بساط الورد
كانت الأميرة نائمة حينما بدأ الخدم بنثر الزهر القرمزي في ممرات القصر ، بدءا من البوابة ثم غرفة الاستقبال ومرورا بغرفة الطعام فالسلم فغرفة النوم الخاصة بالأميرة وانتهاء عند حافة السرير .
وما هي إلا دقائق حتى استيقظت الأميرة ، فحطت قدماها على أرضية الزهور القرمزية ، استشعرت لذةً ونشوةً حينما تبلل باطن قدميها بقطرات الندى المنثورة على الزهر .
وبعد أن حسنت من شأنها وأخذت زينتها بمساعدة وصيفتيها ؛ سارت على البساط المفروش من الزهر ببطء حافية القدمين ، تستشعر نعومة الزهور وبرودة الندى .
وبينما كانت غارقة في تأمل البساط المتلألئ نداه تحت أشعة الشمس اللطيفة النافذة من القبة الزجاجية في السقف ؛ طفرت إلى ذهنها فكرة عبقرية ...
- " راااائع ...!!" هتفت الأميرة ، وتوقفت الوصيفات السائرات على الأرضية
الرخامية على جانبي بساط الزهر بتوقف الأميرة عن السير . ثم قالت الأميرة :
- " فراش من الورد ! " أغمضت عينيها وكأنها تتأمل فراش الورد ، ففتحتهما
ودارت بنظراتها الحلوة بين وجوه وصيفاتها لترى انطباعهن ..
- " ها.. ما رأيكن ؟! فراش من الورد...! "
قالت الوصيفة الأولى والمقربة لديها :
- " أراها فكرة رائعة جدا.. ! " وأغمضت هي الأخرى عينيها وتابعت ..
- " ستبدين رائعة يا أميرتي وأنت غارقة بين بتلات الورد ..."
تعالت أصوات الدهشة والإعجاب من أفواه الوصيفات .. " يااااه.. مدهش.... " " رائع جدا.. " "جو رومانسي لطيف.." " متعة .. شذا.. رقة .. استرخاء .. لطف.." ....
* * *
لم يكن أمر الحصول على الزهور القرمزية صعبا ؛ إذ أن كل مزارع أهل البلدة مزروعة بهذه الزهور ، رغبة من الشعب في تحقيق رغبات الأميرة . كان الكل يحب الأميرة ؛ لأنها طيبة القلب ، محبوبة ، تحب أهل بلدتها ، ولذا كانت العربات الممتلئة بالزهور تدلف حديقة القصر كل صباح من أجل عمل بساط الزهر ، ولم تتخلف هذه العربات عن المجيء بزهرها حتى يوم أن مرضت الأميرة مرضا أقعدها عن السير فلازمت الفراش ذلك اليوم كله .
إذا الحصول على الورد لعمل فراش الأميرة ليس مشكلة ، لكن ...
- " المزارع كلها لا تزرع سوى الزهور القرمزية.. من أين نحصل على الورد إذا ؟! " قالت الوصيفة الأولى ، ثم قالت أخرى :
- " وعلينا أن ننتظر أسبوعا على الأقل حتى يتسنى للمزارعين استبدال الزهر القرمزي بالورد .." ثم أضافت أخرى :
- " وهذا يعني أن الأميرة ستقضي أسبوعا بأكمله دون بساط ! "
وحدث هرج في ردهة القصر بصدى أحاديث الوصيفات اللاتي أخذت كل واحدة منهن تدلي برأيها ، ثم قاطعهن صوت جازم يقول :
- " إنها ضريبة التغيير ! " قالت الأميرة وهي شبه شاردة ، ثم أردفت :
- " علينا أن نضحي بمتعة هذا الأسبوع .. "
* * *
استيقضت الأميرة ، وضعت قدميها على الأرض فأحست ببرودة الرخام تنتقل من قدميها إلى جسدها كله فانكمشت قدماها ، لكنها سارت بإصرار على برودة الرخام حافية القدمين لتشعر بمعاناة التغيير !
استمرت على ذلك مدة أسبوع ، مدة شهر ، مدة شهرين ، ثم نمت الورود ؛ فتوالت العربات ممتلئة بها ، دلفت حديقة القصر قبيل الغروب ، فبادر الخدم إلى العربات ينزلون الورد عنها وينقلونه إلى غرفة نوم الأميرة التي فـُـرِّ غت من أثاثها .
نسِّــقت الورود فبــَـدَت كالتل ، ثم جاءت الوصيفة المقربة فنثرت عليها الماء .
الساعة التاسعة الآن ، وضعت الأميرة جسدها شبه العاري على الورود ؛ فغاصت بين بتلات الورد الوردية ، أحست ببلل القطرات على أجزاء جسدها المكشوف ، وامتلأ أنفها بالشذا اللطيف.
تقلبت على الورد يمنة ويسرة حتى أخذت وضعا مريحا ثم أغمضت عينيها باستسلام وهي تردد :
- " كم هي أحلامنا ممكنة وقريبة مع الصبر والإصرار ! "
* * *
تمت
بقلم
خلود داود أحمد
1999 م