جولة أخرى في عالم الخاطرة .. فقد استحوذ ني هذا العلم بكل جدارة ، وأسرى لي بكل مقتنياته الأدبية ، فاتجهت إلى طرح كل ما لدي بشكل يلفت الأنظار ، كي يتلقفه كل من يود المعرفة والحصول على المعنى و مردوده بسهولة ويسر ، على أن يكون الموضوع بقالب مثير جداً ، فاتخذت من النثر الشعري صورة للعرض دون ان أتسبب في تشويه المعنى في العرض .. لأكون في بيان مستقل يبرز مكامن الغاية من الطرح المقصود ، وفي نيتي أن انقل للجميع ما ادخره من صور شتى بتغليف قل ما يعرض في الخاطرة . لان مفهوم الخاطرة في يومنا هذا وبعد انتشار العرض على الشبكة العنكبوتية صار ينحصر على إبراز المشاعر الجياشة وتبادل الرسائل العاطفية المشحونة بالأشواق والأحاسيس الفاتنة .
هنا أصبحت الخاطرة ذاتية المعنى بحروف منمقة لا تعرف سوى التعبير الشخصي ، وهذا الأسلوب مرفوض قطعاَ ، لأنها خرجت عن كونها فناً أدبيا وانتقلت إلى عرض الرسائل الخصوصية المتبادلة ، وهذا لا يعني للقارئ بشيء ، إذ وجدت لتؤدي غرضا ذاتيا للوصول إلى غاية محددة .
وهنا أقدم هذا النوع من الخواطر ذات النص النثري لتقييم السلوك الفردي
أمسية
لأول مرة أجد نفسي مشدوداً إلى حوار شامل . ولأول مرة أدع القلم تحت تأثير لاإرادي ، وبدافع وجداني ، ليتكلم ، وينطق بصراحة ، ولم أكن مثل هؤلاء الذين يستخدمون العبارات التقليدية ، لينطلقوا من عالم الوهم ، إلى عالم الحقيقة ، وتشدو أحاسيسهم لتصل إلى حد الوصف الكلاسيكي ، وإنما دوماً أحصر كلماتي في عالم البحث الوجداني ، وينطلق شبح الإنسانية من أعماقي ، لأصرخ، وأنا عاجز عن الصراخ ، فأحبو نحو الحقيقة بكل إصرار وتأكيد .
لم يكن بودي أن أتوقع ما سمعت ، ولم أتوقع أن تأخذ المناقشة حيويتها ، بهذا الشكل الصريح . فلا يؤلمني ، ولا يعجزني عن الرد سوى الوضع الذي نحن فيه ، حاولت مراراً أن أجعل الحديث يجري وفق نهج جديد ، ويأخذ من الجدية قسطاً ، وندع ما نريد إلى وقت آخر . لكن إصرارك جعلني عاجزاً أمامك ، ولم أطمح إلى مزيد من التعليق ، وتركت الماء ينساب فوق صفحة المناقشة ، كما تركت المجال لغيري يتكلم بوضوح ، لأعرف كل شيء قبل أن أجيب .
تأملت وجهك ، ونظرت فيه بعين الثقة والاعتزاز ، عسى أن تجدي فيها رداً ، أو تعللي سبب صمتي .لكن وجدت في عنادك ، وإصرارك قوة خفية تشدني إلى أجعل تساؤلك غاية أبحث عنها في المجهول ، دون الدخول في أي مناقشة .
إنك في نظري أجمل أنثى ، وأعمق إحساساً ، وخاصة في حواري الأخير معك ، إذ تحولت كل كلمة إلى شعاع ينفذ إلى أعماقي ، ليحرق إرادتي ، ويجعلني عاجزاً عن الرد ، وفي موقفي هذا مزيد من التفاصيل الثانوية ، لأنك بلا شك ، لابد أن تراودك أشياء أو أفكار توضح ذلك . لقد وجدت فيك ما يجعلني أقلق على نفسي منك ، وان أغوص في أعماق البحر الذي كنت أخشى الاقتراب من ، فإذا بك تجعلين مني إنساناً لا يستطيع أن يقدر أبعاد مشاعره .
درجت على معاملة أي فتاة أن تكون صريحة معي ، وعم وجود حواجز تعيق تفاهمنا ، وليس مجاملة ، وإنما كأسلوب خاص يجعل من تدريس المادة الصعبة والمعقدة ، مادة سلسة ، يتفهمها الجميع بكل بساطة ن مهما كانت الوسيلة التي أستخدمها ولو كانت على حساب راحتي ، شريطة أن تكون طريقة نهجي إيجابية بكل ما فيها .
