عبد الباري عطوان

الاحذية التي انهالت علي رأس السيد احمد ماهر وزير الخارجية المصري اثناء زيارته للمسجد الاقصي يوم امس، هي درس لكل الزعماء العرب وممثليهم الذين استهتروا بالشارع العربي، ومطالبه، ومشاعره، وباتوا لا يستمعون الا للادارة الامريكية ومطالبها المهينة في التطبيع مع الدولة العبرية، وخدمة مصالحها، والتستر علي سياساتها الارهابية.
السيد احمد ماهر اهان الشعب المصري وقواه الوطنية الحية، عندما ذهب علي غير رغبته، واستهتر بمشاعره، الي تل ابيب للقاء رئيس الوزراء الاسرائيلي الملطخة يداه بدماء رجال المقاومة الفلسطينية، والجنود المصريين الابطال الذين استشهدوا دفاعا عن كرامة بلدهم وامتهم، ولذلك كانت احذية المصلين الفلسطينيين التي انهالت عليه هي تعبير عن غضب ووطنية اشقائهم في مصر، مثلما هي تعبير عن وجهة نظر جميع الشعوب العربية تجاه انظمتها الدكتاتورية القمعية الفاسدة.
شارون اهان مصر قبل ان يهين فلسطين بجرائمه ومجازره، اهانها عندما رفض ان تستضيف اللقاء الثلاثي بينه وبين جورج بوش ومحمود عباس (ابو مازن) رئيس الوزراء الفلسطيني في حينه، لانها رفضت ان تفرج عن الجاسوس عزام عزام. واهانها عندما ارتكب مجزرة رفح داخل الحدود المصرية، واهانها للمرة الثالثة عندما نسف جهودها في التوصل الي هدنة مع الفصائل الفلسطينية، واقدم علي اغتيال اسماعيل ابو شنب احد قادة حركة المقاومة الاسلامية حماس .
السيد احمد ماهر ذهب الي شارون في تل ابيب، دون ان يكلف نفسه، وهو ممثل مصر العظيمة، للتعريج زائرا مجاملا للرئيس الفلسطيني المعتقل ياسر عرفات في مكتبه في رام الله حتي لا يغضب الرئيس بوش ويكسر قرار شارون بفرض العزلة عليه واعدامه سياسيا.
في الماضي كان المسؤولون المصريون يستخدمون لقاءاتهم بالرئيس الفلسطيني كذريعة من اجل الذهاب الي تل ابيب ولقاء المسؤولين الاسرائيليين، الان حتي هذه الذريعة اسقطوها، وباتوا يذهبون الي تل ابيب مباشرة، ودون اي ذرة حياء او خجل!
وزير الخارجية المصري كان عليه ان يمتنع عن زيارة القدس المحتلة، طالما ان الرئيس عرفات، المنتخب ديمقراطيا محاصر ومهان بقرار اسرائيلي، وموافقة امريكية. كان يجب علي النظام المصري ان يتولي الجهود من اجل انهاء هذا الاعتقال المخجل للزعيم الفلسطيني ولكن هذا النظام، ووزير خارجيته اختارا الحياد في الصراع العربي ـ الاسرائيلي، ورأس هذا النظام، الرئيس حسني مبارك اكد اكثر من مرة انه غير منحاز لهذا الطرف او ذاك.
عندما يصبح وزير خارجية مصر محايدا في الصراع العربي ـ الاسرائيلي، وعندما تتحول الحكومة المصرية الي وسيط نزيه ، فان علينا ان لا نستغرب اذا ما تعرض السيد احمد ماهر للضرب بالاحذية، لان هذا الموقف يسيء الي مصر، ويهين شعبها، ويلطخ تضحيات شهدائها بالعار.
نتمني ان يستخلص المسؤولون الفلسطينيون، وعلي رأسهم السيد احمد قريع رئيس الوزراء الفلسطيني العبر من هذه الحادثة، وان يتوقف عن مساعيه للقاء رئيس الوزراء الاسرائيلي، وانقاذه من ازماته الحالية، وتبرئته من كل مجازره، واعادة تقديمه الي العالم كرجل سلام.
مثلما نتمني ان يراجع المحتفلون بتوقيع مبادرة جنيف ، والمتبنون لها مواقفهم، لانهم اذا استمروا في تنازلاتهم عن ثوابت القضية العربية الفلسطينية، سيواجهون احذية الشعب الفلسطيني وكل الشعوب العربية الاخري، وربما ما هو اكثر منها.
الشعوب العربية تخلصت من عقدة الخوف، وباتت تعبر عن امتعاضها من خنوع حكامها واستسلامهم بكل الوسائل المتاحة وغير المتاحة، والقذف بالاحذية هو احداها، او بالاحري احدي مراحلها الاولية.
من كان يصدق ان وزير خارجية مصر سيضرب بالاحذية من المصلين في المسجد الاقصي، ولا يحميه من المزيد منها غير الجنود الاسرائيليين. فوزراء خارجية مصر، عندما كانت مصر مصرا وحكوماتها ترتقي الي مستواها قولا وفعلا، كانوا يحملون علي الاعناق من الجماهير العربية اينما حلوا.
احذية المصلين الفلسطينيين لم تسقط علي رأس احمد ماهر وحده بل رؤوس كل الزعماء العرب المطبعين مع اسرائيل سرا او علنا. وعلي رأس كل مسؤول عربي التقي او يفكر بلقاء شارون، بينما دماء الشعب الفلسطيني تتدفق يوميا دفاعا عن الكرامة العربية مثل مياه نهر النيل.
احذية المصلين الفلسطينيين ضربت كل الزعماء العرب المتواطئين مع الاحتلال الامريكي للعراق والصامتين عليه، بل ضربت ايضا الشارع العربي الصامت علي ضياع كرامته وحقوقه وسيادته واستقلاله علي ايدي زعمائه الاشاوس.
ليست هذه شــماتة، بل تعاطفا حقيقيا مع الوزير المصري الذي دفعته سياسة نظامه الي هذا الموقف المحرج، وكان نصيبه ان يتعرض وحده لعقاب موجه الي الواقع العربي بكل مراراته.
انه هجوم ليس موجها ضد مصر، بل هو موجه باسم مصر وشعبها العظيم الي سياسات خاطئة مخجلة، فمن المفارقة انه يقع بعد 24 ساعة من محاولة شاب مصري التسلل عبر الحدود المصرية الي قطاع غزة للمشاركة في الانتفاضة، والاستشهاد دفاعا عن كرامة العرب والمسلمين.
ربما تدخل احذية الانذار التي القاها الفلسطينيون امس التاريخ علي انها الرد الشعبي العربي علي الكوارث والنكسات شبه اليومية التي اصبحت تشكل الواقع العربي. فشكرا لهذه الاحذية، وشكرا لاصحابها.

http://www.alquds.co.uk/index.asp?fn...لمبكر fff