التقاها هناك ، في دار قريب له، التقى بها مع والديها ، وبرغم أنها كانت في الثانوية العامة إلا أنها كانت آسرة الجمال ، بديعة الوجه ، رائعة المبسم ،شعرها ينساب وكأنها نبع ماء طاهر ، نظر إليها ونظرت إليه ، ثم دعاها لتناول كوب من العصير في شرفة المنزل ، حتى يفسحا المجال للأهل في التحدث ، فقبلت بلطف شاكرة ، وعندما جلسا في شرفة المنزل نظرت إليه سلمى نظرة تأمل ، كان شابأ وسيماً ذو لحية خفيفة ، وعيناه تنم عن ذكاء وطيبة ، وتعارفا على بعضهما البعض ، فهو أحمد شاب يدرس في المستوى الثاني ثانوي ، وهي تكبره بعام ، ولها 3 إخوة ذكور ، وهي من قرية دمرة القريبة من شمال القطاع ، لكنها مستعمرة من اليهود ، ووالدها يعمل مستشاراً في وزارة الصحة ، وأمها ربة بيت ماهرة ، هكذا بدأ أحمد حديثه معها ، ثم أخذ حديثه محنى مغايراً ، فسألها عن عدم إرتدائها للحجاب ، فأجابت أن قلبها يمتلأ إيماناً ، وأنها تصلي وتصوم ، لكنها لا زالت صغيرة على الحجاب ، ابتسم أحمد قائلاً : حسناً سلمى هل تقبلين مني هدية تعارفناً ، نظرت إليه وأومأت بالإيجاب ، فأهداها شريط بعنوان "لماذا الحجاب ؟" وكتيب " أسباب دخول الجنة " ، ثم أخذ أحمد بذكاءه يتحدث معها في مواضيع عامة ، وقد عزم أن يترك موضوع الحجاب لها ، وعندما حان وقت المغادرة ابتسمت له سلمى شاكرة ، وأبدت سرورها بلقاءه.
ومرت الأيام كعادتها ، وأحمد في دراسته مجد ، وفي دعوته إلى الله جاد ، وفي يوم من الأيام جاءه اتصال من رقم ما ألفه قبلاً ، فرد فإذ بصوت جميل يقول له " كيف حالك يا أحمد ؟" فرد " الحمد لله ، من معي؟"
فأجابت " أنا سلمى " ، فقلب أحمد في ذاكرته حتى تذكرها بسرعة قائلاً " أهلا سلمى ما أخبارك ؟ " فقالت "الحمد لله أريد أن أراك غدأ لأمر ضروري " فسألها أحمد "متى وأين ؟" أجابت " ما رأيك الساعة الواحدة مساءً في مطعم الكنوز الخضراء ؟ " أجابها " حسنا ولا يهمك " قالت له " شكراًَ، مع السلامة "
ورد عليها قائلاً "مع السلامة".
وعند الساعة الواحدة كان أحمد يجلس على أحد طاولات المطعم ، إذ بفتاة ترتدي نقاباً تقترب منه وتجلس على نفس الطاولة ، نظر إليها أحمد نظرة إستغراب ، فضحكت ضحكة خفيفة وقالت : لم تعرفني ؟ أنا سلمى.
دهش أحمد ، هذه سلمى الذي تركها قبل شهر ، ترتدي الكابوي وقميص نص كم ، وشعرها ينساب بحرية على كتفيها ، وكأن الجالسة أمامه شعرت بإندهاشه ، فبادرته قائلة : إن الله يغفر الذنوب جميعا ، أومأ برأسه قائلاً : صدقت يا سلمى ، لقد تغيرت إلى الأفضل .
قالت له سلمى :"لقد سمعت الشريط الذي أهديتني إياه ، يوم التقيت بك لم أنم، سمعت الشريط وأخذ قلبي يهتز مع عبارات الشيخ ، ومع آيات الله تعالى ، شعرت كم أنا بعيدة عن الله ، فتبت إليه، قمت وصليت طوال الليل وأنا أبكي ، وفي الصباح بدا شكلي مضحكاً وأنا أرتدي جلباب أمي ، ولكنني أصررت على أن ألبسه ، وخرجت إلى محل بها ملابس الحجاب ، اشتريت منه حجابي وجلبابي ونقابي ، ومن يومها تغيرت ، تغير في الكثير ، وهذا كله بفضلك يا أحمد."
