أحدث المشاركات
صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 11

الموضوع: "هذيان يتأرجح بين كف الحلم ومقصلة الواقع" ...ثلاثيـة نقدية خاصة

  1. #1
    الصورة الرمزية د. نجلاء طمان أديبة وناقدة
    تاريخ التسجيل : Mar 2007
    الدولة : في عالمٍ آخر... لا أستطيع التعبير عنه
    المشاركات : 4,224
    المواضيع : 71
    الردود : 4224
    المعدل اليومي : 0.68

    افتراضي "هذيان يتأرجح بين كف الحلم ومقصلة الواقع" ...ثلاثيـة نقدية خاصة

    هذيان يتأرجح بين كف الحلم ومقصلة الواقع
    دراسة ثلاثية, تحليلية , نقدية , وتحليلية ....من وجهة نظر نقدية خاصة.
    بقلم الدكتورة :نجلاء طمان.
    فى قصة "هذيان كل يوم" للأديب الفذ: مأمون المغازي

    القصة:
    هذيان كل يوم
    بين الأشجار المتكاثفة الأغصان وعلى الحشائش المتعطشة كان مجلسهما حيث يسترقان من الزمن هنيهة يهدهد القلبان بعضهما بعيدًا عن المدينة التي يلتهم زحامها المشاعر حين تتشعب الطرق المزدحمة بالمشاة الذين ربما لا تهتدي خطواتهم إلى أهدافها ، وتلك البنايات التي تحوي في جنباتها الآلام ولا تبوح شرفاتها إلا بالأقنعة المخفية وراءها أسرار الحياة الصعبة في الأحياء البائسة التيهي بذاتها تحلم أن تسير كالجبال يوم القيامة لتزور تلك الأحياء التي فاح عبقها ورقصها وموسيقاها وطربها بشجنه ومجونه . حتى البنايات تطمع في تلمس الانفلات من حالها
    تحت أعطاف الخميلة مالا بعطفيهما ... احتضنت راحتاه يدها التي أوت إلى فراشها الوثير واستراحت من عناءات الأيام التي عانقتها الريح وأدوات الطبخ والتنظيف ، وكأنها بين كفيه تستشفي من أدوائها ، وتستجم على بحيرة زهرية تهفو على ضفافها فراشات ألوانها ضيائية الملامح ترقب تلك اليد وقد تمددت ملقية كل خلاياها تستحم بومضات الشوق المنبعث من قبة اليد العليا إلى فضاءات اليد السفلى وبينهما هذه الورقاء التي انتبهت أنها هنا شاكية مما هدد العالم أنه ذابحها لا محالة ، فقد طلبها الصياد وصوب وهو الآن يسدد البارود طالبًا هذه اليد التي ترى أنها ملك لحاضنها .
    ارتعدت في راحتيه ارتعادة المحموم الذي كان قد غفى هروبًا من الجحيم المتقد في خلاياه ... رفعت يدها الأخرى التي كانت قد عبثت بالحشائش ما عبثت ، واقتلعت منها ما اقتلعت وأطبقتها على يده ، وكأن العشق كله انحدر إلى الأيدي ... مال وكأنه النسيم مقبلاً يدها كأنه يتنفس آخر الأنفاس ... رفع رأسه لتلتقي العيون تحمل التحدي المقاوم لكل الانكسارات ... غاصت كل عين بعين تحتضنها حينًا ، وتفتش في حناياها عن عالم غير العالم وقانون بلا صياد ولا مقصلة صنعت من الفقر والقهر والحرمان تقص رقاب الآمال .
    تبادلا الآراء في صمت الشفاه ونطق العيون ... توترت اللحاظ كلما حف الحفيف ، أو تهامست الأشجار ... لم يدركا أن الأشجار أحياء ترقب وتمدح وتهجو ... رفعا رأسيهما حين هوت وريقات من غصن مال يسترق السمع ، أو أنه أراد أن يكون بينهما في لحظة البوح ، أو أن الشجرة أرادت أن تضربهما لما بدى من ضعف و انهيار ... ودا لو أن الجزع ينفتح ليهربا داخله ليبدأ التاريخ من جديد ... ضمها وضمته في اتحادية التوحد ... وقفا ... تجردا من ثيابهما ... مازالت العيون تحكي أسرارها ... تجردا ... بديا عاريين ...تعريا وتعريا وتعريا ... من الثياب ... من الغبار وأتربة الشوارع التي حملت رائحة العرق المتساقط عليها من اجساد الكادحين وخلت من بقايا الطعام الذي لم يكن يتبقى منه شيء ... من المقصلة ... من الزحام ... من الهواجس والظنون .
    تعريا ... إلا من عفة هي ما أبقت لهما السنون .
    تذكرت أن جيب أبيها لا يختلف عن جيبه أو جيب أبيه ، فالزوار ممنوعون من الإقامة فيه ، وتذكر أن طبخ أمها لا يختلف عن طبخ أمه ، وتذكرا كم فرقهما الزحام ... كم وأدت المشكلات أحلامهما ... وتذكرا ألف مقصلة ... الأسوار ... أسوار نارية ... وأسوار وردية ...وتذكرا ...
    قررا أن يتحولا إلى بذرتين فالبذور تتحول أزهارًا ، الأزهار تتلاقح ما شاءت ، تهمس ما شاءت ، أشواكها تحميها ..... وتحنو ما شاءت ...تصبح أشجارًا تتعانق في فضاء الغابة وبين نسائمها ، ودفئها ورعودها .
    انحنيا ... ركعا ... استقبلتهما الأرض ... تضاءلا ... تحولا ...ارتجفا لرطوبة الأرض ... هبط غرابان أسحمان ... حمل كل منهما بذرة في منقاره ... صرخا ... تضاحك الغرابان ... طار كل منهما إلى حيث طار .
    مأمون المغازي

