مات الملك
-الآن فقط مات الملك .
- سنبدأ لعبة جديدة سيدي .
فنجان القهوة يثقل الرقعة المخضبة بوجوه البشر ، تجاوره سيجارة حمقاء تمد أنفها في قاع المنفضة ،قداحة ، لفافة خرائط ، نظارة شمسية ، وأشياء أخرى متناثرة على صفحات جريدة مهملة .....
أشرقت السماء بلون الليل ، انفجرت مواقع النجوم بصبغة النيران ،اللحظات باتت متأهبة لاحتواء المعركة القادمة ، تجمعت أكفهم بالقسم على أحلام القدر ، خيط من شرر الطمع يمتد بين رؤوسهم ؛ ليكتب لهم ميثاق الحرب : بأن احرقوا الأشجار ، اقتلوا كل النساء والأطفال ، اهدموا المساجد والكنائس والديار ، جففوا الآبار والعيون والأنهار ... وأخيراً الهدف قتل الملك الأبيض، الملك الأسود وحده لابد وأن يعيش معتلياً عرشه فوق تلال الزمن ، تحمله أعناق الضحايا ليخلد في طريق الحياة . عاش الملك ... عاش الملك ... ترديد ...
- بدأت اللعبة ....
تحركت الجنود السوداء للأمام ، استعدت الجنود البيضاء لصد الهجوم ، تداخلت الجحافل ، امتزج البياض بالسواد ، تساقطت عناقيد القنابل ، أصابت جدران الطوابي الحصينة ، الفلول البيضاء مازالت تقاوم ، قفزت الأحصنة السوداء خلفها ، توغلت بين الصفوف المتهالكة ، الصهيل الأسود يرعد قلوب المتفرجين ، دمرت كل الأسلحة القديمة ، ارتعدت الفيلة البيضاء فارتشفت قذائفها الصغيرة، و الأحصنة الأصيلة ركعت تحت أقدامهم ، مازالت الدماء تهتك عيون البياض المنتشر ؛ فطغى السواد على وجه المعركة ، انتشرت الأخبار عن قتل الوزير الخائن ، ومعه آلاف البشر ، وأن الملك يحتضر في مخبئه ، وأن نهراً جديداً ينبع من جروح الأبرياء ....
- أغلق المذياع .
- ما أجمل سماع الموسيقى الصاخبة .
تأرجحت الحبال من ملايين المشانق ، المتهمون ينتظرون الحكم بعد أن أحكمت حلقات الموت حول أعناقهم ، صدر الحكم بإعدامهم رمياً بالرصاص ، فتدلت أجسادهم المتعبة في الهواء.... لملم القاضي أوراق قوانينه الرحيمة ، وغادر المحكمة بعد أن أحرق كل شيء ، و بقى الرماد يتطاير أمام أنوف المتفرجين .... انتشرت نوبات العطاس .... يرحمهم الله ... من ماتوا يتأرجحون بين السماء والأرض ....
- أكمل اللعبة ...
أعمدة الدخان تتصاعد من الطوابي البيضاء ، تكومت جثث الضحايا خارج الساحة الشاسعة ، الفراغ يكشف أسرار المعركة ، اقتربت كل الأسلحة من مخبأ الملك المهزوم ، الهزيمة ليست هي النهاية ، تجمعت الفيلة السوداء ، الأحصنة ، الطائرات ، الدبابات ، الجنود ، طوقوا المنطقة ، حاصروا الهواء بالشوارع ، انكمشت المدينة البيضاء كلها على كومة من السواد ، اقتربوا من الهدف ، الموت هو الهدف ، فجروا المخبأ بقنابل صنعت من قلوب مسمومة ، اعتقلوا الملك ... جرجروه بآلاف الجنود ، قيدوا كل قطعة من جسده بأغلال من فولاذ أحمر ، دفنوا وجهه في التراب ، وعاد القاضي من جديد ليفترش أوراق القوانين ، قرأها عليه بهدوء سكين باردة، ثم أصدر الحكم بإطلاق سراحه بعد أن يتم إعدام جسده المتهدل رمياً بالرصاص...
- الآن فقط مات الملك .
- سنبدأ لعبة جديدة سيدي .