أحدث المشاركات
صفحة 1 من 4 1234 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 31

الموضوع: صدفة

  1. #1
    الصورة الرمزية كاملة بدارنه أديبة
    تاريخ التسجيل : Oct 2009
    المشاركات : 9,824
    المواضيع : 195
    الردود : 9824
    المعدل اليومي : 1.85

    افتراضي صدفة



    أدّى صلف العيش وقسوته بين الزّوجين، أن تطلب الزّوجة الطّلاق، فأبى الزوج ذلك ؛ زيادة في الإذلال لها ولطلبها. حتّى الأبناء طالهم من القهر الكثير؛ نكاية بأمّهم ولكن في النّهاية ما جمعه الله، فرّقه الشّيطان، وراح كلّ في طريقه...
    زُوّجت المرأة من رجل آخر، وسكنت في مدينة بعيدة عن بلدتها، وقُطعت أواصر العلاقة بينها وبين أولادها.
    أنجبت من الزوج الثّاني، ودخلت غمار حياة ليست سهلة؛ لشحّ الموارد وكثرة عدد أفراد العائلة.
    شوارع المدينة مزدحمة، والضّجيج يدعو الناس وقت الغداء للبحث عن أماكن بعيدة عن الضّوضاء وأخذ قسط من الرّاحة.
    جلس شابّان على نفس مائدة الطّعام في أحد المطاعم الهادئة، نظرا إلى بعضهما وغضّا البصر، ثم عاودا ذلك إلى أن تجرأ أحدهما وسأل من يقابله عمّا إذا كان من نفس المدينة التي يجلسان في مطعمها، فأجابه بالإيجاب.
    استغرب السّؤال واستفسر عن السّبب، إلّا أنّ السّائل تملّكه حبّ الإستطلاع، فاستمر في أسئلته وكأنه يستجوبه. سأله عن اسم عائلة أمّه وأبيه، ولحسن حظّه تلقّى إجابات مرضية لأسئلته الغريبة نوعا ما.
    أحسّ كأنّ قرية من النّمل تهاجم جسمه وتلسعه، عندما اكتشف أنّ لهما نفس الأخوال، ووقف صارخا: أنت أخي... لقد أحسست بذلك لدى رؤيتي لك. إنّ ملامحك تشبهني.
    بهت الشّاب وقال: "يخلق من الشَبَه أربعين".وهرول نحو البيت ليخبر والدته متضاحكا ومستهزئا، وكأنّه يروي فصول مسرحيّة هزليّة غريبة.
    حملقت الوالدة فيه وحدّثها قلبها أنّ هناك أمرا جللا، فطلبت منه أن يعود ويدعو الشّاب الى بيتهم لتستوضح الأمر.
    خرج ابنها متمنّيا أن يجده في نفس المكان. فلا يعقل أن يبحث في مدينة عن شخص لم يتأكد من ملامحه.
    أحسّت الأم أنّ لحظات الانتظار هذه أطول من العشرين سنة التي قضتها بعيدا عن أولادها ثمرة زواجها الأوّل.
    داهمتها صورهم التي كادت تنساها ، وصدى صراخهم الذي بقي يلاحقها أيّاما وليالي عندما تركتهم، وأخذها والدها من بيت زوجها رافضا أن يرافقوها. فأبوهم أحقّ بهم وبتربيتهم!...
    ترى هل يكون من تنتظره "موسى" الذي تركته والجرح في رأسه لم يلتئم إثر وقوعه عن شجرة التّوت ، وهو يتسلّقها ليبحث عن أعشاش العصافير وفراخها؟!..أم أخوه الذي انتزع من صدرها وهو رضيع؟! ...
    لا بدّ أن يكون أحدهما. فقلبها الذي أقفلته منذ عقدين لتنسى حياتها القديمة، قد كسر قفله وخرج ... وها هي تحسّ بارتعاشة غريبة سبّبها خفقه الشّديد الذي عاند نسيانها؛ ربّما ليعاقبها او ليعوّض حرمانها رؤية أولادها سنين طويلة. حتّى إنّها كادت تنسى ملامحهم . ترى كيف يبدو الآن؟ وهل الشخص الذي صادفه ابنها هو الآخر ابنها؟ ... هل سيعترف بها أم سيوبّخها؟.. .ربّما سيصرخ في وجهها إذا ما تأكّدت منه، ويقول لها إنّها كاذبة؛ لأنّ أمّه ماتت منذ سنين مثلما أخبره والده هو وإخوته. وقد بلغها ذلك عن طريق أهلها. لذلك لم تحاول زيارتهم ورؤيتهم لئلا تصدمهم!..
    ربّما أدركوا عندما كبروا حقيقة الأمر، وها هو ابني قد أحسّ برابطة قوية نحو أخيه فلازمه بأسئلته ليتأكّد...
    شعرت أنّ البيت يدور بها دورة خيالها وأفكارها السّابحة في ماضيها، وسيطر الغثيان عليها.
    حرارة جسدها العالية تكاد تشعله مثلما أوقدت مشاعرها ، فخافت أنّ ما يراودها نوع من الهذيان...
    صلّت وطلبت من ربّها أن يهوّن الأمر عليها؛ لأنّ هواتف تخاطبها أنّ وقت العقاب قد حان؛ جزاء التّخلي عن أمومتها، مع أنّ عزاءها الوحيد الذي ساندها هو أنّها أُكرهت على تركهم، وأنّ طليقها قد أماتها، ومنعهم من رؤيتها.
    انتابها القلق ، ونوبات الحمّى والدّوار لم تفارقها، خاصّة وأنّ ابنها قد تأخّر في الرّجوع فخشيت أن يكون الشّاب - الذي يقول إنّه ابنها- قد غادر المطعم.
    لكن، لحسن الحظّ وجد ابنها الشّاب لم يبرح مكانه، وطعامه على حاله، وكأنّه في حالة من الذّهول لما مرّ به.
    حدّق فيه كثيرا واستغرب عودته، ولبثا واجمين إلى أن خلعت البغتة وشاحها، وأخبره أنّه عاد ليدعوه إلى بيته كي يكملا حديثهما، وأظهر له شعوره بالارتياح بعد أن كان مستهزئا.
    لم يعترض لشدّة شوقه في التأكّد من حقيقة مشاعره وواقعه. الواقع الذي اُطلِع عليه عندما أصبح شابّا، من أحد شيوخ بلدته. وهو أنّ أمّه لا تزال على قيد االحياة وتعيش في مدينة أخرى. صور وخيالات تراءت له وهو بين الشكّ واليقين ...
    وصلا البيت ودخلا، فنادى مضيفُه أمّه التي تركها تعوم بين أمواج بحر ماضيها المتلاطم؛ لتستقبل الضّيف.
    أجبرت نفسها على التّماسك والتّغلب على نيران الحمّى، ووقفت أمامه مرحّبة بلسان متلعثم. حدّقت فيه...اقتربت منه... رفعت خصلات شعره عن جبينه وكأنّها تبحث عن شيء، جحظت عيناها بعد أن رأت علامة هي أثر الجرح الذي تركته داميا. هالها ما رأت... إنّه ابنها "موسى".. .فصاحت:( ا ب ن ي) وسقطت مغشيّا عليها ! ...

