أحدث المشاركات
صفحة 1 من 3 123 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 30

الموضوع: العنكبوت

  1. #1
    الصورة الرمزية كاملة بدارنه أديبة
    تاريخ التسجيل : Oct 2009
    المشاركات : 9,824
    المواضيع : 195
    الردود : 9824
    المعدل اليومي : 1.85

    افتراضي العنكبوت

    العنكبوت

    نسجت العنكبوت خيوط بيتها في زاوية فوق سرير الزّوجين، محتلّة مساحة واسعة من تلك الزّاوية، وكأنّها واثقة من ديمومة الإقامة.
    نظر الزّوج بعينيه الّلتين أثقل تعب النهار جفنيهما إلى أعلى الغرفة ليريحهما، فوجسَ خيفةً، لأنّ عيونا جاحظة تحدّق به .
    استعاذ من الشّيطان وفرك عينيه ليمعن النّظر فيما تراءى له، فرأى العيون لا تزال ترسل سهام نظراتها صوبه.
    قفز من مكانه ورجيف قلبه يراقص جنبات صدره، أحضر عصا ليهدم البيت على ما فيه، إلّا أنّ العنكبوت استطاعت الإفلات، ووقعت أرضا. فبدأت رحلة البحث المضنية، حيث لم يترك بقعة إلّا ونبشها إلى أن تمكّن من إيجادها متشبّثة بأسفل السّرير، في بيت يختلف عن ذاك الذي قطّع أوصال شباكه. لمس الخيوط بعصاه وهو يدرك أنّ أوهن البيوت بيت العنكبوت، ولكنّه لم يستطع له نقبا، وكأنّ تلك الخيوط الحريريّة قد أصبحت مطّاطيّة ومتماسكة، تتجول العنكبوت داخلها بحرية واطمئنان.
    اعتراه العجب، وازداد ارتفاع صدره وهبوطه، فقرر اقتلاع البيت بأكمله. أخذ سكّينا وبدأ بنزع الأوتاد اللّاصقة بخشب سريره، وكلما أفلح بانتزاع واحد، أحسّ أنّ العنكبوت تفرز نسيجا جديدا حولها لحماية نفسها، وفي ذات الوقت تضاعِف غدّته الكظرية إفراز "الأدرينالين"، ممّا جعل التّعب ينال من جسمه الحظّ الوفير.
    استمر في محاولته إلى أن خارت قواه، لأنّ حصن العنكبوت كان منيعا.فوقع أرضا وجسمه ينضح عرقا.
    عزفت الساعة ألحانها معلنة السّابعة صباحا، فاذا به يستفيق مذعورا وباحثا في جنبات غرفته، مقلّبا فراشه الذي غادرته زوجته لتحضّر طعام الإفطار للعائلة. لكنّ محاولاته باءت بالفشل، ولم يجد العنكبوت، رغم أنّه يدرك أنّ شعار النّظافة هو من شعارات زوجته المقدسّة، وأنّها لا تسمح لتلك الخيوط الواهية أن تمكث في بيتها لحظات – هذا إن أفلحت العنكبوت في دخول البيت! إلّا أنّ بعضا من الخوف الذي عاشه أثناء حلمه قد ترك عليه أثرا في يقظته.
    دخلت زوجته الغرفة متفاجئة من الفوضى التي أحدثها ، وسائلة إيّاه عمّا يبحث، فأخبرها أنّه رأى في منامه عنكبوتا في السّرير، وربما يكون ما رآه حقيقة .
    أفترت شفتاها عن ابتسامة ساخرة هامسة: لا تجرؤ حشرة أصغر من العنكبوت على دخول بيتي، فاطمئنْ!.
    غادر البيت متوجّها إلى عيادته، والأفكار تجول تلافيف دماغه وتأبى أن تلقي عصا التّجوال. فهو يخاف العناكب منذ صغره، حيث وضع له أحد التلاميذ عنكبا في حقيبته، ولمّا أخرج كتبه صرخ هلعا، فأثار ضحك وسخرية زملائه!.. . فلماذا يرى العنكبوت الآن في منامه وتحديدا في غرفة نومه؟!
    داهمته التساؤلات والحيرة...
