وللغباء وجه آخر
غادر سريره كمن وُخِزَ بنار . وركض والعيون تتبعه ضاحكة في اتجاه ذلك الدكان الصغير
الذي يكوّن زاوية الحي . ودون أن يلقي السلام ، التقط الجريدة كمن يلتقط رغيفا ساخنا من فرن ،، وطفق يلتهم السطور :
" مشاريع بعدّ شعر الرأس – وهو أصلع – وخدمات تصلك نفحاتها إلى سريرك – تذكر أنه لم يستحم منذ أسبوع – وميزانيات وأرقام لم يستطع أن ينطقها لكثرة أصفارها ، وجداول الزيارات الميدانية للأحياء الأقل عناية ... "
كل هذا ... متى حدث ؟؟؟ لم ينطق ببنت شفة . بل لم يأكل معنا . لقد دخل كأبكم وخرج كأخرس !!! أكنت نائما أم غائبا عن الوعي ؟ ربما .
" دخل متجهما فاستقبله الحضور بعاصفة من التصفيق . نظر في ساعته وثمنها يقطع دابر الفقر من القرية ، فعلا التصفيق من جديد . ابتسم فكادت جلود الأكف تتشقق من التصفيق . عدل ربطة عنقه فارتجت القاعة تهليلا وتكبيرا وتصفيقا . سعل سعلة خفيفة فركض نحوه ألف كوب ماء والتصفيق يكاد تطير له القاعة في الهواء . مسح على شعره الأسود فزغردت امرأتان كانتا حاضرتين وثارت ثائرة التصفيق . ثم التفت يمنة في اتجاه خرفان يسيل لها لعاب الكراسي المحيطة بها . وأشار للحضور بالتفضل فارتمت الأيدي والأرجل تتسابق في اتجاه الأواني الكبيرة ... "
كان قابعا يجهد العقل ولا يفهم ...فقط تذكر أن سؤالا كان لا ينفك يطرق ذهنه : شعره أسود ، منذ أن تولى منصب المسؤولية وعمره خمسون سنة ، منذ نصف قرن وعمره خمسون سنة ؟؟؟
وذهب إلى العمل والجريدة في يده فاعترضه " سعد " يحمل طبقا به أكواب عصير رخيص وبعض قطع من حلويات معدة في البيت ... ودون أن يسأله عن المناسبة قال :
- اذهب إلى الأخ" محمود " وبارك له المنصب الجديد - الرجل المناسب في المكان المناسب ..
حاول أن يقول شيئا فبادره : نعم ، نعم ، لقد فرح المسؤول جدا لمقاله حول اجتماع الأمس أرى الجريدة معك ، اقرأ يا أخي ! تعلموا يا .. لقد اتصل المسؤول شخصيا ليزف له بشرى تعيينه مديرا للجريدة .. ها ! إلى أين تذهب ؟
- أنا ذاهب لأتطّهر من الفهم .. سأتعلم الغباء .. سأتعلمه .