    الأربعاء 8 / 11 /2006


    الدراسة التحليلية والنقدية:
    "بين الأشجار المتكاثفة الأغصان وعلى الحشائش المتعطشة كان مجلسهما حيث يسترقان من الزمن هنيهة يهدهد القلبان بعضهما بعيدًا "
    فى تصوير ابداعى يمهد الكاتب هنا المتلقى الى لقاء هادىء حميمى بين عاشقين , بقلبين متعطشين للحب والحلم والجمال توازيهما فى تعطشهما الحشائش التى يفترشانها.
    "عن المدينة التي يلتهم زحامها المشاعر حين تتشعب الطرق المزدحمة بالمشاة الذين ربما لا تهتدي خطواتهم إلى أهدافها ، وتلك البنايات التي تحوي في جنباتها الآلام ولا تبوح شرفاتها إلا بالأقنعة المخفية وراءها أسرار الحياة الصعبة في الأحياء البائسة التيهي بذاتها تحلم أن تسير كالجبال يوم القيامة لتزور تلك الأحياء التي فاح عبقها ورقصها وموسيقاها وطربها بشجنه ومجونه . حتى البنايات تطمع في تلمس الانفلات من حالها"

    فى فجائية يدخل الكاتب المتلقى فورًا فى كابوسية هذيانية- يدخله فى متاهات واقع أليم يطفح فى أرجائه نزف للقيم والأخلاقيات . وقد وجدت هنا أنا الكاتب قد طال فى سرد ووصف واقعه المؤلم لكن هذه الاطالة كانت مناسبة ومتناسبة مع الجو النفسى اليائس الذى يسود فكر الكاتب. من هنا كانت تلك الفقرة هى اللبنة الأساسية التى بنى عليها المغازي قلعة هذيانه .

    "تحت أعطاف الخميلة مالا بعطفيهما ... احتضنت راحتاه يدها التي أوت إلى فراشها الوثير واستراحت من عناءات الأيام التي عانقتها الريح وأدوات الطبخ والتنظيف ، وكأنها بين كفيه تستشفي من أدوائها ، وتستجم على بحيرة زهرية تهفو على ضفافها فراشات ألوانها ضيائية الملامح ترقب تلك اليد وقد تمددت ملقية كل خلاياها تستحم بومضات الشوق المنبعث من قبة اليد العليا إلى فضاءات اليد السفلى وبينهما هذه الورقاء التي انتبهت أنها هنا شاكية مما هدد العالم أنه ذابحها لا محالة ، فقد طلبها الصياد وصوب وهو الآن يسدد البارود طالبًا هذه اليد التي ترى أنها ملك لحاضنها ".
    يعود الكاتب بالمتلقى مرة أخرى بعدما زرع فيه يأسه- يعود به ثانية لوصف لحظات حب وأمل أشبه بومضات سحرية متألقة تسحر لب المتلقى تماما فتنسيه صدمة الكاتب السابقة وتجعله يسبح في بحر ضوء من العشق الحالم . وبالرغم من كون الفقرة سبحت فى كون سرمدى شفاف يعيشه الكاتب إلا أن الكاتب فى عبقرية لا مثيل لها لم ينس أن يتخللها ببعض العبارات المؤلمة التى تشير الى الواقع فى لمحة تمهيدية له لما سيحدث بعد ذلك.

