أوَ يُعدُّ هذا فَصاحةً ؟!!
قال القرطبي في تفسيره ( الجامع لأحكام القرآن ) : حكى الأصمعيُّ ( رحمه الله ) قال : سمِعْتُ جاريةً أعرابيةً تُنْشِدُ وتقول :
أسْتغْفِرُ اللهَ لذنبي كـلِّه ... قبَّلْتُ إنسانا بغيرِ حلِّــــه
مثلُ الغزالِ ناعِماً في دَله ... فانتصف الليلُ ولـم أصله
فقلْتُ : قاتلكِ الله ما أفصحكِ ! فقالتْ : أوَ يُعدُّ هذا فَصاحةً مع قوله تعالى : " {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ } [القصص: 7]
فجمع في آيةٍ واحدة بين أمرين ونهيين وخبرين وبِشارتين . اهـ
قلتُ : جاء في كتاب (( لباب الآداب)) لابن مُنقذ : قد رُوي عن الأصمعي رحمه الله : اجتَزتُ ببعضِ أحياء العربِ ، فرأيتُ صبيّةً معها قِربةٌ فيها ماءٌ وقد انحلّّ وِكاءُ فمِها . فقالت : يا عمِّ ، أدركْ فاها ، غلبَنِي فوها ، لا طاقةَ لي بفيها . فأعنتُها ، وقلتُ : يا جاريةُ ، ما افصَحَكِ ! فقالت : يا عمّ ، وهل تركَ القُرآن لأحدٍ فصاحةًً ؟ وفيه آيةٌ فيها خبران وأمران ونهيان وبشارتان ! قلتُ : وما هي : قالتْ : قوله تعالى : {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ }[القصص: 7] قال : فرجعتُ بفائدةٍ ، وكأنّ تلكَ الآية ما مرّت بمسامِعي !! . اهـ
ووقعت رواية أخرى مشابهة لهذه في كتاب (( الأذكياء )) لابنِ الجوزي ، وهي كالتالي : قال الأصمعي : بينا أنا في بعض البوادي إذ أنا بصبيّ معه قِربةٌ قد غلبته فيها ماء ، وهو ينادي : يا أبتِ أدرك فاها غلبني فوها لا طاقةَ لي بفيها . قال الأصمعي فوالله لقد جمع العربية في ثلاث .
قالَ ربيع بنُ المدني السملالي :
نقلتُ هذه الدّرة من كتابي (( لطائف الأجوبة )) يسّر الله طبعه ونشرَه