    بحث بين كتبه عن كتاب لتفسير الأحلام أهدته إيّاه ذات مرة إحدى مريضاته، التي تؤمن كثيرا بهذه التفسيرات التي كتبها "ابن سيرين". اطّلع على باب تأويل الهوام والحشرات في المنام، فاذا بتفسير رؤية العنكبوت في المنام لمما يثير الاستغراب والعجب . فهي امرأة فاسقة تهجر زوجها...
    طوى الكتاب وأبعده عنه متضاحكا، ثم أكمل يومه والتّعب ينال من جسمه نصيبا، والفكر يحتلّ من عقله مساحة!
    ما لهذا الكابوس الّلعين يرسم دائرة حولي، مطوّقا فكري وجسدي؟!
    كيف أسمح أنا الطّبيب لمثل خرافات التّفسير هذه، أن تأخذ دقيقة من وقتي؟! يجب وضع حدّ لذلك!
    خاطب نفسه وجلس أمام شاشة التلفاز بعد عودته إلى بيته،، ثقلت أهداب جفنيه محاولة شدّهما إلى الأسفل للإغماض،
    فتحوّلت صور بعض النساء المعروضة أمامه مسوخا لعناكب تحدّق فيه عبر زجاج الشاشة.
    غضب وترك الغرفة ممسكا رأسه بكلتا يديه لثقله. وما أن رمى برأسه على مخدّته، حتى تحوّلت كلمات تفسير "ابن سيرين" إلى شريط لا يتوقف عن العرض أمام عيون مخيّلته. امرأة فاسقة... امرأة فاسقة...
    استجرّ لشيطان تفكيره الذي صرعه، وبات عبدا له.
    فكّر ب "أسمى" زوجته، التي تذكّر أنّها قلّلت من اهتمامها به خلال الأسبوع الأخير، بعد أن كانت تكثر من مهاتفته، وإرسال الرسائل الخليوية، لتخبره بكلّ شاردة وواردة.
    تفحص الرسائل فوجد أنّها لم تكتب له منذ عشرة أيام!
    أيعقل أن يكون هذا الحلم تنبيها لي لفحص سبب انشغال زوجتي عنّي؟... تساءل محتارا، وبدأت تتجاذبه حبال الشكّ يمنةً، وخيوط اليقين يسرة!
    جلس يرتشف قهوة الصّباح مع "أسمى"، وأثناء حديثهما طلب منها أن تتصل به عندما تريد أن تذهب لقضاء حاجاتها، وألّا تتردّد كثيرا على صالونات التّجميل كما اعتادت، والأفضل أن تكون ملابسها أكثر احتشاما وذات ألوان داكنة!
    استغربت "أسمى" هذه الطلبات المفاجئة، لكنها لم تمتعظ. وقالت له: سأحادثك فيما بعد.
    مرّ أسبوع والزّوج لا يعرف هدأة للبال، فصار يخرج أحيانا بعد أن تتصل به زوجه ليتأكد من صحة ما تخبره به.ولكم صعق بعد أن رأى سيارة "أسمى" رابضة أمام محل لبيع الملابس الرّجاليّة.
    دخل خلسة إلى المكان،جال في أركانه، فلم ير زوجته،اخترق أذنيه صوت رقيق يحادث رجلا ينبعث من آخر الردهة، تتبع الصوت،فرأى أن زوجته تجلس قبالة الرّجل، وعلى يمينها مغلّف منتفخ حاولت إخفاءه لمّا رأته ،وهمّت بتحريك شفتيها لترشّ في وجهه أجمل كلماتها كما عوّدته! إلّا أن شفتيها بقيتا متشنّجتين عندما طرقت مسامعها كلمة ( ط ا ل ق ) من زوجها الذي لم يتمالك أعصابه، ورجمها بكلمات شريط كابوسه التي لم تفهمها: العنكبوت امرأة فاسقة !...
    في المساء، قرع أحدهم باب بيته ليقدم له مغلّفا منتفتخا، طبعت عليه قصيدة كان يكثر من إسماعها لزوجته، وأبلغه أنّ امرأة تدعى"أسمى" كانت قد طلبت إيصال هذه الهديّة في هذا الوقت إلى هذا العنوان!
    تبعه آخر يقدم له باقة من الورود المزّيّنة بكلمات شبكَتْها خيوط حريريّة: يوم ميلاد سعيد، وحياة رغيدة، ومعا إلى الأبد!...

