اغتيال صدام حسين
رسالة مهانة يوجهها بوش للعرب والمسلمين
بقلم : د . محمد أيوب
قرر بوش بغبائه المعهود إعدام الرئيس الشرعي للعراق بأيد تدعي أنها عراقية ، ولو كانت هذه الأيدي عراقية حقا أو كانت مقتنعة بأنها ها عل حق لما وضع أصحابها الأقنعة على وجوههم ، وهذا يؤكد مدى خوفه من صدام في آخر لحظات حياته ، وفي هذا القرار رسالة واضحة للأكراد والعرب والمسلمين من الشيعة والسنة في جميع أنحاء العالم، يريد بوش بعنصريته وتعصبه أن يقول للجميع أن لا كرامة لأي منكم ، وأنكم يجب أن تكونوا مجرد أتباع نأمركم فتأتمرون ، ومن يخالف الأوامر سيلقى المصير نفسه الذي واجهه الرئيس الشرعي للعراق الذي شق عصا الطاعة على إرادة الغرب بقيادة أمريكا داعية النظام العالمي الجديد والملطخ بدماء الضحايا من كل حدب وصوب .
هذا الاغتيال يذكرني باغتيال نيكولاي شاوشيسكو في رومانيا ، الذي حوكم في فترة وجيزة وحكم بالإعدام وتم تنفيذ الحكم به وبزوجته في قاعة المحكمة ، ومن الغريب أن يأتينا وفد من رومانيا ومن تشيلي لإعطائنا دروسا في الديمقراطية بعد توقيع اتفاقيات أوسلو ، كان اللقاء في قاعة نادي الشباب في خان يونس، تحدثت المندوبة الرومانية وتحدث مندوب تشيلي، وبعد ذلك تم فتح باب النقاش ، طلبت الحق في الكلام وتوجهت إلى المندوبة الرومانية وسألتها: كيف تسمحون لأنفسكم بالكلام عن الديمقراطية بعد أن أعدمتم رجلا طلب منكم أن تمنحوه محاكمة علنية ، كانت رومانيا غير مدينة لأحد في عهده ، واليوم أصبحت ديون رومانيا أربعة مليارات دولار في أقلب من عامين ، فهل هذه هي الديمقراطية التي تريدون منا أن نتعلمها ، وتوجهت بعد ذلك إلى مندوب تشيلي وسألته : ما رأيك في قتل سلفادور ألندي الرئيس الشرعي لبلدكم ؟ وكيف قبلتم بالدكتاتور بينوشيت الذي ولغ في دماء المعارضين لنظام حكمه ورعته الولايات المتحدة الأمريكية ومنعت إعدامه على الرغم من كل ما ارتكبه من جرائم بحق الإنسانية لأنه من الموالين لها ؟ هل هذه هي ديمقراطيتكم ، غضب المشرفون على اللقاء من كلامي واعتبروه إهانة للضيوف .
أية ديمقراطية تلك التي تغتال صام حسين وتسمح للمجرم بينوشيت بأن يعيش بعد كل ما اقترفه من جرائم في حق شعبه في الوقت الذي يحاكمون ميلوسوفتش رئيس يوغسلافيا في محكمة دولية ليغتالوه في السجن ، وعلى الرغم من غضب منظمي الحفل فقد ردت مندوبة رومانيا عليّ بقولها : يبدو أنك تعرف عن رومانيا أكثر مما يعرفه كثير من الرومانيين ، بينما لزم مندوب تشيلي الصمت وكأن المفاجأة عقدت لسانه .
هذه هي أمريكا وهذه هي حال كل الدول الاستعمارية ، فقد اغتالت بريطانيا ثلاثة من المناضلين الفلسطينيين في سجن عكا " عطا الزير ومحمد جمجوم وفؤاد حجازي " ، وقد وقف الثلاثة وقفة شامخة بل إنهم رحبوا بحبل المشنقة أرجوحة الأبطال وأرجوحة الشرف ، ماتوا واقفين ولم يجبنوا أو يتخاذلوا تماما كما وقف صدام حسين أمام جلاديه ، إن أمة تنجب أمثال هؤلاء لن تموت وإن قسا عليها الزمان ، تاريخ أمتنا مليء بالرجال العظماء مثل عمر المختار وأحمد عرابي وغيرهم كثيرون ، والأمة ليست عقيمة ونساؤنا ما زلن ولا زلن ينجبن الرجال .
