تعتبر المهارات اللغوية من مقومات الشخصية الناجحة وتلعب دوراً كبيراً في تحقيقكثير من المكاسب وما أكثر ما يتبادر إلى أذهاننا من قصص وحكايات حول أشخاص فازواوآخرين خسروا والسبب كان كلمة قالوها.. إن لله نعماً عظيمة على خلقه لا تُعد ولاتُحصى ، ومن أجلِّ النعم التي أسبغها الله على عباده نعمة الكلام فقد كرمه الله بهاعلى سائر خلقه ، وتلك نعمة تستوجب الشكر كباقي النعم وشكر الله على هذه النعمة يكونباستخدام اللسان في كل خير منشود ، وكفه عن كل شر وسوء ، وقد وصف الله سبحانه عبادالمؤمنين بقوله :{ قد أفلح المؤمنون. الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغومعرضون} المؤمنون /1-3 وكلمة اللغو ككلمة الباطل تعنى ما لا فائدة فيه ،أو ما لايعتد به من الأفعال والأقوال لعدم اشتماله على غرض عقلاني، فعلى المؤمن أن يعودلسانه على الجميل من القول ، وليعلم أن ألفاظه محسوبة عليه ، وأنه محاسب عليها ،لقوله تعالى : { ما يلفظ من قول إلا لديــه رقـيب عتيد } ق / 18 وقد وصف القرآنالمؤمنين بأنهم يعرضون عن اللغو سواء بالكلام فيه والخوض أو بالسماع وإذا مرّواباللغو مرّوا كراماً فالبعد عن اللغو من أركان الفلاح ودلائل الكمال . وقال عليهالصلاة والسلام : " لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه ، ولا يستقيم قلبه حتىيستقيم لسانه " كما يصف المولى عز وجل عباد الرحمن بأنهم {وإذا مروا باللغو مرّواكراما} الفرقان/72 والهدف من هذا تربية الفرد على أهمية استعمال الكلام المفيدوالنافع وبالتالي أهمية الاستفادة القصوى من الوقت وعدم إضاعته في فارغ الكلام الذيلا يجدي ولا ينفع فهناك الكثير من الكلمات والأقوال المنهي عنها في الشريعة كقولالزور والكذب والغيبة والنميمة والبهتان والسخرية وهذه كلها لا تليق بالشخصيةالإسلامية ، ومقابل ذلك دعا الإسلام الإنسان المسلم إلى تنمية القابلية الكلامية فياستعمال الكلمة الطيبة سواء كانت هذه الكلمة عبارة عن قول سديد ينفع الآخرين أو فينشر للمعرفة عن طريق الخطابة والوعظ الكلامي والتعليم أو في تطييب الخواطر وفيإصلاح ذات البين وفي حل المنازعات الأسرية والاجتماعية.
وليكن لك في رسول اللهأسوة حسنة ، فالأدب النبوي يعلمنا أن لا نتكلم إلا حقاً وصدقاً . وبذلك نسلم منكثرة السيئات ، ويسلم المجتمع من الفتن . ونعلم أن حياتنا ليست سدى ، وقد أرشدناالمصطفى إلى ما فيه صلاح ديننا ودنيانا ، فلا يستهين المسلم بأي لفظ قد يلفظه دونوعي والتي منها اللعن -والعياذ بالله -الذي بات سهلاً على كثيراً من الألسنة ، فقدقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن العبد إذا لعن شيئاً صعدت اللعنة إلىالسماء ، فتغلق أبواب السماء دونها ، ثم تهبط الأرض فتغلق أبوابها ، ثم تأخذ يميناًوشمالاً . فإن لم تجد مساغاً رجعت إلى الذي لعن ، فإن كان أهلاً ، وإلا رجعت إلىقائلها " رواه أبو داود.
وورد أن رسول الله دخل على امرأة مريضة فوجدها تلعنالداء وتسب الحمى ، فكره منها هذا المسلك وقال لها مواسياً : " إنها - أي الحمى - تُذهب خطايا ابن آدم كما يُذهب الكير خبث الحديد " . وكما قالوا :أشد الورع فياللسان . احرص أخي المسلم على الرقيِّ بأفكارك والسموِّ بأحاديثك ومجلسك نحو الكلمةالطيبة ، قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كيف ضَرَبَ الله مثلاً كلمةً طيِّبةً كشجرةٍطيِّبةٍ أصلُها ثابتٌ وفرعُها في السَّماء}إبراهيم /24فالكلمة الطيِّبة نفحةروحانية تصل ما بين القلوب وتربطها برباط المحبَّة والودِّ والتآلف. أمَّا الكلمةالخبيثة فهي معول للهدم والتمزيق والتفريق، يعمل تخريباً في أوصال المجتمع فيهدُّكيانه.