    "ارتعدت في راحتيه ارتعادة المحموم الذي كان قد غفى هروبًا من الجحيم المتقد في خلاياه ... رفعت يدها الأخرى التي كانت قد عبثت بالحشائش ما عبثت ، واقتلعت منها ما اقتلعت وأطبقتها على يده ، وكأن العشق كله انحدر إلى الأيدي ... مال وكأنه النسيم مقبلاً يدها كأنه يتنفس آخر الأنفاس ... رفع رأسه لتلتقي العيون تحمل التحدي المقاوم لكل الانكسارات ... غاصت كل عين بعين تحتضنها حينًا ، وتفتش في حناياها عن عالم غير العالم وقانون بلا صياد ولا مقصلة صنعت من الفقر والقهر والحرمان تقص رقاب الآمال ."

    بدأ الكاتب فقرته بلفظة "ارتعدت" الناتجة عن الخوف الناتج عن الصدمة القاسية بجدار الواقع المؤلم وليست " ارتعشت" الناتجة عن لحظة الحب الجميلة..مدخلا معه المتلقى فى التجاوب مع احساسه الهذيانى ومعايشة واقعه المرير. وقد لمست فى تلك الفقرة صراعًا مريرًا مرئيًا بين هذيان المغازي فى الحلم وهذيانه فى الواقع. استخدم الكاتب هنا فى شهقة ابداعية كل تراكيبه الممزوجه بوجدانه ليرسم لنا لوحة صحرائه المتشققة المتعطشة لمياه الحب النقية التى لم تلوثها بقايا جثث واقعه.

    تبادلا الآراء في صمت الشفاه ونطق العيون ... توترت اللحاظ كلما حف الحفيف ، أو تهامست الأشجار ... لم يدركا أن الأشجار أحياء ترقب وتمدح وتهجو ... رفعا رأسيهما حين هوت وريقات من غصن مال يسترق السمع ، أو أنه أراد أن يكون بينهما في لحظة البوح ، أو أن الشجرة أرادت أن تضربهما لما بدى من ضعف و انهيار ... ودا لو أن الجزع ينفتح ليهربا داخله ليبدأ التاريخ من جديد ... ضمها وضمته في اتحادية التوحد ... وقفا ... تجردا من ثيابهما ... مازالت العيون تحكي أسرارها ... تجردا ... بديا عاريين ...تعريا وتعريا وتعريا ... من الثياب ... من الغبار وأتربة الشوارع التي حملت رائحة العرق المتساقط عليها من اجساد الكادحين وخلت من بقايا الطعام الذي لم يكن يتبقى منه شيء ... من المقصلة ... من الزحام ... من الهواجس والظنون.. تعريا ... إلا من عفة هي ما أبقت لهما السنون ."

    هنا رائعة من روائع المغازي التى يبدأ فيها وصف إحساس العاشقين بإبداع منقطع النظير..محولاً كل أدواته وإمكانياته الأدبية والفكرية والشعورية الى لقطة حية مجسمة شاهدت فيها بعينى تلك الجلسة الرهيفة لتستحيل بذاتها قصة قصيرة . يتدرج الكاتب هنا من صمت الشفاه ونطق العيون بالهيام الصارخ الذى بث التوتر ليس فقط فى اللحظات التى تحيطهما وانما أيضا فى وجه الطبيعة الناظر اليهما بكل أبجدياته .. وتمنيهما الهروب الى داخل جذع الشجرة التى شهدت لحظتهما الخاصة ...إلى الضم والتوحد والتعرى حتى الاصطدام بالواقع الجاثم ـ رغمًا عنهما ـ فوق صدورهما. بالرغم من أنك تقرأ هنا تعبيرًا تجريديًا مغازيًا بحتًا "... ضمها وضمته في اتحادية التوحد ... وقفا ... تجردا من ثيابهما ... مازالت العيون تحكي أسرارها ... تجردا ... بديا عاريين ...تعريا وتعريا وتعريا ... من الثياب ... من الغبار" الا أن النفس لا تعاف التصوير أبدا لأن التعرى الذى يقصده الكاتب هنا ليس العرى الإباحى وإنما التقشر والانسلاخ من شرنقة الأيام السوداوية.