إذا كنت أنفث بذور الأمل في نفوسهن ،لتحقيق أفضل النتائج ، ليس معناه أن أتحمل مسؤولية تصرفاتهن .
كيف أرد على تساؤلهن ، وكيف أعبر عن موقفي منهن ، لابد من أن اجعل الأيام القادمة عزاء لهن في كل شيء ، حتى لا يتورطن في أكثر مما هن فيه .
إنني إنسان يبحث عن الفضيلة في مجتمع مليء بالضغائن والأحقاد ، لأصل إلى قمة المجد والشهرة وأستخدم كل إمكانياتي في مجابهة كل ضعف ، لأحقق النجاح بشتى الوسائل الصحيحة . وأجد الفتاة لا تقوى على مصارعة الخطوب ، فترمي بنفسها في أحلام وأوهام ، وبإحساس أني أفعل ذلك من أجلها . لكن سرعان ما تصحو من غفلتها ، وتعود إلى صوابها ، وتحقق النجاح ، وتسمو نحو مستقبل مشرق .
أما الخاطرة كما سبق وان قلت هي فن أدبي يقدم فحوى هواجس إنسانية ،
تصور أبعاد الحياة حسب رؤية الكاتب بطرح أنيق وتعبير جميل .
فيها تكون الرؤيا عامة ، والغاية منها توضيح موقف ما ، أو حالة يجب الاطلاع على خفاياها ، والوصول إلى ابعد مدى في استقرائها .
الخاطرة علم واسع الانتشار ، ومساحته غير محددة ، ولا تخضع لقيود الفنون الأدبية ، مثل القصة والمسرحية والمقالة . إذ تغطي اكبر مساحة أبجدية في عالم الأدب دون قيد أو شرط . لكن يجب أن تكون هادفة ، تحقق وضوح الرؤيا عند طرح أي حالة .
وهنا كتبت :
نهاية صمت
حين عانقتك000عانقت سحب السماء0
حين قبلتك 000ابتسم العالم لي
عندما تعانقت أكفنا ، تبلورت قطرات الندى ، وزادت من جمال الربيع 0
عندما التقت أعيننا ، بدأ الشلال يغني
عندما تكلمت000 تكلم الحب000وانتهت قصة الكراهية
هكذا كانت تقول لي أغاني الربيع0
* * *
انتهت قصة الأيام ، وانتهت معها رسالة طويلة لأخط بدلاً عنها رواية القدر ، وأسطورة الزمن التي عاشت دهراً تعتصر قلبي وتشدني إلى الحياة
تكلمت كثيراً
تكلمت عن الحياة 000 عن الربيع 000 عن الأزهار 000 عن الطيور 000عن000 واستدرجت قلمي لأبحث في أعماقي عن سطورٍ فيها شيئاً يواسي ألمي ، ويشفي جراحي ،فلم أجد سوى ألماً يضني ، وجراحاً يدمي 0
* * *
لماذا ؟
لماذا لم تتكلمي آنذاك ؟ !000 عندما سألتك يوماً 000 أن !000 فلم تجيبي
عندما عانقتك شعرت بضيقٍ يقضي مضجعك 0
عندما اهتزت أصابعي تراقص خصلات شعرك ، ارتعدت أوصالك0
عندما راحت أكفي تبحث عن الدفء ، لتضمك إلى صدري 000تألمت صرخت000 انهالت دموعك … هربت من واقعك 0
* * *
أين كانت تلك الملائكة التي رقصت في عرس الحياة ؟..
أين النجوم التي أضاءت قلبك ؟..
أين السماء التي ابتسمت لك ؟..
كل ذلك كان يقيناً ، وحقيقة 000 وأنا أعمى ، أصم 0
لماذا ؟ 000
لماذا تكلمي النجوم ؟000 وتنادي الملائكة
لماذا لم أحضر زفاف الأحلام ؟
* * *
ترى!!!هل انسكبت المحبرة فوق صفحات الحب لتمحوها0 من الذي وضعها فوق دفاتري ، فوق أشعاري، من الذي أراد الانتقام من حبي ؟00 من قلبي و دموعي ، وتركني أُُرى ولا أًََرى000 هذه مذكرتي قالت الكثير ، وأقلامي حطت فوق صفحاتي ، ليغطيها المداد بظلام ، وينهي قصتنا0
* * *
نعم 000لنبدأ من جديد ،نسطر رواية فيها الكثير ، بعد أن كنا نسمع عن الحب ولا نعرفه ،نحكي عنه في الظلام ،ولا نجرؤ على الإفصاح به، نقول لهم ولا نسمعهم ، نتحدى والسر دفين أعماقنا0 متى يخرج إلي عالم النور ؟000 وتصبح الأحلام حقيقة 0 ونسمع قصيدة اللآلئ،وأنشودة العناق، ونتدثر بالأماني ،ونعبر جسر الضياع ، ونبتسم للطبيعة ،وتحكي الأيام قصتنا 0 نعم ننطلق إلى الحياة 000 بعد أن يحكم القدر علينا بالفراق ، بعد أن تندثر قصة الحب في أعماقنا ، وتموت قبل ميلادها، وتتلاشى الأحرف في حناجرنا 0
نعم 000نعم .