فالكلمة الطيِّبة تُزهر في النفس لتتفتَّح بأجمل أزهار الخير والحبِّالَّتي يعبق شذاها فوَّاحاً في كلِّ زمان ومكان. والكلمة الخبيثة نتنة الرائحة،تصدر عن بؤر نفسية عفنة.إن لشجرة الإيمان جذوراً ضاربة في أرض الهدى ومحبَّةالله، من تمسَّك بها فقد استمسك بالعروة الوثقى، واكتسب ثباتاً وتصميماً لا زيغ فيهولا ضلال، فالكلام فنٌّ وأدب وذوق، ومن لا يتقن هذا الفن يضيِّع الكثير منالفوائد والمغانم، فكم من كلمة خبيثة لا يأبه العبد بها، تودي به إلى الذُّلوالتهلكة، وكم من كلمة طيِّبة قرَّبت بين المتباعدين، وأصلحت ما بين المتخاصمين،وجمعت شمل المتدابرين، فأورثت صاحبها عزَّاً وحمداً بين الناس لا يُمحى على مرِّالأيام؛ لذلك أمر الله عباده بأن يجمِّلوا ألسنتهم بالكلام الحسن، وضرب لهم مثلاًحيَّاً يصوِّر فيه قداسة الكلمة الطيِّبة.
إن الكلمة الطيِّبة ترجمة صادقةللشعور الطـيِّب والإحساس النبيل، تحمل بين حروفها دفء الحبِّ ولذَّة العطاء،وسعادة التواصل الرفيع بين إنسان وإنسان؛ فتتجمَّع حولها القلوب المتلهِّفة،والنفوس المتعطِّشة لجني ثمرها، والتنعُّم بخيرها المتجدِّد كلَّ عام ، ولئن كانتجذور الشجرة الطيِّبة تتفرَّع في جوف الأرض، فإن الكلمة الطيِّبة تتفرَّع في شغافالقلب، بينما تصعد فروعها إلى سماء النفس فتجلوها، وإلى مرآة الوجدان فتصقلها،وتنشر على من حولها ظلال الإيمان الندية، فهي لبنة أساسية في صرح السعادةالإنسانية.
إن الكلام الطيِّب رحيق الأنبياء ولغة المؤمنين الصادقين، والمؤمنالحقُّ هو من تخلَّق بخلق القرآن، فسما تفكيره، وتهذَّبت مشاعره، فانعكس هذا كلُّهعلى كلامه وتصرفاته، فهو هادئ، رزين، وقور، لا يلفظ إلا كلاماً موزوناً طاهراًنقيّاً، فهو إمَّا أن يأمر بمعروف أو ينهى عن منكر، وإمَّا أن يصلح بين الناس، أويعين على عمل نافع. وقد وجَّه القرآن إلى ما ينبغي أن تكون عليه مجالس المؤمنينبقوله تعالى: {لا خيرَ في كثير من نَجْوَاهُمْ إلاَّ مـن أَمَـرَ بصدقـةٍ أو معروفٍأو إصلاحٍ بين النَّاس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجراً عظيما } النساء/ 114 كما وجَّه القرآن إلى وجوب أن يكون كلامنا صادقا موزونا يراد به الوصولإلى الحقِّ، وإلى إقامة المجتمع الصالح السليم البنية، قال تعالى: {يا أَيُّهَاالَّذينَ آمَنوا اتَّقوا الله وقولوا قولاً سَديداً . يُصْلِحْ لَكُم أَعمالَكُمويَغْفرْ لَكُم ذُنوبَكم ومَنْ يُطِعِ الله ورسولَهُ فقد فازَ فوزاً عَظيماً} الأحزاب/ 70 - 71 هذا فيما بين الإنسان وبين إخوانه في الإنسانية، أمَّا فيما بينهوبين ربِّه، فلسانه دائم التسبيح والتحميد والتمجيد والدعاء، ولا يدور إلا بكلماتالذِّكر والشكر لله، فالمؤمن قرآن متحرِّك، سلوكه سلوك الأتقياء، وأقواله أقوالالأنبياء، لا غضب، ولا فُحش، ولا إسفاف ولا مبالغة، ولا لغو، وإذا غضب فإنه يملكنفسه ويصونها عن الانزلاق في مهاوي السفاهة والابتذال، قدوته في ذلك رسول الله صلىالله عليه وسلم الَّذي ملك قلوب الناس بكلامه الطيِّب، وقوله الليِّن، أمَّا منهلهالَّذي يستلهم منه كنوز الكلِم ولآلئه، فهو القرآن الكريم الَّذي سبى القلوب ببيانهالأخَّاذ...
اللهم طهر أقوالنا من اللغو، وأعمالنا من العبث، وإرادتنا من الوهن،وأنفسنا من الشح، وألسنتنا من الكذب، وأعيننا من الخيانة، وقلوبنا من النفاق،وعبادتنا من الرياء.