    "
    تذكرت أن جيب أبيها لا يختلف عن جيبه أو جيب أبيه ، فالزوار ممنوعون من الإقامة فيه ، وتذكر أن طبخ أمها لا يختلف عن طبخ أمه ، وتذكرا كم فرقهما الزحام ... كم وأدت المشكلات أحلامهما ... وتذكرا ألف مقصلة ... الأسوار ... أسوار نارية ... وأسوار وردية ...وتذكرا ...
    قررا أن يتحولا إلى بذرتين فالبذور تتحول أزهارًا ، الأزهار تتلاقح ما شاءت ، تهمس ما شاءت ، أشواكها تحميها ..... وتحنو ما شاءت ...تصبح أشجارًا تتعانق في فضاء الغابة وبين نسائمها ، ودفئها ورعودها ."


    يغوص الكاتب مرة أخرى بالمتلقى فى واقعه الممزق المتمثل فى فقرهما ونقود قليلة متشابهة فى كل الجيوب، وطعام متواضع فى كل البيوت... الى الزحام والأسوار و... و ... و... الى تمنى لحظة هروب من كل هذا ...لتأتى هنا صورة مغازية غاية فى الإبداع فلحظة الهروب التى تمناها العاشقان لم تكن لحظة تهمس بحب الذات بقدر ما كانت لحظة تنطق بحب الوجود ..فقد تمنيا أن يتحولا الى بذرتين – مخزون الخير الكونى- لتصل المرحلة الانباتية لنهايتها المتمثلة فى ( أزهارا تتلاقح ) لتعيد الدورة الإنباتية من جديد. هنا بوجه خاص وفى العمل بشكل عام تلاحظ التأرجح فى مشاعر الكاتب بين الواقع والهذيان الذى يتمثل فى الهروب من الواقع وكأن هناك خيطًا مرنًا مطاطيًا يرتخى فيجذب الكاتب فينشد معه ، ثم يتمدد فيتركه يرتد عنه ... فنتج هذيان مغازى يتأرجح بين كف الحلم ومشنقة الواقع.

    "انحنيا ... ركعا ... استقبلتهما الأرض ... تضاءلا ... تحولا ...ارتجفا لرطوبة الأرض ... هبط غرابان أسحمان ... حمل كل منهما بذرة في منقاره ... صرخا ... تضاحك الغرابان ... طار كل منهما إلى حيث طار ."

    هنا شهقة ابداعية ...هنا قصة قصيرة جدًا متكاملة الأبعاد بحد ذاتها ...هنا التحام وامتزاج فى الحركة والصوت والتصوير والتعبير والإحساس والحلم والواقع ..هنا الحبكة الهذيانية المغازية تنطق بلوحة تعبيرية متفردة. يبدأ الكاتب هنا بوصف نهاية وقمة الالتحام العاطفى والوجدانى للعاشقين ثم استقبال الأرض – رحم إنبات البذور- لوجودهما المادى ثم ارتجافهما لملامسة رطوبتها – وهى أول مؤثر تنبيهى للاصطدام بالواقع فى الفقرة..يليها هبوط الغرابين الشديدي السواد -المعروفين كرمز للتشاؤم والانقباض النفسى- يهبطان فجأة ليخطفا البذرتين ... يزعقان زعيقهما المشئوم ، فيصرخ العاشقان – فى لحظة إفاقة من الحلم باصطدام رهيب مؤكد مع الواقع- وضحك الأيام السوداء- الغرابان – على العاشقين. لاحظ هنا أن البذرتين نوه عنهما الكاتب فى الفقرة السابقة بأنهما نتاج تحويلى تخيلى للعاشقين فى لحظة هروبهما من واقعهما . ليعود هنا ويؤكد على مقصلة إعدام الأيام السوداء التى تأبى عليهما حتى الحلم فتمزقهما وتمزقه على شفرتها القاسية مبعثرة لنا هذيانا إبداعيًا مغازيًا يبعثرنا هو الآخر فى أنفسنا فلا يلملمنا ثانية.