أجابها أحمد على الفور : "الفضل بيد الله ، وإنما أنا سبب بسيط سخره الله لك ليهديك الله تعالى ، زادك الله
إيماناً وتقوى سلمى ، إني بك جد سعيد"
قالت سلمى :"الآن أنا عازمة على الإهتمام بدراستي ، هل تمانع إذا اتصلت بك أحياناً؟ "
أجاب أحمد " لا طبعاً ، اتصلي متى شئت . ، قالت سلمى وقد همت بالمغادرة " حسنا أحمد ، أستودعك الله ، ولا تنساني من صالح الدعاء السلام عليكم ورحمة الله وبركاته " ، أجابها :"وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته"
بقي أحمد جالساً في المطعم ، وابتسامته قد ملأت وجهه ، يا الله كم أنت كريم ، يا الله أجعل أعمالها في ميزان حسناتي يوم القيامة ، يا الله وفقني للدعوة إليك أكثر وأكثر ، هكذا حدث نفسه ، ثم ابتل وجهه بدمعه فأنتبه على نفسه وأخذ يمسح دمعه مهيئاً نفسه للخروج من المطعم
وهكذا مضت الأيام ، تخرجت سلمى من الثانوية العامة لتسجل في الجامعة ، وانتقل أحمد لمرحلة الثانوية العامة، وظلت المكالمات بينها قائمة مع انقطاع الرؤية ، ومر عام أخر وتأهل أحمد للجامعة ، وهناك التقاها مرة أخرى ، وذات يوم اتصلت به سلمى طالبةً منه رؤيته لضرورة ، وعندما التقيا في الجامعة قالت له سلمى "أريد أن أصارحك بشيء مهم " أومأ أحمد مستحثاً إياها على الكلام فتنابعت قائلةً " أحمد أنا أحبك ، أحبك كثيراً ولا أتخيل حياتي من غيرك ، أنت من غيرت حياتي"
قالت له هذه الكلمات ولم تنتظر من رداً ، فلقد غادرت المكان مسرعة ً وكأنها قد ألقت عن كاهليها حملاً ثقيلاً ، ووقف أحمد مذهولاً بهذا التصريح، وظل أثناء المحاضرة التالية مشتت الذهن ، وأخذ يفكر، بالفعل أنا أميل إليها ، بل لعلي أحبها ، لكنني لم أجرأ على مصارحتها هكذا حدث نفسه
وعندما قفل عائداً إلى منزله ، ودخل غرفته ، أمسك بهاتفه المحمول وهم أن يتصل بها ، لكنه تردد ، وفي نهاية الأمر أرسل لها رسالة قصيرة وهي " وأنا أيضاً أحبك".
وبعدها نام أحمد بعد تقلبه بإرتياح، وفي الصباح وجد جهازه قد استقبل رسالة تقول "أريد رؤيتك اليوم في ذات المطعم الساعة الواحدة"
ابتسم ، لبس أجمل ما لديه ، وتعطر بأعطر ما عنده ، ومشط شعره بصورة جميلة ومنسقة ، وعندما نظر إلى نفسه في المرآة ابتسم دهشاً ، متسائلاً : هل بالفعل أتجهز لرؤيتها ؟
وفي المطعم ، ألتقيا ، وتحادثت نظراتهما طويلاً قبل أن يبدأ أحمد بالكلام متلعثماً " حسنا سلمى ، نحب نحب بعضنا البعض ، ثم ماذا ؟ " أجابت سلمى "ننهي دراستنا ونتزوج ما رأيك ؟" قال أحمد " حسنا "
ثم أخذا في التحدث عن المستقبل من كل الزوايا ، وعندما انتهيا بدت على وجهيهما علامات الراحة وابتسامات السعادة .
و انقضت اعوام الدراسة عند سلمى ، وبقي عام واحد لأحمد ، وذات صباح فوجيء أحمد برسالة من سلمى تفول "أحمد سامحني ، سأتزوج ابن عمي وأسافر إلى تركياً ، مع السلامة"
ظن أحمد لوهلة أن الأمر حلم ، أو لعله مزحة من سلمى ، فأسرع إلى الأتصال بها ، لكنها لم تجب عليه ، كرر الإتصال مرة ومرة ومرة ، لكنها ما أجابت.
بكى كثيراً ، لم يخرج إلى الجامعة ، وعن المساء رن هاتفه ليرى اسمها ، أجاب عليها من غير تردد ، قالت له :"أحمد سامحني الأمر فرض علي من أبي " أجابها أحمد في قسوة "كاذبة ، كاذبة بل لأن ابن عمك غني ومستواه المادي يناسبك ، وربما فضلت أن تسافري إلى تركيا على أن تظلي بقربي "
وأغلق الخط ليرمي بالهاتف في عنف ،ويخرج مغضباً ، وفي ليلة زفافها اقترب أحمد من الفيلا التي تقطنها سلمى ، والدموع تملأ عينيه ، وعندما رأها تنزل من السلم اللولبي خيل إليه أنه لمح دمعها ، حينها عرف كم كان مخطئاً وتيقن أنها كانت مجبرة.
انتهت
هذه القصة حقيقة