كثر الناقدون لمواقف شيخ الأزهر محمد سيد الطنطاوي، وبلغت الانتقادات درجة بعيدة المدى من الحدّة والانتشار عقب موقفه الأخير من قضية الحجاب وتقنين حظره في فرنسا، وواضح أنّ هذه الانتقادات معبّأة بالغضب والسخط نتيجة مواقف سابقة معروفة، وجدت كالموقف الأخير الرفض من الناحية الشرعية الفقهية من جانب علماء أجلاّء موثوقين.
إنّما تشارك جهات عديدة تشارك في هذه الحملة من منطلقات أخرى، فلا تدافع من خلال ذلك عن الإسلام وأحكامه وعن المسلمين تجاه ما يتعرّضون له من ضغوط متصاعدة إلى درجة خطيرة، بل عُرف عن أصحابها أنّهم طالما انتقدوا الأزهر بشدّة نتيجة مواقف أخرى يدافع بها عن الإسلام والمسلمين، لا سيّما تجاه الخارجين على نهجه وثوابته باسم إبداع منحرف وأدب لا يلتزم بالثوابت الخلقية والحضارية للأمّة وعقيدتها.
وإذا كان فريق من المخلصين يرفضون إخضاع الأزهر وكلمته لاعتبارات وإملاءات سياسية، فإنّ ذلك الفريق يرفض أن يكون للأزهر وعلمائه نصيب أصلا في الدفاع من منطلق الإسلام عن الأمّة وعقيدتها في أي مجال من مجالات الحياة، بل يريدون أن يكون مع الإسلام نفسه حبيس جدران أربعة، داخل المنازل أو المساجد، لينطلق العابثون بحياة الأمّة على هواهم دون مجرّد سماع كلمة إسلامية رافضة أو ناصحة، توجّه الجيل المسلم في حمأة حملات الانحراف به عن دينه.
إنّ الرفض الواجب والمشروع لموقف صدر عن شيخ الأزهر وغلبت الاعتبارات السياسية عليه، لا ينبغي تضييعه وتمييعه، كما لا ينبغي "توظيفه" أداة في حملات العداء للإسلام ومؤسساته وعلمائه ونهجه.
وكلّ من عرف الإسلام حقّ المعرفة والتزم به يدرك أنّه لا يوجد معصوم بعد النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ولا يجد في رفض موقف أو أكثر من مواقف شيخ الأزهر إلاّ الدفاع عن الإسلام وعن الأزهر نفسه.
إنّنا أحوج ما نكون هذه الأيام إلى مؤسسات إسلامية مستقلّة ترتفع بنفسها وبمواقفها فوق الضغوط والجراح، وفوق المآسي والكوارث، وفوق الضغوط السياسية والمصالح الآنية، لتكون بعلمائها المخلصين ومواقفها السديدة منارات أمام الجيل المقبل على إسلامه، الباحث لدى علمائه ودعاته عمّا يرشد إلى الطريق القويم والعمل الصالح.
وإنّنا أحوج ما نكون إلى علماء ودعاة ومفكّرين وإعلاميين يثبتون وجودهم من خلال مواقف الجهر بالحق في وجه الباطل، وبيان الصواب وسط حملات التضليل والتزييف، ويكتسبون ثقة الجيل الذي يكاد يفقد الثقة بكلّ ما حوله نتيجة ما نعانيه من الوان التخلّف والضعف والتفرقة والهوان.
أمّا الأزهر فله عطاءاته التاريخية المديدة ولا يضيره خطأ أيّ عالم من العلماء، ولكن يضير المسلمين جميعا أن يصبح الأزهر نفسه مستهدفا بسبب أخطاء العلماء، فكلّ عالم بشر، إذا احتلّ موقعا من المواقع أو منصبا من المناصب، فهو يأتي ويرحل، أمّا مؤسساتنا الإسلامية فعليها المعتمد بعد الله عزّ وجلّ في أن تخرج بنفسها وبالأمّة من حولها من الواقع الراهن، وأن تأخذ بأيدي أبنائها البررة على طريق بناء المستقبل المنشود.