    الدراسة التأويلية:
    الرؤى الاجتماعية والاقتصادية:
    يشكل النص هنا برؤاه الجمعية ، انعكاساً جلياً لمؤثرات السلوك على مسرح واقعه المتضاد، وفي الوقت ذاته مادة تراكمية اجتماعية لإسقاطاته الجمعية ، وتتشكل تلك الإسقاطات في خطوط متقاطعة في أبعاد متنوعة ، ومنها بعد المادة واقعا وحلما ، والرؤى الاجتماعية التي تؤطر حياتها ، بين النمطية وكسر الحواجز في لغة الهروب اللاشعورية ، في متناقضات الأنا التي تسكن الروح في الأعماق، وتنعكس في متناقضات قيم الجسد . والنص يكثف بؤرته المركزية في أحلام العاشقين في ظل لغة المادة التي تهطل يأسا في قلب الأحلام ، وتداعيات الأسرتين أمام المجتمع في ظل أزمة اقتصاد منهار, وضحه الكاتب عندما تناول نوعية الطعام و فراغ الجيوب لكلا الأسرتين، ويسلط النص على تراكم تلك الإسقاطات في تماهيات المشاكل الاقتصادية في كلا الأسرتين-كإسقاط شامل على ظروف مجتمع بأكمله, ومثابرة الأسر في الخروج منتصرة من رؤى المجتمع ، في لغة الحلم والهروب من الحياة ، وهنا تنقدح الجدلية هل هو سلوك في محض الواجب أم الحب والانتشاء أم رد اعتبار قبل إصدار المجتمع أحكامه المتهكمة على الأسرة في لغة الزحام والفقر ضمن معطيات كثيرة لفساد مجتمع كامل ؟؟؟؟؟.

    الرؤى السياسية:
    يعكس لنا النص أيضا الرؤى السياسية في مقاطع تضادتها وتبعثرها على الواقع ، واسقاطاتها السلبية في مؤثرات السلوك ، وتكثفها في مقطع بين الأسرية ، وانعكاسها على الواقع برمته. ويعود النص فيؤكد حجم الهوة التي تصنعها تلك الإسقاطات ، واعتبارها قنبلة موقوتة ، تأكل الأخضر واليابس ، ولكنها ساكنة في المجتمع ، تؤطرها لغة التصاعدات والمزيد من الاستنزافات في مدارات اختلاف الذوات, لا التقائها العبق على مسرح الحياة. وبذلك يشكل النص بعدا ذكياً في لغة التصوير الرمزية لمساحات الواقع الأيدلوجية في ظل المؤسسة السياسية المنهكة بالمتناقضات والثملة بالحماقات ، والتسلطية في اتخاذ القرارات ، ومصادرة المواطن في عنجهية في سلة المهملات ، في شخصنه تحمل معها هالة القداسة في البث ، يترتب عليها توجه المواطن لأداء قرابين التعبد في لغة التمجيد والطرق على طبولها كيفما كان الطرق و كيفما كان الهذيان والرقص مع لحن الهروب.

    الرؤى العاطفية:
    ويتسم النص بجاذبية تتشكل في تلمس تدفق حرقة القارئ ونبضات رفضه لواقعه من خلال تتبع حراك العاشقين في النص ، والذي نقشت خطاهما في منطقة مجهولة معلومة ، حاضرة غائبة في ذاكرة وذهنية القارئ المنهكة في متابعة مشاهد العاشقين في مسرح الهروب فى قلب حلم داخل الحياة تحت تأثير رباعية : الواقع, الرفض ,الحب, والهروب. وبذلك تغدو تلك النقطة الضوئية القصصية في النص ، إثيراً فضائيا شاسعاًً بلا حدود في مرأى مستقرئ النص في لغة الكل في الجزء ، حيث يعكس الجزء تضاداته المتأزمة في الكل المتخم في لوحة فسيفسائية من المتضادات ، وهذه بحد ذاتها سمة إبداعية في النص ، لذا يعد النص الذي بين أيدينا ؛ وثيقة قصصية سردية تحمل معها حكاية اليوم والغد ، في بعد أيدلوجيا مؤسسة الواقع بكل أبعاده ورؤاه وثلماته.

