فخمر الشوق أشد سُكراً من خمرة الكؤوس.
أحسست بنزقه وخفت أن يطيش لسانه بما يجرح مشاعري، فرحت أقطف من الأفنان بضع وريقات ألهو بها ، لا حباً باللهو والاغتراب، بل هرباً من ذلك السؤال:
- هل تعبت ؟
أطلقت بهدوء وخفوت صوت ضحكة مرة ساخرة واريت فيها وخزة آلمتني، "لماذا تسألني ذلك السؤال"
وتوالت الابتسامات الخفيفات الثملات من رعشة اللقاء، وبارتعاشة العصفور جاءني همسه كما رفرفات الأطيار:
- أود أن أحملك وأطير بك إلى مدينة أحلامي.
بخجل سألت:
- على حصان أبيض ؟!
سادنا صمت متوحد فاغرورقت عينا قلبي بالدموع الساكنة، فتذكرت أسطورة الفتاة التي عذبتها زوجة أبيها باضطهاد الظالم لشعب فقير، ولأن القدر كان ينظر إلى الحكاية بمنظار الرحمة فلقد أرسل لها جنية أهدتها ثوباً جميلاً مع حذاء يليق بقدمها الناعمة الصغيرة، وحين خشيت من عقاب الظالمة عادت أدراجها مسرعة ففلتت فردة حذاء لتكون سبباً في سعادة دائمة داخل قصر الأمير.
فواصل الزمن تشدني إلى ثغاء الجراح فأسأل:
- هل يمكننا أن نقتل الحب المسكون في أحلامنا وفي ذواتنا حين تلتقي روحان ، هل تسمح أقدارنا؟ هل يمكننا بناء مدينة خاصة بأحلامنا دون تدخل المضطهدين ؟
أيتها الأسئلة الملحاحة كفي عن الحيرة من أرياح السؤال، وأنت أيتها الشمس لم لا تقولين للناس أنه من دونك لا حياة للأرض.
إذ ما معنى وجودي إن لم أكن في الحب فاصلة ونقطة رغم كل الأسئلة، ولأنني أؤمن بوجود الحب لأنه من وجود الله فقد دخلت مدينتي بعد أن تركت جسر الأحلام لأتناغم مع موجودات الحياة من شمس ونجم وقمر وربما ........!؟