* * *
الخاطرة بحد ذاتها أناقة الكاتب الأدبية ، وثمرة جهد فكري مميز ، ولوحة فاتنة تعددت ألوانها ، كأنها زهور منوعة في روض زاخر بالجمال ، فانتقلت الخاطر من نص نثري إلى تثر شعري ، جمع بين اللحن الشعري والكلام السلس الخفيف .. فأعطت ملامح جديدة للخاطرة من حيث الشكل ، والتنوع الأدبي .
وهذا مثال عن الخاطرة ذات النص النثري:
الكبرياء
زهرة خرجت من كمها تواً، بسطت تويجاتها مهدا تتربع عليها نحلات ظمأى إلى رحيق الحب ، وتحوم في سمائها فراشات السعادة ، بألوانها الزاهية ، مبتهجة ، فرحة …
إنها في ربيعها السابع عشر ، تسير وسط الزحام ، لتشق طريق الأمل ، وتحطم إناء الحقد ، وتشرب كأس مرحلة جديدة من مراحل حياتها .
كبرياء الأنثى وجد من صفحة وجهها ساحة يفرض فيها وجوده ، وطغى على ابتسامتها ، وحولها إلى جدول عذب ، ينبع من شفاه الحياة ، يصعب على المرء مناله ، وينساب منه الماء حالماً ، عذباً ، سلسبيلاً .
كبرياؤها جعل منها صورة بعيدة عن متناول أيدي البشر ، فتستعر نظرتها ، وتلظي الأرواح ، وتتحول إلى لهيب يحرق الأنفاس .
كم من روح هامت حولها … كم من نفس دنت منها … وهي في كبريائها تحطم الأماني ، وتزيد من شظى اللهيب المحرق ، فتحولت نظرتها من واقعها إلى عالم الخيال و الحلم ، وأسرفت في كبريائها حتى وصلت إلى قمة الغرور .
إذا قطعت صمت الحياة في حوار معها ، وجدت منهلاً تستسيغ مآقيه ، وتستعذب ماؤه . ولو تركتها في وحدتها ، وجدتها فراشة تتهادى في سماء الرفعة والإنسانية .
لا تتعجل الأماني ، ولا تحث الخطى ، لتصبو إلى إرادة الكبرياء … إنها تنفث السم في طريق عدوها ،كي لا يقترب منها ، وتسير ثابتة الخطى … جريئة … متحدية … لا يضعفها واهي .
وتعود أدراجها إلى سكون الصمت ، لأقطع عليها وحدتها فأجد متناقضات الحياة … تنكر عليها صورتها حديثها ، كما ينكر عليها حديثها صورتها … فلا تتعجب إنها تذهلك إذا تحدثت إليها ، فلا تجد سوى فتاة تشع من عيونها الرقة والحنان ، وتضيء بكلماتها ظلام اليأس ، وتعيد إليك الحياة مثقلة بالأماني التي فقدتها ، وأحرقتها كبرياء النفس ، وعلوها .
لا يمكن أن تذلها الصعاب ، تطعن اليأس بسهم ثاقب ، لتسمو فوق إرادة الجميع ، . جعلوا منها حكاية ، وقصة ، ونعوها بحديثهم ، إذ تخطو حدود الجرأة ، ووضعوها على هاوية الخطيئة ، وتداولوا اسمها ليجعلوها سلوى حديثهم ، اتهموها ولكن ************لم يجددوا إليها سبيلاً … حنقاً ، وغضباً أشعل في رؤوسهم ثورة الحقد ، وأعادوا الكرة بثوب جديد ، وأسلوب وقح ، وإخراج دنيء ، ولم يأبهوا إلى تقاليدها وعاداتها وأخلاقها.وتطاولوا في جرأتهم ، ليطلقوا في الفضاء زفيراً ، أحرقهم زمناً . وهي ملاكاً يسير على الأرض يقص رؤوس هؤلاء ، ويدعهم في حالة من اليأس بغيضة على نفوسهم ، وقد أذلهم السؤال ، واحتقروا ذاتهم أمام عظمة كبريائها ، وشموخها .
