لمقاومةإسلامية.. أم.. وطنية؟!
تتشكل حركات المقاومة الشعبية في بلادنا الإسلامية تحت عناوين متعددة منها الإسلامي ومنها الوطني، ومع أن هذه الحركات تجمعها الأهداف الكـبيرة والتحديات المشتركة الا أن هناك تساؤلات كثيرة تطرح حول مستقبل العلاقة بين هذه الحركات بل وعن طبيعة العلاقـة بين«الإسلام» و«الوطن» مما يتطلب بداية توضيح بعض المفاهيم والمصطلحات:
أ- حينما نتحدث عن المقاومة في بلد إسلامي لا يمكن أن نتخيل وجود حواجز حقيقية بين التيار الإسلامي والتيار الوطني فهم فيالغالب مواطنون مسلمون، ومثلما لا يجوز أن نشك في وطنية المسلم لا يجوز أيضا أن نشكفي إسلامية المواطن.
ب- ينطلق المقاومون الإسلاميون «المجاهدون» من رؤية خاصة للاسلام باعتباره عقيدة وشريعة ونظام حياة متكامل «اليــوم أكملت لكم دينــكموأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا» «المائدة:3» وحينما يتعرض أي بلد مسلم للعدوان فان الجهاد يكون واجبا إسلاميا مقدسا على جميع المسلمين بالقدر الذي يندفع به العدوان، ولا يخفى ما لهذه العقيدة من أثر كبير في دفع المجاهدين للتنافس الحقيقي في ميادين الجهاد والاستشهاد. ج- كما ينطلق الإسلاميون من رؤية خاصة لمفهوم «الوطن»، فالوطن عـندهم ليس تلك الحدود المرسومة من قبل «سايكس-بيكو» وانما الوطن الحقيقي هو الوطن الذي يتسع للامــة الإسلامية جميعها «ان هذه أمتكم أمة واحدة وأناربكم فاعبدون » «الأنبياء:92» وليس الوطن الذي يتعارف عليه الناس اليوم الا جزءا منالوطن الإسلامي الكبير، ويتخوف الإسلاميون من أن تكسب هذه الحدود«المصطنعة» شرعية بالتقادم وتصبح بديلا عن مفهوم «الأمة» في الإسلام، وهذا عندهم لا يشكل خرقاعــقيديا فحسب وانما يمثل محــاولة لــتــــفتيت الأمة واضعافها في الوقت الذي تواجه فيه تحالفات وتكتلات عالمية كبيرة، من هنا ندرك طبيعة الحساسية التي يتعاملبها الإسلاميون مع هذه القضية، لا سيما بعد ما تم محاصرة قضية «فلسطين» ومنع الأمة من القيام بواجبها الإسلامي المقدس، وما يحدث اليوم في العراق يعيد الصورة نفسهاحيث تتعإلى الأصوات المـــشبوهة لطرد كل عربي ومسلم وتشــــويه سمعته وموقفه بينمايتم الترحيب بالأجانب الغزاة !!
ج- ان الحركات الوطنية المقاومة هي الأخرىلها مبرراتها المشروعة في رفع الشعار الوطني لأنه الشعار الوحيد القادر على أن يضم أبناء الوطن على اختـــلاف معـــــتقداتهم وتوجهاتهم ، لا سيما أن أغلب بلادنا الإسلامية فيها اثنيات متنوعة دينيا وعرقيا، وهــم في الوقت الذي يتخوفون فيه منتفكيك هذه الاثنيات بضعف الشعور الوطني ويخشون من أن تتحول الشعارات الشمولية الكبيرة إلى استقطابات وولاءات خارجية كما حصل لبعض الفئات العراقية ذات التوجهات الدينية التي داهنت وربما وقفت مع المحتل لتحــقيق مآرب طائفية واقليمية بعيدة كلالبعد عن مصلحة العراق الحقيقية. وأمام هذه النظرات المتقابلة نحاول - وليس بغرضالتقريب والتوفيق وان كنا نعتقد مشروعية هذا الغرض - أن نرسم معالم المنهجيةالإسلامية كما هي في التعامل مع هذه التحديات ومن خلال النقاط الآتية:
أ*-ان حب الوطن حتى ولو كان بمعناه الجزئي وهو البلد الذي نشأ فيه الإنسان لـــيس بدعةفي الإسلام، وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم والمهاجرين من أصحابه التي تثبت حبهم وحنينهم لمكة ووديانها ومرابعها كثيرة جدا، والعلماء استنبطوا منها حكماشرعيـا مهما فقال ابن حجر العسقلاني رحمه الله «وفي الحديث دلالة على مشروعية حب الوطــن والحنين اليه» فتح الباري 3/621 ومثله أيضا في تحفة الأحوذي 9/283 وقالالسهيلي «ومــا ذكر من حنينهم إلى مكة ما جبلت عليه النفوس من حب الوطن والحنيناليه» شرح الزرقاني 4/ 288 فحب الوطن أمر فطري لا يتعارض بحال مع الولاء للاسلام وأجمل ما قرأت في هذا الصدد مقولة السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله «اذا كان النصارى يحبون أوطانهــم فنحن نحب ديننا الذي يأمرنا بحب الوطن» مذكراتي السياسية 1/172.