  2. #2
    الصورة الرمزية آمال المصري عضو الإدارة العليا
    أمينة سر الإدارة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Jul 2008
    الدولة : Egypt
    المشاركات : 23,787
    المواضيع : 392
    الردود : 23787
    المعدل اليومي : 4.13

    افتراضي

    نص إنساني رائع أستاذة كاملة
    لعبت فيه الصدفة دور دور كبير في لم شتات الأم وابنها رغم مرور الزمن وبعد المكان
    نص يصلح لعمل سينمائي أتذكر أنني شاهدت قصة شبيهة ولكن هنا تألقت أسلوبا ولغة وأدوات
    بورك اليراع والفكر
    تحاياي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  3. #3
    الصورة الرمزية كاملة بدارنه أديبة
    تاريخ التسجيل : Oct 2009
    المشاركات : 9,824
    المواضيع : 195
    الردود : 9824
    المعدل اليومي : 1.85

    افتراضي

    نص إنساني رائع أستاذة كاملة
    لعبت فيه الصدفة دور دور كبير في لم شتات الأم وابنها رغم مرور الزمن وبعد المكان
    نص يصلح لعمل سينمائي أتذكر أنني شاهدت قصة شبيهة ولكن هنا تألقت أسلوبا ولغة وأدوات
    بورك اليراع والفكر
    تحاياي
    السّلام عليكم عزيزتي الأخت آمال
    شكرا لك على مرورك العطر الذي أقدّره كثيرا
    هي قصّة واقعيّة سردتها لي إحدى النّساء عن قريبتها، فأحببت كتابتها لشدّة تأثّري بالأحداث
    بوركت
    تقديري وتحيّتي