  2. #2
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jan 2010
    الدولة : على أرض العروبة
    المشاركات : 34,923
    المواضيع : 293
    الردود : 34923
    المعدل اليومي : 6.71

    افتراضي


    دخول مباشر في جو النص قاد بذكاء الى تضادية الواقع والحلم
    وغوص عميق في صراعات البطل الداخلية للوصول الى حالة من التوازن بين إلحاح سريرته، ومعطيات الواقع التي تنافي كل ذلك، ليبحث فيها باصرار عن مقومات ترسم الكاتبة منها عقدة الحبك ، لينتصب دليل الخيانة ماثلا أمامه في واحد من أكثر لحظات الزوجة اغراقا في الاخلاص له...
    وبتقسيم لحظة التنوير على مرحلتين حرصت الكاتبة على استباق توقعات القاريء وتقديم العكس

    قصة رائعة محكمة السبك وبديعة البناء
    دمت متالقة غاليتي
    تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

  3. #3
    الصورة الرمزية عبد الله راتب نفاخ أديب
    تاريخ التسجيل : Jun 2010
    الدولة : دمشق - سورية
    العمر : 38
    المشاركات : 1,624
    المواضيع : 234
    الردود : 1624
    المعدل اليومي : 0.32

    افتراضي

    صدقاً فنية عالية ... و قدر على ربط أواصر النص و سحبنا معك إلى النهاية و نحن على غاية من الاهتمام و التربص لنشهد مأساة الختام .....
    حقاً الإبداع يظهر واضحاً في قدرتك على القص و التأثير ....
    دمت بخير
    الأدب شريعة ربانية لا يصلح لها إلا المصطفون من أرباب القلوب

  4. #4
    الصورة الرمزية آمال المصري عضو الإدارة العليا
    أمينة سر الإدارة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Jul 2008
    الدولة : Egypt
    المشاركات : 23,786
    المواضيع : 392
    الردود : 23786
    المعدل اليومي : 4.13

    افتراضي

    القاصة المبدعة الأستاذة / كاملة بدرانة
    بل نسجتِ أحداث القصة باحترافية القاصة المتمرسة وسخرتِ كل أدواتك هنا لنمسك بتلابيب الواقعة ونتيقن الخيانة حتى لحظة التنوير التي حولت عامل الشفقة على الزوج المخدوع إلى صدمة صامتة ننعي بها وفاء الزوجة له
    الفكرة ليست جديدة ولكن الجديد هنا اختيار الأداة التي نسجت حولها الحكاية
    فبعض من الرجال كثيري البحث وراء المرأة عن الخيانة وإن كانت خيوطها وهنة

    دمت رائعة ... وسلم اليراع
    تقديري
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  5. #5
    الصورة الرمزية كاملة بدارنه أديبة
    تاريخ التسجيل : Oct 2009
    المشاركات : 9,824
    المواضيع : 195
    الردود : 9824
    المعدل اليومي : 1.85

    افتراضي

    الشاعرة المتألقة ربيحة الرفاعي
    شكرا لك ولفراءتك القيّمة التي تنير للقارئ دروب الغوص بين السطور ، وتضيء السّراج الذي يعلقه الكاتب ويحتاج للمتنورين لإشعال فتيله .
    دام مقامك مرفوعا يا ابنة الرّفاعي
    تحيّتي وإعزازي

  6. #6
    الصورة الرمزية كاملة بدارنه أديبة
    تاريخ التسجيل : Oct 2009
    المشاركات : 9,824
    المواضيع : 195
    الردود : 9824
    المعدل اليومي : 1.85

