ما الإصلاح؟ وما التغيير؟ وكيف يكون إسلاميا؟ ومتى يكون علمانيا؟ وما السياسة؟ وكيف تكون خيارا؟ بعضٌ من أسئلة لا حظ لها عند من يتخذ السياسة حرفة، ومن يراها مِراسا وتدافعا. دَع عنك من يَعدُّها نصيبا وجاها، يُيسِّرُ به أمره، ويقضي به وطره، ويَشدُّ به أزره وأزر من معه.
أسمع الآن محترف السياسة يقول: السياسة فن الممكن...الفكر والنظر شيء، والواقع شيء آخر...الشعارات والمثاليات لا تحلُّ مشكلا ولا تُشكِّلُ حلا...الناس في حاجة إلى لقمة خبز..إلى شغل إلى تطبيب...إلى إلى...
أسئلتُنا لا معنى لها عند أهل السياسة، وكل سؤال لا معنى له وجب طرحه، بذا يقضي المنهج الصحيح. ألم يقل ذلك ديكارت؟ ومِن بعده فتجنشتاين؟ وربما يكون الخوض في تلكم الأسئلة مما لم يقم الدليل الشرعي على استحسان الخوض فيه. أليس قد حَرَّم أهل الشرع الاشتغال بالجدل وبما ليس تحته عمل؟
هكذا إذاً يُجمِعُ أهل الفكر على تحريم النظر في السياسة وتحليل العمل بها ولها. قضت الحكمة والشريعة -الأخت الرضيعة- أن السياسة واحدة وإن تعددت أغراضها ومآربها.
أرى السياسي المحترف يستخف بأسئلة لا تدل إلا على البطالة والعطالة. السياسي الحقيقي ليس لديه وقت لطرح السؤال. فهناك برامج واستحقاقات وانتظارات ورهانات وحملات وانتخابات وبرلمانات ووزارات...
ولئن كانت عادة النظار الهجوم على الإشكال دون طلب حد أو قياس، كما يقول الحجة أبو حامد الغزالي، فعادة أهل السياسة إما هجوم على الخصم بحماسة نادرة، وإما هجوم على منصب أو مقعد بروح قتالية عالية، فترى جودا وكرما وأموالا طائلة، وأيادي مبسوطة سخية.
معادلات السياسي المحترف كلها من الدرجة الأولى، بسيطة وبمجهول واحد: نتيجة الصندوق الشفاف. لكن المعلوم من السياسة بالضرورة أن الصندوق يوضع في غرفة مظلمة. لا يهم!
يقول لك السياسي المحترف بثقة وإصرار: إذا لم تشارك فأنت سلبي، متفرج ومتقاعس وعدمي...وهلم قدحا وذما، وأوصافا ونعوتا. ويضيف السياسي الإسلامي مستندا إلى ترسانة من القواعد الأصولية قائلا: أنت من المخلفين الذين فاتهم ثواب المشاركة...لا بد من الدخول على خصومنا من كل باب...لا بد من المزاحمة، ومن أخطائنا نتعلم...النظام فاسد مستبد؟ ربما، لكن المصلحة في المشاركة أبْيَنُ من المفسدة...وما لا يدرك بعضه لا يترك كله. ثم ماذا؟ تقول مشاركتنا اعتراف وإقرار، وتسليم وتزيين لوجه كالح، وإضفاء للشرعية على من لا شرعية له، وتحقيق لتوازنات الحاكم بأمره؟ وماذا بعد؟ أليس هذا أخف الضررين، بدل الانزواء والتفرج حتى يعم الطوفان؟ ثم من قال إننا نطمح إلى قلب النظام واقتلاعه من جذوره؟ نظامُنا ليس كله شر وسوء. بل إن محاسنه أكثر من مساوئه، والأمر لا يستدعي أكثر من إصلاح هنا وآخر هنالك.
وهكذا يغدو العمل الإسلامي -عند السياسي الإسلامي- سياسة، والإيجابية مشاركة انتخابية، والفاعلية تصويتا ودعما للمرشح الإسلامي. والدعوة إلى الله حملة انتخابية، والقاعدة الصلبة حزبا سياسيا، والهدف برلمانيون إسلاميون، طالما بقي البرلمان الأمل والمنتهى، وإلى حين يُؤذَنُ بوزراء إسلاميين.
أما سياسة اليساري فوجهة بلا هدف ولا مقصد. وليست السياسة عند اللبيرالي غيرَ مزيد من الاحتكار وتنمية رؤوس الأموال.
ولئن تعددت السياسات في الوطن العربي فإن الحصيلة واحدة: بقاء دار لقمان على حالها. وأولئكم المستضعفون يتساءلون: متى تنتهي اللعبة؟