  4. #4
    الصورة الرمزية أحمد عيسى قاص وشاعر
    تاريخ التسجيل : Mar 2007
    الدولة : هـنــــاكــــ ....
    المشاركات : 1,961
    المواضيع : 177
    الردود : 1961
    المعدل اليومي : 0.31

    افتراضي

    ربما كانت (زمنياً ) أطول مما تحتمل القصة القصيرة
    والأحداث تصلح لتكون فصلاً في رواية ، ان لم تكن رواية كاملة
    قصة جميلة ولغة رائعة

    أحييك أديبتنا القديرة
    أموتُ أقاومْ

  5. #5
    الصورة الرمزية وليد عارف الرشيد شاعر
    تاريخ التسجيل : Dec 2011
    الدولة : سورية
    العمر : 60
    المشاركات : 6,280
    المواضيع : 88
    الردود : 6280
    المعدل اليومي : 1.39

    افتراضي

    جميلة مؤثرة زادها أسلوبك سيدتي جمالًا وقوة ولغتك ألقًا
    سعدت بنصٍ رائعٍ شائق وماتع
    مودتي وتقديري كما يليق

  6. #6
    الصورة الرمزية كاملة بدارنه أديبة
    تاريخ التسجيل : Oct 2009
    المشاركات : 9,824
    المواضيع : 195
    الردود : 9824
    المعدل اليومي : 1.85

    افتراضي

    السّلام عليكم أخ أحمد
    أشكر لك مرورك وأثني عليه كثيرا...
    ربما كانت (زمنياً ) أطول مما تحتمل القصة القصيرة
    والأحداث تصلح لتكون فصلاً في رواية ، ان لم تكن رواية كاملة
    صدقت. القصّة تتناول فترة زمنيّة طويلة، ولكنّها تظلّ ضمن اللّون التّعبيريّ كقصّة قصيرة
    هناك دراسات كثيرة حول موضوع الزّمن في القصّة القصيرة والتي تبيح ذكر فترة طويلة طالما ارتبط الزّمن بالشّخصيّة المركزيّة، وما القصّة القصيرة سوى رواية مضغوطة :

    "ثمة اتفاق ان الروائى وكاتب القصة القصيرة يستخدمان نفس المادة، التي يلتقطانها غالباً من الواقع المعاش الذي يحيط بهما، لكن الاختلاف بينهما انما يكون في اختيار الصيغة والشكل الانسب للتعامل مع هذه الاحداث.

    وهنا يؤكد الطاهر احمد مكي انه لا قيمة للزمن هنا. واذا كان (طول الرواية هو الذي يحدد قالبها، كما ان قالب القصة القصيرة يحدد طولها)، فإنه في الوقت نفسه (لا يوجد مقياس للطول في القصة القصيرة الا ذلك المقياس الذي تحدده المادة نفسها، فالروائى قادر على تحويل الثواني إلى دقائق في القراءة، واللحظة إلى تحليلات متأنية) القصة القصيرة تحوي العناصر الاساسية لتقنية الرواية لكنها تأتي بشكل مضغوط ومركز." (د. رمضان ديوب )

    بوركت
    تقديري وتحيّتي

  7. #7
    الصورة الرمزية نادية بوغرارة شاعرة
    تاريخ التسجيل : Nov 2006
    المشاركات : 20,306
    المواضيع : 329
    الردود : 20306
    المعدل اليومي : 3.19

    افتراضي

    قصة إنسانية رائعة ،و الأروع أنها كتبت بيد ماهرة ،

    عرفت كيف تجعل منها نصا سلسا منسابا ، قريبا من القارئ .

    المتألقة كاملة بدارنه ،

    دمتِ و هذا التميز.

    ========

    إستوقفني قولك :

    على نفس مائدة الطّعام / كان من نفس المدينة / يجده في نفس المكان

    أليس الأفصح أن نقول :

    على مائدة الطعام نفسها / كان من المدينة نفسها / يجده في المكان نفسه ..