لن يكون صدام حسين الأخير على دروب التضحية في سبيل قناعاته ووطنه وأمته وإن لم يكن أولهم ، ولا يستطيع أحد نسيان موقفه من قضية فلسطين ودعمه للشعب الفلسطيني الذي يحاول بعض المارقين في العراق الانتقام من أبنائه المتواجدين في ذلك البلد العظيم ، ومهما قدم الشعب الفلسطيني من إحياء لذكرى الرجل فلن يعطوه حقه من التكريم ، ولعل السؤال الذي سيظل قائما هو : لماذا اغتيل صدام قبل انتهاء محاكمة الأنفال وحلبجة إن كان من جهزوا مسرحية المحاكمة مقتنعين بإدانته ؟ ولماذا تتم عملية الاغتيال في يوم إجازة عيد من أهم أعياد المسلمين علما بأنه لا تتم أية إجراءات في أيام الإجازات العادية فما بالنا بإجازة مقدسة مثل إجازة عيد الضحى ، إن قتل صدام حسين قبل إتمام المحاكمة هو إهانة لكرامة إخواننا الأكراد وحفاظا على من تورطوا في أحداث الأنفال الذين ارتكبوا الجرائم بحق الأكراد وألصقوا التهمة بنظام صدام حسين في حين أن أمريكا هي التي غذت مثل هذه الأعمال حين كانت الأحزاب الكردية تميل نحو اليسار لدق إسفين في وحدة الشعب العراقي العظيم بقومياته المتعايشة سلميا، هناك أحياء متورطون فيما جرى ضد الأكراد من عملاء أمريكا في العراق وهم موجودون خارج السجن يتعاونون مع الأمريكان ضد أمن بلدهم وشعبهم ولا يريد الأمريكان أن ينكشف أمرهم حتى لا ينقلب السحر على الساحر .
كما أن إتمام عملية الاغتيال في صباح أول أيام عيد الضحى يوجه رسالة واضحة للعرب والمسلمين مفادها أن لا كرامة لهم وأن الحروب الصليبية لم ولن تنتهي ، وأن ما قاله بوش عن الحرب الصليبية ضد الإسلام لم يكن زلة لسان كما حاول البعض تصوير كلامه وقتها ، تماما مثل إعلان أولمرت عن امتلاك إسرائيل للأسلحة النووية والذي حاول البعض تصويره على أنه زلة لسان ، هم يريدون تخويف الحكام والشعوب وزرع اليأس في القلوب حتى لا يفكر أحد كائنا من كان في الوقوف في وجه الأطماع الأمريكية التي تفكر جديا في لعب الدور الاستعماري الذي كانت بريطانيا تمارسه ونسي بوش وأعوانه المصير الذي آلت إليه بريطانيا العظمى وكيف اقتلعت الشعوب المناضلة أنياب الأسد البريطاني الذي مارست حكومته دورا بشعا في العراق حين دبرت حادث اغتيال الملك غازي في العراق والذي بدا وكانه حادث عرضي وقتها .
لقد وصلنا إلى حالة من المهانة لم نصل إليها في أسوأ الظروف التي مرت بها الأمة العربية ، فقد أطبق الصمت على كل حكام العرب ولم يحرك أي منهم ساكنا ولم يحاول أي منهم وقف مهزلة محاكمة صدام وكأنهم يتواطئون بالصمت ضد القومية العربية وضد المسلمين سنة وشيعة وضد كل القوميات والأعراق في العراق الحبيب من عرب وتركمان وأكراد وآشوريين وغيرهم ، ولكي يحافظ العراق على وحدة ترابه ووحد شعبه بعيدا عن المحاصصة الفئوية لا بد وأن يتمسك الشعب العراقي بالمقاومة ضد الاحتلال الأمريكي حتى كنس آخر جندي محتل لنبني نموذجنا الديمقراطي بعيدا هيمنة أمريكا ونهبها لمقدراتنا الاقتصادية والعلمية ، فهم يمارسون سرقة العقول من العراق ومن جميع البلدان العربية ويغتالون من يرفض بيع نفسه لهم .