وهذا مثال آخر عن النثر الشعري :
زهــــرة في... روض
دخلت روضي عند الصباح
احمل بيدي ... عصا متكئي
لأستعين بها عند الحاجة ... أو التعب
وأسري بها ...
بين أشجار اللوز والعنب
وأقرا ...
ما كتب على الأوراق من شجن
وأشتم عبير الزهر بلا ملل
وأقطف وردة بلون الأرجوان
لتزين محبو بتي صدرها عند الغسق
وأجول بناظري في كل مكان
فأرى طيفها يداعب الأجفان
وتتمايل الأغصان لتحنو لها
ثمرا تتلذذ بحلو المذاق
من خوخ وعناب
والتين طاب أكله
في صفحة يزينها الدر والمرجان
واسمع همسها من بعيد
تسأل ؟...
أين عاشق الورد والأزهار ؟...
هل أقطف منها وردة ؟...
أم ؟.!.... تراك تهديها لي عند المساء
أزين بها شعري الحريري
وأتعطر بعطرها ... كلما أردت لقائي
دنوت منها .... متأملا !......
سبحان الخالق الرحمن !....
بدراً أنار الروض ليلا
وشمسا توهجت لتضيء المكان
وأبرق شهب من عينيها
ليلهب قلب العاشق الولهان
وما أن مددت يدي مصافحا
حتى ألهبت بطلعتها نار الوجدان
جمرا ...سعيرا .... يحرق الأبدان
رويدك ...
أنا في حومة العشق ضعيف
أدميت جرحي بعد طول النزال
وسلبت مني العقل والقرار
وباحت بسر الهوى
لعاشق امتطى صهوة الكتمان
ونادت : ......
أيا قلب ......
إني في هواه نائحة
فهل من مجيب لينقذ آهاتي ؟....
دونــــــه ... والأيام خالية
من أنيس ... وحديث فيه هيامي
ما أشرقت شمس يوم إلا فيه ذكراه
ونور وجهه ضياء
يبهج النفس عند الأحزان
وامتشقت قامته في تحد
ليرى كل قاص ٍ .... ودان ِ ....
في حبه عنفوان الرجولة
لا يرضى الذل والهوان
من حاول سلب حقوقه
كان له بالمرصاد
أشعل الدنيا ... بنار الغيرة
وفجر براكين الثأر بكل خوان
وتكون عصاه خير عنوان
إذا جار الزمان على حبه
كان له الحامي من رجس الأشرار
ويمسح على جبيني بقبلة
تعيد لي الروح من هول الزمان
وافترش الأرض من زهر الربيع
ألوانا ... وعبيراً فواح
لتنسل إليها روحه
بعد عناء
ويستقر به المقام
وأقدم له كل طيب
فيه غذاء الروح للأبدان
وتسري بين أوصاله
آهة عشق فيها كل مراد
وتتناثر الحروف فوق سطوره
تحكي مار أته عيون الأنام ...
من هجر ...
وصد ..
وغربة الأحباب .
تجلت الأمور عند العارض وأصبحت منسجمة مع تطلعاته ، لتجعل من مجريات الأحداث اليومية ، مادة مستساغة ، تحمل بين طياتها عناوين متعددة ، ومتشعبة في أعماق الفكر الوجداني ، لبيان الرأي والرغبة في العرض ، تشمل كل شيء مرتبط بالحياة الإنسانية .. من تطلعات اجتماعية، أو تربوية ، أو قومية ، أو عاطفية .. فكلها نقاط أساسية ارتكز عليها بناء الخاطرة في شقيها النص النثري ، أو النثر الشعري .
بدون استئذان
وقفت بالباب شاحبة ...
قرعت جرس الإنذار ...
أشعلت جذوة الأحزان في نفسها يأس الكتمان ...
وتذكرت سطور أيام فيها حب الحياة ...
وتراقصت دمى الخيال في ساحة الإهمال ...
تركوها نُهبةً بين أيدي الاستغلال ...
هجرت كل ما يملكه الغلمان ...
وحملت معها أهوال الذل والهوان ...
سارت قي طريق كله أشواك ...
تبعثرت الكلمات على الأفواه ...
فقدت كل معاني الحياة ...
التوى عود الخيزران من شدة الإدمان ...
لكنه عاد وارتد منذراً بالخلاص ...
أهملوها ...
اشتعلت فيها النيران ...
فكان اليم مرتعها ، وقاع البحر مرقدها ...
سلبوها كل سبل الأمان ...
فاستل الموت إلى داخل الجدار ...
وغافلتها الأمواج ، فشربت ماء البحر دون استئذان ...