    ؟؟؟

    http://www.rabitat-alwaha.net/moltaqa/showthread.php?t=57594

  8. #8
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jan 2010
    الدولة : على أرض العروبة
    المشاركات : 34,923
    المواضيع : 293
    الردود : 34923
    المعدل اليومي : 6.70

    افتراضي

    لماذا يا كاملة؟
    لماذا قسوت عليها، حتى بدت لي بين السطور مخطئة في انفصالها عن زوج حتى وإن لم يمتها
    "وإن خفتم شقاق بينها ...." "وإن يتفرقا يغن الله ..."
    لماذا نصر في أدبياتنا على ما تخلل ثقافتنا وتغلغل في فكرنا من ثقافة الصليبي المستعمر الذي يعتبر الطلاق في دينه حراما؟

    برغم جمال النص وروعة لغته وتألق سرديته فقد ثقل على نفسي اعتبار الكاتبة في لجوء الزوجة للتفريق هروبا من زواج غير موفق -أيا ما كانت اسبابها- تقصيرا في واجبها كأم، فوالله إن في سيداتنا من صحابيات رسول الله ما لا نحصي من المطلقات بتعدد اسباب الطلاق وتنوع مبرراته

    كل مودتي وإكباري أيتها الراقية

    تحاياي
    تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

  9. #9
    أديبة
    تاريخ التسجيل : Jan 2006
    المشاركات : 6,061
    المواضيع : 182
    الردود : 6061
    المعدل اليومي : 0.91

    افتراضي

    ترى هل يكون من تنتظره "موسى" الذي تركته والجرح في رأسه لم يلتئم إثر وقوعه عن شجرة التّوت ، وهو يتسلّقها ليبحث عن أعشاش العصافير وفراخها؟!..أم أخوه الذي انتزع من صدرها وهو رضيع؟! ...


    السلام عليكم عزيزتي كاملة
    كم حمدت الله أنني لست تلك المرأة ,وكم حمدت الله أنني لم أواجه مشكلة تضطرني أن ابتعد عن أولادي ((ولكني كنت سأحطم اية مشكلة مهما كانت كبيرة ,وأصبر عليها صبر أيوب في سبيل أولادي ))
    هكذا أقول ,,ولكن الحقيقة لا يعرفها أحد
    مصيبة حقا في حق المرأة وأطفالها بعدهم الدائم عن بعضهم ,وتفريقهم للأبد
    ماذا عن الدين ؟؟؟ماذا عن الإنسانية ؟؟؟
    قصة مؤثرة جدا يا كاملة العزيزة بلغة قوية رائعة
    دمت بكل الخير والعطاء

    لماذا نصر في أدبياتنا على ما تخلل ثقافتنا وتغلغل في فكرنا من ثقافة الصليبي المستعمر الذي يعتبر الطلاق في دينه حراما؟
    ربيحة الرفاعي


    طبعا الطلاق مكروه يا عزيزتي ربيحة,, ولكنه حلال جدا ,ولماذا يضطر المرؤ أن يعيش حياة يمقتها مع مخلوق يمقته ؟؟
    على أن نتقي الله بالأولاد جميعنا ,,من رجال ونساء لأن الطفل بريء ولا ذنب له,, ويحتاج للحياة الآمنة
    ماسة

  10. #10
    الصورة الرمزية د.بشير مهدي قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Feb 2012
    المشاركات : 209
    المواضيع : 27
    الردود : 209
    المعدل اليومي : 0.05

    افتراضي

    اللوم للكل: الزوج وقد أخفى حياة أم الأولاد، والوالدة وقد آثرت الاكتفاء بحياتها الثّانية، ونسيت فلذات أكبادها بمجرد دخولها في بيت الزوجيّة الثّاني، وأبو الزوجة الذي تصرّف عديم الرحمة – نصّ إنساني وإبداع قويّ الحبكة يقول الكثير في العلاقات الزوجيّة.---- دمت بود.

صفحة 1 من 4 1234 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. تولد صدفة
    بواسطة محمد ذيب سليمان في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 16
    آخر مشاركة: 30-10-2018, 05:28 PM
  2. صدفة- قصة قصيرة جداً
    بواسطة غادة نافع في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 9
    آخر مشاركة: 25-04-2016, 12:57 AM
  3. صدفة ياسمين
    بواسطة عامر المصري في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 13
    آخر مشاركة: 20-11-2015, 03:39 PM
  4. بحر و صدَفة و حديث
    بواسطة صهيب العاصمي في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 20-05-2013, 09:26 PM
  5. صدفة وقت الغروب للشاعر:د.خليل انشاصي .
    بواسطة خليل انشاصي في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 06-03-2009, 10:39 PM