ان الوقفة أمام قامة بوزن ومكانة الشهيد القائد وديع حداد في ذكراه السنوية ليس فقط استحضار ذكرى، بل التوقف أمام قيم ومعاني فيها تجديد لعهد الوفاء لقائد أممي وقومي ووطني بامتياز قارع الامبريالية والرجعية في عقر دارهما .
وديع حداد مكافح أوصل رسالة شعبه ومعاناته لآذان ومسامع كل العالم، بعد صمت المجتمع الدولي وإدارته الظهر لقضية شعب طرد من أرضه قسرا بقوة الإرهاب والسلاح أمام العالم، وبمباركة مؤسسات الشرعية الدولية،وللأسف بقرارات الأمم المتحدة التي اعترفت بحق الجلاد في قتل الضحية ومحاولة محو أثار الجريمة، عندما اشترطت الأمم المتحدة القبول بشرعية الكيان الصهيوني باعترافه بالقرار 181، والقرار 194 وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى الديار والممتلكات التي شردوا منها.
واليوم بعد ثلاثة وستون عاماً تستمر الجريمة الدولية بحق الشعب الفلسطيني جراء الموقف الدولي والفيتو الأمريكي بعدما تمدد المشروع الصهيوني ليس فقط على حساب فلسطين، و إنما التوسع في الأراضي العربية الأخرى ولم يسحب الاعتراف من الكيان الغاصب رغم كل جرائمه واستيطانه المستمر ولم تنصف القضية والضحية( الشعب والأراضي والحقوق).
قد يختلف البعض في القراءة للتجربة النضالية لوديع التي حققت أهدافها ورسالتها الأولى في محاولة إيقاظ ضمير العالم والقول أن هناك شعب يستحق الحياة، يستحق المساندة، و يستحق العودة ورفع الظلم عنه ...
إن اختلف البعض في التقييم مع تلك التجربة فهذا مشروع ومفهوم، لكن لا أحد يجادل أو يستطيع القفز عن مرحلة نضالية ونخبة قيادية نحن بأمس الحاجة إليها الآن، قادها مناضلون وهبوا كل ما يملكون، عمدوها بدمائهم من أجل خدمة أهداف ومصالح شعبهم، تلك النماذج من تلك المرحلة حازوا على ثقة شعبهم فأحبهم الشعب، وامتلكوا قلوب الملايين من المناضلين وطنياً وقومياً وأممياً.
فالقائد ليس مفردة أو كلمة بل مفهوم ومواصفات دوراً وموقفاً، كفاءةً وسلوكاً، اليوم حق لوديع علينا أن نستذكره، وأن نقتفي أثره وأن نجدد الالتزام له ولرموز نضالية فلسطينية بتلك المعاني والقيم التي زرعوها .
احتل وديع حداد مكانته وحضوره ليس فقط من خلال موقعه في قمة الهرم القيادي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وقبلها حركة القوميين العرب وفي قلوب الأمميين الثوريين في العالم، لمصداقيته وشجاعته، ولقوة المثل والقدوة التي مثلها منذ لحظة تخرجه كطبيب عندما انحاز لهموم ومعاناة وألام شعبه في المخيمات ثم انخراطه للدفاع عن حقوق هؤلاء وأهدافهم الوطنية في التحرير والعودة .
في مناسبة استشهاد وديع حداد الذي يصادف الثامن والعشرون من آذار من كل عام، فهو استذكار واستحضار لنماذج من القيادة نفتقدها اليوم، ونحن بأمس الحاجة لأمثالها صدقاً وشجاعةً وكفاءةً وإقداماً، نموذج المناضل القائد العضوي بسلوكه الثوري المتفاني لدرجة نكران الذات .
استحضار ذكرى وديع ليس فقط من باب الوفاء بل محاولة المقارنة في ظل الوضع الفلسطيني الذي نعيشه وطنياً وجماهيرياً مع نموذج قائم من بعض القيادات المرتبكة والمترددة والمرتجفة، حيث فقد البعض الأمل بالتحرير والانتصار والنضال من خلال إدخال قضية شعبهم في دهاليز المفاوضات والمساومات والانقسامات، والبحث عن سلطة واهية ووهمية، لنموذج استمرئ الانقسام وأدامُه منذ سنوات، بسبب استمرار دفاعه عن خياراته البائسة أو يأسه، وعدم استعداده لدفع كلفة المقاومة.
أو نتيجة فقدانه الثقة بشعبه الذي يسطر يومياً عبر شهداءه وجرحاه وعذابات أسراه الاستعداد الدائم للتضحية من أجل الاستمرار في مقاومته رغم كل الظروف القاسية والصعبة حيث يدير المتنفذين في القيادة الفلسطينية الظهر لكل دعوات المراجعة والمصالحة الوطنية، وبناء الوحدة الوطنية، وإعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني ومؤسسات الشعب على أسس ديمقراطية وطنية من خلال الاحتكام للشعب ولصناديق الانتخاب أسلوباً وسبيلاً لتمثيل الشعب والتعبير عن خياراته .
الوفاء لوديع ليس مجرد كلمات وطقوس تشدق أو اجترار للكلام بل استرجاع وتقييم لواقعنا ولأوضاع ساحتنا الوطنية، لاستخلاص الدروس والعبر للمضي على درب من سبقونا من شهداء وجرحى وأسرى وبغير ذلك فنحن لا نستحق الانتماء لهؤلاء، وللقضية التي قضوا من أجلها .
في هذا اليوم نستذكر رسالة جورج حبش الشفوية عندما كان معتقلاً في سجن " الشيخ حسن" في دمشق في نهاية الستينات حين قال "آما آن الأوان يا وديع" فلبى وديع النداء في عملية ذكية ونوعية جريئة أدت إلى إطلاق سراحه من السجن .
ونحن نعيش الذكرى السادسة لاقتحام سجن أريحا واقتياد الأمين العام أحمد سعدات مرفوع الرأس، وبعد مكوثه لأكثر من عشرة أعوام في السجن بصفقة خسيسة من قبل السلطة الفلسطينية ألا يستحق منا سعدات، ومن رفاق مدرسته تلبية نداء الإفراج عنه بكل الوسائل المتاحة .
ما أحوجنا اليوم في هذه المناسبة في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، واليسار الفلسطيني والساحة الفلسطينية، لنماذج هؤلاء الرجال رؤيةً وسلوكاً واستعداداً كفاحياً لتقديم الغالي والرخيص على مذبح الحرية والعودة، وبدل أن نلاحق العدو في كل مكان كما كان يدعو القائد الشهيد وديع حداد ها هو عدونا يلاحق شعبنا ومناضليه في كل مكان عبر سفاراته وموساده في أنحاء العالم .
لروح وديع ولرفاق مدرسته منا كل التحية والوفاء .
• وديع حداد مواليد صفد 21تموز 1928، ا ستشهد وديع في أحد مشافي برلين بألمانيا الشرقية
ودفن في بغداد في 28آذار 1978 .