    التعقيب النهائى:
    تعد الهذيان المغازية نتاجًا حياً لما يحس به الأديب من صدام بينه وبين الواقع كما هو قائم في العالم الموضوعي ، والواقع كما يرتئيه الأديب داخله ، و بين الحلم الذي يسمو على كلا الواقعين ولا يخضع للزمان ، وقد يكون الهذيان الذي يحياه الأديب واقعا حدث في الماضي ، لكنه ينبض بالحياة كأقوى ما يكون النبض في عقل ووجدان الأديب .

    ولاشك أن الأديب ليس مجرد آلة تصوير أو شريط تسجيل لالتقاط الواقع ثم سرده كما هو ، بل يعد الأساس في تلقي الواقع لديه هو ما يمكن أن نعبر عنه بهزة الشعور أو انثلام الوجدان ونزف جراحه على السطور ، وحتى بالنسبة لحالة الفرح التي تهز مشاعر الأديب أحيانا في السرد إلا إنها كانت في الأساس- من وجهة نظري- رد فعل لحزن سابق أو لانثلام وجداني قديم ، ومعنى هذا أن ما يختزنه الأديب من أحزان ومن انثلام للمشاعر يشكل الركيزة التي بنى عليها ما أحس به من هزة فرح ونشوة سرور في المواقف التي يستشعر فيها الفرح أو السرور، فالأصل في إبداع المغازى الهذيانى هنا هو الحزن وليس الفرح.-وهذا ما يفسر شيوع اليأس في المتن الحكائى- فكان مصدرا للطاقة الإبداعية في لغة التسامي والسرد.

    من هنا يكمن موطن تحليلي في البعد الدرامي في لغة الوحدة الفردية التي يغالبها الحرمان ، فتغدو في سوداوية مطلقة وجمود جسدي وأرق متصاعد حتى الموت في نفس الكاتب ، وهي التي يسلط العمل برمزيته على أبعادها المتماهية ، إذ تغدو في قانون جذب مأساوي لنكبات الحياة ، فإن كان لها النجاة من مقصلة الإعدام البشرية - التي تكمن في سطوة اللاأخلاقيات مثل الحقد والنفاق والخيانة والضغينة والفساد و ... و ... و ... و- بالنزول في لحظات حلم هذيانية ؛ إلا أنه لابد أن تجتذبها الأيام السوداء – التي تتمثل في رمز الغربان- واللحظات الدامية في لغة الناموس الكوني ، لتودي بها إلى تلك النهاية المؤلمة وهى الرجوع والصدام مع الواقع الذي هرب منه الكاتب في لحظة هذيانه.

    ويبعثر سرد أو هذيان المغازى – يبعثر الذات إلى مقاطع على مسرح مشنقة الواقع في كل تماهياتها ابتداءً من لغة آدمية البشر التي تدمر الأيام والحلم , ولغة الفرد وقد جثم على قلبها سطوة استبدادية أحالتها إلى مسرح النزع الأخير حيث الذكريات في تحنانها المنكسر إلى لحظة الصراخ المتمثلة في زعيق الغرابين ، فهنا ينشكف وجه الواقع في سواده وتنتقل الروح من لحظة حلم لأرواحٍ مسافرة بعيدًا عن مأزق الحياة وجور آدميتها ..إلى عالم الفناء وصحراء حرمان متشققة متعطشة للحب.. تصرخ احتياجا في قلب الكاتب , وهنا تنقطع سبل النجاة بكل معانيها الروحية والمادية في إصلاح الفساد ونشر الحب والجمال في واقع الحياة أو في الأمل في إيجاد الحب الروحاني الباحث عنه الكاتب في الاشعور .

    شذى الوردة لإبداع ينبضه فكرك.
    د. نجلاء طمان
    الناس أمواتٌ نيامٌ.. إذا ماتوا انتبهوا !!!

