الحج هو نُسك الإسلام الأكبر وقد جعل اللهُ لكلِ أمّةٍ نُسكا وجعل الحج نسك الإسلام قال تعالى (ولكل أُمّةٍ جعلنا نُسكاً ليذكروا إسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام) ، فالحجُ كما يصفهُ الفقهاء هو عبادة العُمر وختام الإسلام وكمال الدين ،يتجرد فيه الحاج من الدنيا، فإن نوى الحج رد المظالم وقضى الدين وراجع النفس وراقب الذات وكبح جماح الأهواء، وفي مناسكه يرتدي الطُهرِ مُحرماً وملبّياً فلا ملابس زينة ولا مباهاة ولا عِطر طِيب ولا رياء ولا سمعة فهو يُقبل على المائدة الربّانية يغتسل بأنوار السماء ملبّياً ومكبّراً وكما يقول فقيه الإسلام إبن القيّم :
يسيرون من أقطارها وفِجاجها رجالاً وركباناً وللهِ أسلموا ولمّا رأت أبصارُهم بيتهُ الذي قلوبُ الورى شوقاً إليه تضرّمُ كأنهمُ لم يَنصَبوا قطّ قبلهُ لأن شقاهم قد ترحّلَ عنهمُ وقد شرقَت عينُ المُحبِ بدمعِها فينظرُ من بين الدموعِ ويسجمُ
إنهُ النسكُ الذي يجمع المسلمين من شتى بقاع الأرض زماناً ومكانا ونسكاً وأحكاماً فتتجسدُ فيه المساواة الحقيقية بأروع صورها وتذوب الطبقيّة وتتلاشى التفرقة وتزول العنصرية وتسمو روح الإخاء الخالية من التكلّف والخداع وينسلخ الحاج من الماديات إلى المعنويات ويخرجُ من قيود البشرية وأغلال الأرض إلى رِحاب الروحانية وفضاء الرحمة فيتصل بالملأ الأعلى وينتظم في صفوف الأبرار ويجتمع المسلمون على كلمة الله يرجون رحمتهُ ويخافون عذابه نداؤهم تلبية ودعاؤهم تهليل ومشيهم عبادة ووقوفهم صلاة وسفرهم هجرة.
يقول الدكتور عبد المعطي الدالاتي:
قلبي ويُحرمُ بالسجودِ مُلبّياً لبّيك ربي يا مجيبَ الدعوةِ قلبي ويسعى بين مروةَ والصفا ويطوفُ سبعاً في مدارِ الكعبةِ قلبي ارتوى من زمزمٍ بعد النوى وأتى إلى عرفاتِ أرضِ التوبةِ هو مذنبُ متنصّلٌ من ذنبهِ هو مُحرمٌ يرنو لبابِ الرحمةِ
وفي الحج الكثير من العِبر والدروس التي تُحيي معاني التبتل وتنير روح التقوى و يكفي العبد شرفاً أنَّ اللهَ سبحانه يباهي بعباده ملائكته المُكرمين يوم عرفة.
ويدنو به الجبّارُ جلَّ جلالُهُ يباهي بهم أملاكهُ وهو أكرمُ يقولُ عبادي قد أتوني محبّةً وإني بهم بَرٌ أجودُ وأُكرِمُ فأُشهدكم أنّي غفرت ذنوبهم وأعطيتهم ما أمّلوهُ وأنعمُ
ونسأل الله لمن استضافهم لزيارة بيته وأداء نسكه أن يتقبّل منهم ويعينهم ويعيدهم لأهلهم وديارِهم مغفوراً لهم كيوم ولدتهم أُمّهاتُهم.
إليك إلهي قد أتيتُ ملبّياً فبارك إلهي حجّتي ودعائيا قصدتُك مضطراً وجئتكَ باكياً وحاشاك ربّي أن تردَّ بكائيا أتيتُ بِلا زادٍ وجودك مطعمي وما خابَ من يهفو لجودِك ساعيا