لا عِلْمَ لي بِهَا / لا أدْرِي
من مُذكّرة : ربيع بن المدني السملالي
سُئِلَ الإمامُ الشَّعْبيُّ -رحمه الله- عن مسْألةٍ فقال : لا عٍلْمَ لي بها ، فقيلَ له : لا تستحي ، فقالَ : ولمَ أستحي ممَّا لم تستحي منه الملائكة حين قالت لا علمَ لنا ...
قلتُ : قال عمرُ بنُ عبد العزيز -رضي الله عنه- من قال لا أدري فقد أحرز نِصفَ العلم .
قال عمرو بن بحر الجاحظ تعليقاً على كلام عمر : لأنّ الذي له على نفسه هذه القوة قد دلّنا على جوْدة التثبّت ، وكثرة الطّلب وقوة المُنّة. [البيان والتبيين ج 1 ص 398]
وقال القُرطبي في تفسيره عند قوله تعالى : { قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لنا إلاّ ما علّمتنا } الآية . الواجبُ على من سُئِلَ عن علم أن يقولَ إن لم يعلم : الله أعلم ولا أدري ، اقتِدَاءً بالملائكة والأنبياء والفضلاء والعلماء ، لكن قد أخبرَ الصّادقُ أنّ بموت العلماء يُقبضُ العلم فيبقى النّاسُ يُسْتَفتوْنَ فَيُفتون برأيهم فيَضِلّون ويُضلّون ...قال مالكُ بنُ أنس : سمعتُ ابنَ هُرْمُز يقولُ : ينبغي للعالم أن يُورّثَ جُلَسَاءَه من بعده لا أدري حتى يكونَ أصلاً في أيديهم فإذا سُئلَ أحدُهم عمّا لاَ يَدري قال : لا أدري . اهـ
وقال ابنُ الجوزي في صيد الخاطر : إذا صح قصدُ العالم استراحَ من كلف التكلّف . فإنّ كثيراً من العلماء يأنفون من قول : لا أدري ، فيحفظون بالفتوى جاههم عند النّاس ، لئلا يقال : جهلوا الجواب ، وإن كانوا على غير يقين مما قالوا . وهذا نهايةُ الخذلان .
وقد روي عن مالك بن أنس : أنّ رجلا سأله عن مسألة ، فقال لا أدري . فقال : سافرتُ البلدان عليك . فقال : ارجع إلى بلدك ، وقل سألتُ مالكاً ، فقال : لا أدري .
فانظر إلى دين هذا الشّخص وعقله كيف استراح من الكلفة ، وسلم عند الله عز وجل . اهـ كلام ابن الجوزي -رحمه الله-...
وقال عطاء بنُ السّائب ، عن علي البَخْتَري ، عن علي ّ بن أبي طالب رضي الله عنه قال : وأبْرَدُها على الكبِد إذا سُئلتُ عمّا لا أعلم أن أقول : الله أعلم . السّير ج 2 ص 191 .
وعن حنظلة بن أبي سُفيان ، قال : ما رأيتُ عالماً قطّ يقول :لا أدري ، أكثر من طاووس ...[السير ج 4 ص 358]
وسُئِلَ سُحنُونُ : أيسَعُ العالِمَ أنْ يقولَ : لا أدري فيما يدْرِي ؟ قال : أمّا ما فيه كتابٌ أو سُنّةٌ ثابتةٌ فلا ، وأمّا ما كان من هذا الرّأي ، فإنّه يسَعه ذلك ، لأنّه لا يدرِي أمُصيبٌ هو أم مُخطئٌ .
قلتُ : العلاّمة سَحْنون هو فقيهُ المغرب أبو سعيد عبد السّلام بنُ حبيب بن حسّان بن هلال
الحِمصِي الأصل ، المغربي ، القَيْرواني ، المالكي ، قاضي القَيْروان ، وصاحب المدوّنة .
وتفسير إسم سَحنون طائر بالمغرب ، يوصف بالفِطنة والتّحرّز ، وهو بفتح السّين وضمّها . توفي رحمه الله في شهر رجب ، سنة أربعين ومائَتين ، وله ثمانون سنة . قال شيخ المالكية في عصره عيسى بنُ مِسكين : سَحنون راهب هذه الأمّة ، ولم يكن بين مالك وسَحنون أحدٌ أفقهَ من سَحنُون .
وهو القائل :
كانَ بعضُ من مضى يريدُ أن يتكلّمَ بالكلمة ، ولو تكلّم بها لانتفع بها خلْق كثير ، فيحبسها ، ولا يتكلّم بها مخافةَ المباهاة . وكان إذا أعجبه الصّمت تكلّم ، ويقول : أجرأ النّاس على الفُتيا أقلُّهم علماً . أنظر السّير ج 8 ص 30
واختيارُ المرء قِطعةٌ من عقله تدلّ على تخلّفه أو فضله