  2. #2
    عضو غير مفعل
    تاريخ التسجيل : Jul 2007
    الدولة : المدينة المنورة
    المشاركات : 100
    المواضيع : 9
    الردود : 100
    المعدل اليومي : 0.02

    افتراضي




    الأستاذة الدكتورة \ نجلاء

    تسجيل حضور أولي وبكل سرور

    ولي عودة أختي الفاضلة
    بعد إكمال القراءة لهذا
    الطرح والنقد والتحليل الميمون


    وردة بيضاء لروحكِ البيضاء


  3. #3
    الصورة الرمزية د. محمد حسن السمان شاعر وناقد
    تاريخ التسجيل : Aug 2005
    المشاركات : 4,319
    المواضيع : 59
    الردود : 4319
    المعدل اليومي : 0.63

    افتراضي

    سلام الـلـه عليكم
    الأخت الفاضلة الديبة الناقدة المتألقة الدكتورة نجلاء طمان

    لقد قرأت سابقا , أكثر من قراءة ونقد تحليلي في قصة " هذيان كل يوم " للأخ الأديب الاستاذ مأمون المغازي , بل كنت من الذين كتبوا وشاركوا في دراسة هذه القصة الرائعة , ولكن عندما قرأت دراستك النقدية التحليلية , شعرت بتفوقك في هذه الدراسة , وأشيد بهذه التقنية المستخدمة , ولا أكتمك سرا , فقد اريتني الكثير , مما فاتتني رؤيته , سواء من خلال قراءة القصة , لأكثر من مرة , أو من خلال تذوقي للقصة والقيام بقراءة نقدية لها , أو القيام بتحليلات أدبية لها .
    تقبلي احترامي .

    أخوك
    د. محمد حسن السمان

  4. #4
    عضو غير مفعل
    تاريخ التسجيل : Dec 2006
    الدولة : في عقل العالم ، في قلب الحكايات
    المشاركات : 1,025
    المواضيع : 36
    الردود : 1025
    المعدل اليومي : 0.16

    افتراضي

    الأديبة الناقدة الدكتورة : نجلاء طمان

    بين حروف لشكر ولثناء يقف المغازي حائرًا ؛ من أي لبساتين يهديكِ ما يليق بكِ أيتها الرائعة ، ويكفيكِ ، ويكفيني ما خطه قلم كبيرنا الأستاذ الدكتور السمان .

    سيدتي كل الحترم لكِ .

    مأمون

  5. #5
    الصورة الرمزية د. نجلاء طمان أديبة وناقدة
    تاريخ التسجيل : Mar 2007
    الدولة : في عالمٍ آخر... لا أستطيع التعبير عنه
    المشاركات : 4,224
    المواضيع : 71
    الردود : 4224
    المعدل اليومي : 0.68

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة احمد هادي الكنْدي مشاهدة المشاركة

    الأستاذة الدكتورة \ نجلاء
    تسجيل حضور أولي وبكل سرور
    ولي عودة أختي الفاضلة
    بعد إكمال القراءة لهذا
    الطرح والنقد والتحليل الميمون
    وردة بيضاء لروحكِ البيضاء
    الرائع الكندي

    شكرا لمرورك العطر

    وتسعدنى عودتك

    شذى الوردة لمرورك الكريم

    د. نجلاء طمان

  6. #6
    الصورة الرمزية د. نجلاء طمان أديبة وناقدة
    تاريخ التسجيل : Mar 2007
    الدولة : في عالمٍ آخر... لا أستطيع التعبير عنه
    المشاركات : 4,224
    المواضيع : 71
    الردود : 4224
    المعدل اليومي : 0.68

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة د. محمد حسن السمان مشاهدة المشاركة
    سلام الـلـه عليكم
    الأخت الفاضلة الديبة الناقدة المتألقة الدكتورة نجلاء طمان
    لقد قرأت سابقا , أكثر من قراءة ونقد تحليلي في قصة " هذيان كل يوم " للأخ الأديب الاستاذ مأمون المغازي , بل كنت من الذين كتبوا وشاركوا في دراسة هذه القصة الرائعة , ولكن عندما قرأت دراستك النقدية التحليلية , شعرت بتفوقك في هذه الدراسة , وأشيد بهذه التقنية المستخدمة , ولا أكتمك سرا , فقد اريتني الكثير , مما فاتتني رؤيته , سواء من خلال قراءة القصة , لأكثر من مرة , أو من خلال تذوقي للقصة والقيام بقراءة نقدية لها , أو القيام بتحليلات أدبية لها .
    تقبلي احترامي .
    أخوك
    د. محمد حسن السمان

    أخي وأستاذي الدكتور: محمد حسن السمان

    أما مرورك سيد النقد وأستاذه فهو علامة فخر لي, توشم على جبين الدراسة الى الأبد.


    دمت أخا وأستاذا وناصحا للأبد !



    شذى الوردة لمرور أعتز به.