ب- ان الدفاع عن أي وطن من أوطان المسلمين واجب على أهله أولا ثم على بقيـة المسلمين حتى تتحقق الـكفاية ويدفع العدو، ومعنى هذا أن مـفهوم الوطن الأصغر ضمن الوطن الأكبر مؤصّل في الإسلام وتنبني عليه أحكام شرعـية تفصيلية كثيرة،جاء فــي المغني لابن قدامة الحنبلي:«ويتعين الجهاد في ثلاثة مواضع.. الثاني: اذانزل الكفار ببلد تعين على أهله قتالهم ودفعهم» 9/ 197، فابن قدامة هنا يتحدث عن البلد وأهله بالمفــــهوم الأضيق ومثل هذا ماجاء في الفقه الحنفي: «ان كل موضع خيف هـجوم العدو منه فرض على الإمام أو على أهل ذلــك الموضع حفظه، وان لم يقدروا فرضعلى الأقرب الــيهم اعانتهم إلى حصول الكفاية بمقاومة العدو» حاشية ابن عابدين 4/ 124،ومعنى كل هذا أن أهل البلد عليهم مسؤولية خاصة تجاه بلدهم وهذا يمنع من تمييع القــضية الوطنية بالمفاهيم أو الولاءات العامة وهذا ما يتخوف منه «الوطنيون»، وبهذاالتأصيل يمكن نسبة الــمقاومة إلى أهل البلد أنفسهم فنقول «مقاومة فلسطينية» أو «مقاومة عراقية» ومن ثم فهي«وطـنية» وهي في الوقت نفسه «إسلامية ».
ج- ان الإسلام أصّل مبكرا مبدأ «المقاومة الوطنية» ودعا إلى تحالف أبناء الوطــــن حتى من غير المسلمين للدفاع عن وطنهم فقد جاء في دستور المدينة الأول«الوثيقــــــــةالنب وية » :«ان اليهود - أي من أهل المدينة- ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين..وأن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة..
وأن بينهم النصرعلى من دهم يثرب» السيرة النبوية الصحيحة، د.أكرم العمري 1/284، وجاء في السيرةالنبوية للدكتور الصلابي تعليقــا على بنود الوثيقة:«وبهذا نرى أن الإسلام قد اعتبراهل الكتاب الذين يعيشون في أرجائه مواطنين وأنهم أمة مع المؤمنين.. فاختلاف الدين ليس سببا للحرمان من مبدأ المواطنة «1/401 فالإسلام هنا لا يتحدث عن عقائد و«آيديولوجيات» وانما عن سياسة دولة تضم المسلمين مع غيرهم فلا بد من توضيح العلاقة بين مكونات هذه الدولة وتحديد مسوؤلياتهم تجاه دولتهم، وهذا ما يبدد مخاوف «الوطنيين» حول موقف الإسلام من الأقليات الدينيـــة وحقهم المشروع في الدفاع عنبلدهم.
د- ان رفع شعار «الوطنية» لا يعكر الغاية الأخروية التي يسعى لها «المجاهد» وهـــي «الشهادة» بل الربط بينهما مؤصّل شرعا، فقد قال الرسول صلى اللهعليه وسلم «من قتل دون ماله فهو شهيد» البخاري 2348 و«من قتل دون أهله فهو شهيد»أحمد وابو داود والبيهقي وغيرهم.
