التعرض للذات الإلهية في الشعر
الشويعرون الجُدد بين المُقدّس والمُدنّسبقلم: محمد حسين بزي
طفت في الآونة الأخيرة ظاهرة سلوكيّة (أخلاقية) في النشر الإلكتروني تستدعي بعض التأمل من جهة، والكثير من المعالجة والمكاشفة الصريحة من جهة أخرى، وهي ما أسميتها "الشويعرون الجُدد".
شخصٌ يجلس خلف الشاشة ساعة من الزمن؛ يقلب في المنتديات والمواقع؛ ويخرج علينا بــ "قصيدة" عصماء غالباً ما يختار تسميتها بالشعر الحُرّ هروباً من العروض والتفعيلة، أو تقصّداً ونباهة.
وما أثار دهشتي أنَّ المدح والإطراء يتنزل عليهم بتدافع وتسابق لم يعهد من ذي قبل.
هل الدافع هو عدم الإحساس بواجب الوقت ؟
أم التعبير عن مشاكل نفسية تجد في فضاء "النت" صدى للهروب منها ؟
أم هو الخواء الروحي الناتج عن طغيان المادة والآلة، ومنها الحاسوب طبعا ؟
أسئلة تفضي إلى أسئلة، ولكن أن يصل الأمر حدَّ التهاون في التعاطي مع الذات الإلهية، وعقيدة التوحيد الخالص تحت مسميات المعرفة والتأمل والتصوّف والعرفان؛ فهذا لعمري ما لا يسكت عنه.
درسنا الفلسفة والعرفان لسنوات وسنوات؛ ومحورية درسنا كانت تقوم على مظاهر الأسماء وتجلياتها؛ باختلاف مدارس العارفين والفلاسفة؛ وحقبهم الزمنية، ولم يتجرأ أساتذتنا ولا أساتذتهم أن يقاربوا موضوع الذات الإلهية إلا بالإلماح المُخفّف؛ إذا صحت التسمية، أما وأن نتطرق للذات الإلهية؛ أو للإله الحق على نحو أنه (يأكل) و (يكره) و (يركل) وما إلى ذلك من أفعال المخلوق.. والعياذ بالله، ومن ثم نعطيه درساً في كيفية معاملة خلقه والتودد إليهم؛ فضلاً عن رحمته لهم ! فهل بعد هذا من جرأة على التوحيد الحق، والأدهى أننا ننسب كل ذلك للمعرفة والتأمل والصفاء والتفكر والتدبر وما إلى ذلك من عبارات الخداع القبيح.
يبدو أن البعض بحاجة إلى (إله) على مقاسه.. على مقاس عقله ونفسيته واستبطاناتها، وعلى مقاس أمنياته وأحلامه الدنيوية والماورائية، وليس بحاجة إلى الإله الحق الذي يجب أن يُعبد.. _على طريقة الكوجيتو الديكارتي_.
سيقول قائل: هذا الكلام سينفر الشويعرين الجدد من الدين، وقد يضيف: من انتدبك للدفاع عن الله ؟
وأجيب: نحن ندافع عن أنفسنا عندما ندافع عن عقائدنا، ومن يريد أن ينفر من الدين سيجد ألف عذر وعذر، ولن ينتظر كاتب هذه السطور ليعفيه من واجباته.
وأختم هذا القسم: إنَّ النظر للبهاء المطلق في الوجود؛ لا يدركه من قصرت بصيرته عن إدراك نور الحق في قلبه، وإنَّ للإله شريعة تنظم العلاقة بين الخالق والمخلوق، ويجب أن تُتبع إذا ما أردنا الوصول الحق للحق سبحانه وتعالى عما يصفون.
إنّ بين المُقدّس والمُدنّس في هذا المقام؛ مسافة لا تدرك بفذلكة اللغة وإعمال البهرجة الإعلانية على قاعدة : خَالفْ تُعْرَف .. وهي مسألة أخلاقية سلوكية بالدرجة الأولى، وإلاَّ فالتخبط؛ ومن ثم الهوان هما المآل لا ريب.
وأنتهزها فرصة للإستفادة من أرائكم النيّرة حول هذا الموضوع، فضلاً عن السبل الكفيلة بضبطه والتصدي له.
نسأل الله العصمة في أمر ديننا ودنيانا، وأن لا يبتلنا بزخرفة المعرفة المتوحشة حتى لا نُسلَب الحسّ الرفيع، وأن لا ينعم علينا بفضائل لا تنفع الناس، وأن يجعلنا من الذين: "كبر الخالق في أنفسهم فصغر ما دونه في أعينهم"، والحمد لله ربّ العالمين.
ملحوظة (1): كنت تداولت في هذا الموضوع قبل شهرين مع الصديق العزيز جمال رزق، وأخذتني يومها مشاغل الحياة عن كتابته. فحقَّ أن أذكره بالشكر؛ ولجمال ولكم سادتي كل الود.
ملحوظة (2) نشرتُ هذا المقال قبل يومين بــ "قضايا ساخنة" بعنوانه أعلاه.
بيروت 9/4/2009م.
</B></I>__________________
إلهي علمني كيف أحيا..؟
لأتعلم كيف أموت.