    د. نجلاء طمان

  7. #7
    الصورة الرمزية د. نجلاء طمان أديبة وناقدة
    تاريخ التسجيل : Mar 2007
    الدولة : في عالمٍ آخر... لا أستطيع التعبير عنه
    المشاركات : 4,224
    المواضيع : 71
    الردود : 4224
    المعدل اليومي : 0.68

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مأمون المغازي مشاهدة المشاركة
    الأديبة الناقدة الدكتورة : نجلاء طمان
    بين حروف لشكر ولثناء يقف المغازي حائرًا ؛ من أي لبساتين يهديكِ ما يليق بكِ أيتها الرائعة ، ويكفيكِ ، ويكفيني ما خطه قلم كبيرنا الأستاذ الدكتور السمان .
    سيدتي كل الحترم لكِ .
    مأمون

    لا داعي للحيرة أيها العبق

    فقد أعطر مروركَ المتصفح بما يكفي

    فلك من صاحبته الشكر على كريم مرورك


    يرعاك الله

  8. #8
    قلم منتسب
    تاريخ التسجيل : Jan 2006
    المشاركات : 33
    المواضيع : 4
    الردود : 33
    المعدل اليومي : 0.00

    افتراضي

    الاخت د نجلاء طمان

    النقد نافذة أخى يطل من شرفتها القارىء الباحث عن الجمال
    وللجمال هنا مساحة تستحق الاحترام

    دمتِ

  9. #9
    الصورة الرمزية د. نجلاء طمان أديبة وناقدة
    تاريخ التسجيل : Mar 2007
    الدولة : في عالمٍ آخر... لا أستطيع التعبير عنه
    المشاركات : 4,224
    المواضيع : 71
    الردود : 4224
    المعدل اليومي : 0.68

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة وفاء عبدالرزاق مشاهدة المشاركة
    الاخت د نجلاء طمان

    النقد نافذة أخى يطل من شرفتها القارىء الباحث عن الجمال
    وللجمال هنا مساحة تستحق الاحترام

    دمتِ

    وبمروركِ أيتها الرائعة مساحة أكبر من الروعة والاحترام .

    عساه الغياب خيرًا !

    تقديري

  10. #10
    قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Mar 2009
    الدولة : وهمي
    المشاركات : 546
    المواضيع : 29
    الردود : 546
    المعدل اليومي : 0.10

    افتراضي

    الفاضلة الدكتورة نجلاء طمان :
    اللافت للانتباه في هذا التحليل النقدي هوالتكامل المنهجي الواضح الذي يستند إلى تعزيز المنهج النفسي كأساس للمناهج
    التحليلية الأخرى ، الأمر الذي ظهر جلياً في الخوض في جزئيات الأحداث و الشخوص عبر تفكيك النص و إعادة بنائه من جديد ، ويقف المتلقي بعد ذلك ليكتشف المزيد من البنى و الدلالات التي كانت متوارية عنه لدى قراءته هذا النص ، و الواقع أن مثل هذه التحليلات الراقية تضيف غنى شاسعا ً إلى المشهد النقدي العربي الذي يعاني خمولاً في هذه المرحلة
    ، ولابد من توجيه الشكر العميق للدكتورة الفاضلة نجلاء طمان على هذا التحليل اللافت المدهش الغني .
    تقديري العميق
    [SIGPIC][/SIGPIC]

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. "البائـس" ...قراءة نقدية تحليلية فى قصة "الانتقام الرهيب " للأديب : محمد نديم
    بواسطة د. نجلاء طمان في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
    مشاركات: 9
    آخر مشاركة: 07-07-2022, 11:34 PM
  2. كفٌ و كفٌ
    بواسطة عبد السلام هلالي في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 18
    آخر مشاركة: 25-01-2016, 07:50 PM
  3. شعر الحداثة بين الواقع المفروض و الواقع المسلم به
    بواسطة محمد البياسي في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 08-08-2012, 03:25 PM
  4. "ضربوا الإبداع فظهر الابتداع" للشاعر : شاهين أبو الفتوح... دراسة نقدية وتحليلية خاصة
    بواسطة د. نجلاء طمان في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 13-07-2009, 01:06 AM
  5. مجرد""""كلمة"""""ترفع فيك أو تحطمك........!
    بواسطة أحمد محمد الفوال في المنتدى الاسْترَاحَةُ
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 28-05-2009, 11:27 AM