بسم الله الرحمن الرحيم
إن ديننا الإسلامي دين عزّة و كرامة، و إن كان أهله اليوم قد ضلوا السبيل بل و أضلوا كثيرًا، إلا أن الحق حقًا و لو كره المبطلون و ستعود الغلبة للمسلين بعزِّ عزيزٍ أو بذل ذليل..
و قد فرض الشارع جلّ و علا علينا فريضة الجهاد، و ضبطها بضوابط، و حدّها بحدود، فليس الجهاد الإسلامي حماسة و اندفاع، كذلك ليس تراخٍ و تهاون و تكاسل، و سنستعرض معًا فقه الجهاد كاملاً بحول الله و قوته ..
فضل الجهاد:
إن الجهاد في الإسلام له مكانة خاصة ، ومنزلة سامية ، وإن الإنسان ليعجب من كثرة النصوص الدالة على فضله ، واستفاضتها وثبوتها ، صحة ودلالة ، ومع ذلك تنكبه عامة المسلمين اليوم ،فركبهم من الذل و المهانة ،مالم يمر على هذه الأمة ، من بعثة بنبيها صلى الله عليه وسلم إلى عصرنا هذا مثله .
و قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الجهاد : " لم يرد في ثواب الأعمال وفضلها مثل ما ورد فيه "
و ذكر: " نفع الجهاد عام لفاعله ، ولغيره ، في الدين و الدنيا ، ومشتمل على جميع أنواع العبادات الباطنة و الظاهرة ، فإنه مشتمل من محبة الله تعالى ، والإخلاص له ، والتوكل عليه ، وتسليم النفس و المال له ، و الصبر و الزهد ، وذكر الله ، وسائر أنواع الأعمال على مالا يشتمل عليه عمل آخر "
و قد وردت الأدلة و النصوص الدالة على فضله و نذكر منها ما يلي:
1- قال تعالى: (( قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم و يخزهم و ينصركم عليهم و يشف صدور قومٍ مؤمنين ))
2- قال تعالى : (( كتب عليكم القتال و هو كره لكم و عسى أن تكرهوا شيئًا و هو خير لكم و عسى تحبوا شيئًا و هو شر لكم و الله يعلم و أنتم لا تعلمون ))
3- قال تعالى: (( و لا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتًا بل أحياء عند ربهم يرزقون ))
و هذا المفهوم تفرد به الإسلام عن سائر الأديان السماوية، فكيف يقتل الرجل و يبقى حيًّا!
أحياء لهم كل خصائص الأحياء، فهم يرزقون ، وهم فرحون ، وهم يستبشرون، إنها حقيقة كبيرة ، ذات قيمة ضخمة ، وآثار عميقة في مشاعر المؤمنين ، واستقبالهم للحياة و الموت ، وتصورهم لما هنا وما هناك ، كما يقول الاستاذ سيد قطب . يقول الاستاذ الأديب سيد قطب عن الشهداء : " لا يجوز أن يقال عنهم أموات ، لا يجوز أن يعتبروا أمواتاً في الحس و الشعور ، ولا أن يقال عنهم أموات بالشفة و اللسان ، فهم أحياء بشهادة الله سبحانه ، فهم لابد أحياء .
إنهم قتلوا في ظاهر الأمر ، وحسبما ترى العين ، ولكن حقيقة الحياة لا تقررهما هذه النظرة السطحية الظاهرة .. 1/143
4- قال صلى الله عليه وسلم : " إن في الجنة لمائة درجة ، ما بين الدرجة و الدرجة ؛ كما بين السماء و الأرض ، أعدها الله للمجاهدين في سبيله " متفق عليه .
5- وقال عليه الصلاة و السلام : " من اغبرت قدماه في سبيل الله ؛ حرمه الله على النار " رواه البخاري .
6- وقال أيضاً : " رباط يوم وليلة في سبيل الله ؛ خير من صيام شهر وقيامه ، وإن مات أجري عليه عمله الذي كان يعمله ، وأجري عليه رزقه ، وأمن الفتان " رواه مسلم .
7- وقال رجل لرسول عليه الصلاة والسلام : يا رسول الله أخبرني بشيء يعدل الجهاد في سبيل الله ؟ قال : لا تستطيع . قال : أخبرني به ؟ ، قال : هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تصوم لا تفطر ، وتقوم لا تفتر ؟ قال : لا ، قال : فذلك الذي يعدل الجهاد " متفق عليه .
