السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
في هذه الظروف العسيرة التي تمرّ بها أمتنا من الضياع والتشرذم ، نجد أن هناك من يحاول أن يكرّث هذا الضعف والذلّ ، بالتطرق لمواضيع تحدث بها العلماء من قبل وأشبوعها نقاشا ، وفندوا آراء وانحرافات متبعي الهوى من متبعي الكتاب والسنة ، ومن جملة هؤلاء مادار منذ القديم عن الصوفية والتصوف .. ولقد أنصف عقلاء الأمة هذه المسألة فلم ينحرفوا بالرأي فيها مثل ماانحرف فيه المتسلقون على جدار العلم والفهم ، قافزين فوق أسوار أئمتهم من قبلهم ! ليثبتوا لنا أن المتطرفين موجودون معنا في كل زمان ومكان .. وأحمد الله أن يهيء لنا بعض الأمور لشرح منهج هؤلاء السلف في حرصهم على وحدة الأمة من خلال وقوفهم عند الحق دون شطط ولا سرف .. ومع أن حديثنا عن الصوفية والتصوف فلا يظنن المرء أن هذا الموضوع جديد .. فالصوفية مثل غيرها من المذاهب كما هو الإسلام بشكل عام فيه من هو من أهل التوحيد وفيه من هو على باطل ،فمن الإنصاف أن ننصف أهل التوحيد ونبين أهل الباطل، لا أن نتهم الإسلام على أنه باطل لمجرد أن السواد الأعظم من المسلمين في هذا الزمان غير ملتزمين به ، وهذا السواد الأعظم لايحتاج إلى كثير عناء من أجل أن نفهمه ، فنظرة تأملية إلى واقع المسلمين ومدى التزامهم بدينهم ، وحتى الملتزمين منهم لو نظرنا إلى حال مساجد المسلمين كيف أنها شبه خاوية في أوقات الصلوات ، لرأينا بأعيننا مدى بعد المسلمين عن دينهم ، ففي هذه الحالة هل نتهم الإسلام أم نتهم المقصرين فيه عن التقاعس عن أداء واجبهم نحو الدعوة إلى هذا الدين ؟!
ولو تأملنا في علم الحديث لوجدنا أن الأحاديث الموضوعة والمكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تفوق الأحاديث الصحيحة ، فهل قال أحد أن نترك علم الحديث أو نذم هذا العلم والعياذ بالله ؟! والأمثلة تطول ..
وفي ذلك مدعاة للتطاول على الأئمة الحقيقيين ، فكل من لم يعجبنا رأيه نسفهه بحجة أنه صوفيّ وكأنها تهمة ! وبهذا تبعد الجيل عن موجيههم ومربيهم فيزيد ذلك في تكريث البعد عن هؤلاء الأئمة ، حيث يزيد التشرذم تشرذما والضعف يتضاعف بفعل هذه الأفكار الهدامة والخطيرة ! فهل انتبهنا لعظم هذا الأمر وتداعياته ؟!
وعودة إلى الصوفية والتصوف فأرى أن التغاضي عن آراء الأئمة الأقدمين فيهم ، والتجاوز عن أقوالهم فيه بخس لجهودهم ، كما أن فيه ضرب لآرائهم عرض الحائط .. فماذا قال أئمة السلف عن الصوفية وأئمتهم ، إليكم هذه الطائفة من أقوالهم رحمهم الله :
قال الإمام الشاطبي في كتابه الموافقات 2/207:
فقد علم منهم (الصوفية) المحافظة على حدود الشريعة ظاهرا وباطنا وهم القائمون بأحكام السنّة على ما ينبغي المحافظون على اتباعها لكن أنحراف الفهم عنهم في هذه الأزمنة وفيما قبلها طرق في أحوالهم ما طرق ولأجله وقع البحث في هذه المسائل حتى يتقرر بحول الله ما يفهم به عنهم مقاصدهم وما توزن به أحوالهم حسبما تعطيه حقيقة طريقته المثلى نفعهم الله ونفع بهم .اهـ
حتى ابن تيمية رحمه الله أنصف وقال كما في بيان تلبيس الجهمية 236 :
فأما شيوخ الصوفية المشهورين عند الأمة الذين لهم في الأمة لسان صدق مثل أبي القاسم الجنيد وسهل بن عبد الله التستري وعمرو بن عثمان المكي وأبي العباس ابن عطاء بل مثل أبي طالب المكي وأبي عبد الرحمن السلمي وأمثال هؤلاء فحاشا الله أن يكونوا من أهل هذا المذهب بل هم من أبعد الطوائف عن مذهب الجهمية في سلب الصفات فكيف يكونون في مذهب الدهرية المنكرين لانفطار السموات والأرض وانشقاقها ..
إلى أن قال :
فالصوفية العارفون الذين لهم في الأمة لسان صدق إذا قالوا علم الباطن وعلوم الباطن ونحو ذلك فهم لا يريدون بذلك ما يناقض الظاهر بل هم متفقون على أن من ادعى باطنا من الحقيقة يناقض ظاهر الشريعة فهو زنديق.
وقال في الفتاوى 11/17 :
طائفة ذمت الصوفية والتصوف وقالوا أنهم مبتدعون خارجون عن السنة ونقل عن طائفة من الأئمة في ذلك من الكلام ما هو معرفون وتبعهم على ذلك طوائف من أهل الفقه والكلام وطائفة غلت فيهم وادعوا أنهم أفضل الخلق وأكملهم بعد الأنبياء وكلا طرفي هذه الأمور ذميم , والصواب أنهم مجتهدون في طاعة الله كما اجتهد غيرهم من أهل طاعة الله ففيهم السابق المقرب بحسب اجتهاده وفيهم المقتصد الذي هو من أهل اليمين وفي كل من الصنفين من قد يجتهد فيخطىء وفيهم من يذنب فيتوب أو لا يتوب ومن المنتسبين إليهم من هو ظالم لنفسه عاص لربه وقد انتسب إليهم من أهل البدع والزندقة ولكن عند المحققين من أهل التصوف ليسوا منهم .اهـ
قال الإمام التاج السبكي في طبقات الشافعية الكبرى عن السادة الصوفية : حياهم الله وبياهم وجمعنا في الجنة نحن وإياهم .
هل رأيتم كيف وصف ابن تيمية من يجملهم بالوصف ويجحف بحقهم أنه ذميم !! أعتقد أن هذا الأمر واضح واللبيب تكفيه الإشارة !!!
والله يعلم أنني لا أنتسب وما انتسبت إلى الصوفية ولكن الحق أحق أن يتبع ، ويجب علينا أن نكون منصفين