وروى البيهقي في السنن الكبرى«من قتل دون ماله مظلوما فله الجنة» 8/335 فهذه الأحاديث ونحوها كثير تثبت الشهادة والجنة لمن يقتل دفاعا عن ماله وأهله فكيف بالوطن الذي فيه الأرض والعرض والمال ؟!
من هذه النقاط نستنتج أن المقاومة المشروعة في الإسلام لها ثلاث صور:
1- مقاومة إسلامية في مشروعيتها، إسلامية في أهدافها، إسلامية في أشخاصها، وهذه لا تكون الا في قيام المسلمين بالدفاع عن دينهم حينما يتعرض للعدوان، ومن المعلوم أنمن أهداف العدوان على العراق المعلنة تغيير المناهج التعليمية والتدخل في شؤونالاسرة و«تجفيف مصادر الارهاب الفكرية» وهذه كلها أهداف تمس دين المسلمين ويكفي تصريح بوش«أنها حرب صليبية» فقتال المسلم لدفع هذا العدوان داخل في هذه الصورة قطعا.
2- مقاومة إسلامية في مشروعيتها، إسلامية في أشخاصها، وطنية في أهدافها، وهذه حينما يستهدف العدو بلدا من بلاد المسلمين طمعا في ثرواته وخيراته،وهنا يقاوم المسلمون لدفع هــذا العدوان فيكون لهذه المقـــاومة جانبان جانب اسلاميوآخر وطني.
3- مقاومة إسلامية في مشروعيتها، وطنية في أشخاصها وأهدافها،وهذه المقاومة هي الحق الذي يمنحه الإسلام لكل مظلوم حتى لو كان غير مسلم في الدفاععن أرضه وماله وعرضه. ونخلص من هذا إلى أن المقاومة من الممكن أن تكون «إسلاميةوطنية» في أكثر من صورة ولأكثر من اعتبار وكلها مشروع. هذا من حيث التأصيل والاستدلال ، أما اذا تحدثنا بلغة المقاصد والمصالح الشرعــية فيمكن أن نضيف نقاطاجديدة ومنها:
أ- ان حب الوطن والدفاع عنه غريزة بشرية قد تكون هي الدافع الأهم للكثير من من شعوب العالم للتضحية والمـــقاومة، ونموذج «المقاومةالفيتنامية» ما زال حاضرا ، وهؤلاء لم يكونوا يقاتلون من أجل الشهادة أو الجنة، وبالتالي فان على المقاومة الإسلامية أن تفكر بالاستفادة من هذه الغريزة الفطريةوبالأساليب المشروعة.
ب- ان حذف شعار«الـوطنية» من قبل المـقاومةالشـــرعية يفسح المجال للعمـــلاء والمأجورين أن يرفعوا هم هذا الشعار ولأهداف رخيصة ومن بينها حصولهم على اعتراف دولي أواقليمي على أنهم هم الممثلون الشرعيون للبلد لأنهم هم الذين يتكلمون باسمه، وأما «المجاهدون » فهؤلاء لهم أهداف بعيدة لاعلاقة لها بالبلد، وبكون هذا في الغالب طريق سرقتهم للسلطة وحرمان المقاومةالحقيقية.
ج- ان حذف شعار«الوطنية» يخدم الاحتلال في اخراجه من مأزقه القانوني، فالاحتلال فاقد الشرعية في مقابل مقاومة تمتلك كامل الشرعية، والاحتلاللا يمكن ان يتكلم باسم البلد الذي يحتله، لكن اذا تخلت المقاومة عن شعارها الوطني فسيجد الاحتلال نفسه أمام مقاومة هي الأخرى لا تمثل هذا البلد ولا تتكلم باسمه!! انهذه العوامل مجتمعة تجعل من الضرورة أن ترفع المقاومة شعار الإسلام والوطنية لجمع الكلمة وتوحيد الطاقات ورص الصفوف وسد الثغرات في مواجهة اعتى قوة احتلال في التاريخ مدعومة بتحالفات دولية وإقليمية ومحلية.