طفل رضيع ....
أم حامل ...
شيخ كبير ...
شاب يرفع صولجان الإقدام ...
في لحظة سلبوا الحياة ...
وعلى الشط ننتظر المآل ...
هل بعودة بعد الفناء ...
أم تجري الرياح بما لا تشتهي السفن ...
غادرونا ...
ونحن ننتظر اللقاء ...
وسمعنا آهة الموت تحت الماء ...
احتضرنا الأرواح في السماء ...
لنسمع صدى الأحبة في الجنان ...
بوركت يا سماء باحتضان الشهداء ...
فلا غرابة إذاً أن نجد أمامنا ساحة وافرة تفيض بكل هاتيك العروض ذات المردود المفيد . وعندها يكون انتشار الخاطرة بلا حدود ، يتناوله الكل بدون استثناء ، ولا يقتصر على ذاتية الرؤيا ، أو التفرد بالغرض ، وتصلح لكل زمان ومكان . فمثلا ما قد يكتب اليوم قد نجده منسجما ومرتبطا بمقومات العمل بعد عدة أعوام ، وما كتب من زمن نجده اليوم متلازما مع مجريات الواقع في يومنا هذا . . وكأنه كتب الآن وللحالة الآنية التي نعيشها .
هنا تكون الخاطرة قد أدت دورها الكامل وسرعة انتشارها ، ومدى تقبلها أو رفضها من قبل المتلقي .
وأخيرا أهيب بحسن الظن ممن يودون كتابة الخاطرة أن ينهجوا الصواب ، وعدم الاسترسال في إبراز المشاعر الخاصة جداً والهموم المتعثرة بلا فائدة ، ولتكن الخاطرة سفير الكلمة ، والرأي ، والصورة الصادقة لمجريات الحياة ، سلباً أو إيجاباً . وتكون رمز رسالتنا الأدبية ، وعلومنا الإنسانية ، وان نتقلد الحرف الواضح السلس ، لتأدية الغرض الذي وجدت من اجله الخاطرة .
طفلة .....
ما أن سمعت صوتها ، ورأيت صورتها ، حتى اخترقت سهامها أوداج قلبي ، وأشعلت نيران وجداني بنظرة لم أستطيع أن أقاوم سعيرها . نادتني بصوت رخيم وهمس شجي ، لأحمل معها طيات السفر البعيد ، وأخفف عنها عبء المسير ، وأنفض عنها غبار الطريق .
طفلة ...
درجت كالعصفور تزقزق فوق الشجر .
تشرب من ماء المطر .
تأكل من زاد السمر .
تحلم بصدر يضمها وقت السحر .
طفلة ...
عاشت دهراً بين الحفر .
تلعق التراب والحجر .
وتستنشق هواء السفر .
وتعدو نحو القدر .
طفلة ...
زاد طولها ، ونما عودها ، وأصبحت أكبر .
* * *
حملت أثقال الدهر بمعاناة الضمير ، وأسرفت في تذليل نفسها أمام غدر الزمن ، وحصدت رواسب الخطيئة ، وارتعدت أوصالها عند المحن ، وجافاها النوم ، وسكن الأرق هواجسها . وهاهي اليوم تنشد البراءة من مخلفات الأيام ، وتحاول تحقيق ذاتها فوق سطور الأمان . وبدأت ترتشف كأس الأمل , ونامت على صدر المحبة والحنان .
إن ذلك لا يكفي إلا إذا تمردت على كل ما يربطها بالماضي ، وتسمو فوق أنانيتها ، وتحقق غاية الصفاء والنقاء . ليتها تعي ما يدور في الخفاء ... ليتها تثير في نفسها مداخلات العقل والقلب ، وتفسر جميع مقتضيات المستقبل بكل إصرار .
لا يكفي أن تحجب ذاتها عن الخطأ . بل تصقل أفكارها ، وترتب مسار تصرفاتها .
إن الطريق طويل جداً ، شاق وصعب ، وبدافع الغيرة على المستقبل ، ونجاح مسيرة الحياة . يجب أن تحقق غاية الطموح ، والابتعاد عن النزوات التي تربط مسالك الوهم والحقيقة .، والآتي بالماضي . وتنسى ما حصدته الأيام ، وإدراك حقيقة الخطأ الجسيم الذي اقترفته ، وإبعاده عن مسار الطمأنينة ، والحياة الكريمة .
فأهلاً بالآتي بين أحضان الكرامة ، وبين جوانب الأمان والاستقرار ، تظلله سواعد الخير والأمل ، فكوني مهبط الأحلام ، وسيدة الأخلاق ... فصبراً... صبراً... إنها الأيام .