    افتراضي

    ألأديبة والقاصّة المتميّزة رنيم
    يسعدني أن أقرأ لك ما يخطّه قلم فكرك النيّر تعقيبا على كتابتي وعلى كتابات الزملاء الآخرين، فهي دائما في الصّميم .
    شكرا لك ودمت متألقة تنسجين الحروف في لوحات بهيّة .
    تحيّتي وإعزازي

  7. #7
    الصورة الرمزية كاملة بدارنه أديبة
    تاريخ التسجيل : Oct 2009
    المشاركات : 9,824
    المواضيع : 195
    الردود : 9824
    المعدل اليومي : 1.85

    افتراضي

    شكرا لك استاذ عبدالله على مرورك وكلماتك النيّرة .
    دمت بخير ودمت مشعلا في بساتين الإبداع.
    تحيّتي

  8. #8
    الصورة الرمزية محمد ذيب سليمان مشرف عام
    شاعر

    تاريخ التسجيل : Jan 2010
    المشاركات : 19,255
    المواضيع : 522
    الردود : 19255
    المعدل اليومي : 3.70

    افتراضي


    الأخت الرائعة كاملة بدارنة
    نص ذو فنية عالية في الأداء
    يمسك بنا الى آخر رشفة
    ومما يثير العجب وهذا موجود بكثرة عند الكثير
    التعلق بتفسير الأحلام الذي يجر غالبا الى ما وصلت اليه الفكرة
    إضاءة على نقطة كانت تحتاج الى ذلك
    شكرا للإبداع

  9. #9
    الصورة الرمزية كاملة بدارنه أديبة
    تاريخ التسجيل : Oct 2009
    المشاركات : 9,824
    المواضيع : 195
    الردود : 9824
    المعدل اليومي : 1.85

    افتراضي

    السلام عليكم أستاذي الفاضل
    شكرا لك على كلماتك الداّعمة ومرورك البنّاء
    ما نراه في المنام ربّما يكون حلما يفرزه "اللاوعي" أثناء النّوم معبّرا عمّا نفكّر به نهارا. وربّما كان رؤيا تحتمل التّأويل "أفتوني في رؤياي" . المهم في الأمر أن يدرك الرّائي حقيقة ما يرى ويحكّم عقله والّا يكون ضحيّة ما لا يحتمل أن يكون، ويدفع الثّمن نتيجة اوهام تمكّنت من نسج خيوطها بإحكام حول الفكر وصحّته !
    تقديري واحترامي

  10. #10
    قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Apr 2010
    المشاركات : 450
    المواضيع : 12
    الردود : 450
    المعدل اليومي : 0.09

    افتراضي

    لاأحسن الرد كأساتذتي
    ولكني تعمقت في صياغة فن إبداع لقصة مميزة ومشوقة لآخر تفاصيلها استطعمت ذائقتها من فنك الملم على بينة ماتحمله الحقائق
    أستاذتي القديرة/كاملة

    تحية عطرة لهذا الأبداع الراقي والسرد المفعم بالنصوص المحبوكة بدقة وبراعة

    تقبلي مروري

    دمت بخير

صفحة 1 من 3 123 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. راقصة على خيوط العنكبوت
    بواسطة عتيق بن راشد الفلاسي في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 22
    آخر مشاركة: 01-07-2022, 11:44 AM
  2. في نسيج العنكبوت
    بواسطة مصطفى بطحيش في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 23
    آخر مشاركة: 05-07-2006, 12:32 PM
  3. بيت العنكبوت بعد تساقط حباتِ المـطر..
    بواسطة أسماء حرمة الله في المنتدى فُنُونٌ وَتَّصَامِيمُ
    مشاركات: 16
    آخر مشاركة: 05-05-2006, 04:10 AM
  4. وإن أوهن بيت لبيت العنكبوت
    بواسطة بنت بجيلة في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 12
    آخر مشاركة: 13-11-2005, 08:56 AM
  5. شبكة العنكبوت
    بواسطة ابو الطيب في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 19-05-2003, 01:05 AM