و النصوص السابقة هي فضل الجهاد، أما عن فضل الشهادة و الترغيب فيها فهو أعظم و أجل:
1. فعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : ما أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا ، وإن له ما على الأرض من شيء ، إلا الشهيد ، فإنه يتمنى أن يرجع إلى الدنيا ، فيقتل عشر مرات ، لما يرى من الكرامة " متفق عليه .
2. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " و الذي نفسي محمد بيده لوددت أن أغزو في سبيل الله فأقتل ، ثم أغزو فأقتل ، ثم أغزو فأقتل " متفق عليه .
3. وعن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين " رواه مسلم .
4. وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " رأيت الليلة رجلين اتياني فصعدا بي الشجرة ، فأدخلاني داراً هي أحسن وأفضل ، لم أر قط أحسن منها ، قالا لي : أما هذه فدار الشهداء " رواه البخاري .
5. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال : " إن أرواح الشهداء في أجواف طير خضر ، تعلق من ثمر الجنة ، أو شجر الجنة " رواه الترمذي وصححه ، وتعلق : أي ترعى من أعالي شجر الجنة .
6. وعنه - رضي الله عنه - أنه صلى الله عليه وسلم قال : " ما يجد الشهيد من مس القتل ؛ إلا كما يجد أحدكم من مس القرصة " رواه الترمذي وصححه .
7. وعن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال : " الشهيد يشفع في سبعين من أهل بيته " رواه أبو داود وصححه ابن حبان .
و نجد في حياته عليه الصلاة و السلام أن الجهاد سكن كل جوانبها.
فقد بدأ الجهاد في مرحلة مبكرة من مراحل دولته الجديدة في المدينة ، بدأ به بعد سبعة أشهر من هجرته صلى الله عليه وسلم ، سبعة أشهر فقط ، وليس بعد سبع سنين ، وكان أول لواء عقده صلى الله عليه وسلم ؛ لواء أبيض ، عقده لحمزة بن عبد المطلب ، في شهر رمضان ، على رأس سبعة أشهر ، من مهاجره وكان حامله أبو مرثد كناز بن الحصين ، حليف حمزة ، وبعثه في ثلاثين رجلاً من المهاجرين خاصة ، يعترض عيراً لقريش ، جاءت من الشام ، وفيها أبو جهل بن هشام في ثلاثمائة رجل .
ثم توالت بعد ذلك غزواته وسراياه وبعوثه ، فبلغت غزواته نحو سبع وعشرين غزوة ، قاتل منها في تسع : بد ر، وأحد ، و الخندق ، وقريظة ، والمصطلق ، وخيبر ، و الفتح ، وحنين ، و الطائف ، أما سراياه وبعوثه فقريب من ستين .
وكان له صلى الله عليه وسلم تسعة أسياف : مأثور، و العضب، وذو الفقار (وكان لا يكاد يفارقه) ، و القلعي ، و البتار ، و الحتف ، و الرّسوب ، و المخذم ، و القضيب .
( قلت : ويستفاد من ذلك استحباب تسمية المجاهد لسلاحه الذي يقاتل به )
وكان له صلى الله عليه وسلم سبعة أدرع :
ذات الفضول ( وهي التي مات وهي مرهونة عند يهودي ) ، وذات الوشاح ، وذات الحواشي ، و السعدية ، و فضة ، والبتراء ، و الخرنق .
وكان له ست قسيّ ، وجعبة ، وترس ، وخمسة رماح ، ومغفر ، وراية سوداء ، وبيضاء ، وصفراء ، وثلاث جباب يلبسها في الحرب .
و المقصود من ذلك كله ؛ بيان عنايته صلى الله عليه وسلم بأمر الجهاد ، ومبادرته به ، وجعله من أهم أعماله ، و الاستعداد له ، واجتماعه عليه صلى الله عليه وسلم .
هكذا قامت دولة المسلمين، و هذا الفضل الذي خلّفه الجهاد الإسلامي عندما كان فريضةً تطبق و واجبًا يبذل فيه النفيس و الغالي.
الدرس القادم بإذن الله سيمشل:
- تعريف الجهاد و أنواعه
- أحكام مرحلية ترتبط بواقع المسلمين
- أركان الجهاد
و الحمد لله ربِّ العالمين