أحدث المشاركات
صفحة 1 من 3 123 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 23

الموضوع: مقهى المحرومين (مسرحية)

  1. #1
    الصورة الرمزية بشار عبد الهادي العاني شاعر
    تاريخ التسجيل : Aug 2011
    الدولة : تركيا
    المشاركات : 2,723
    المواضيع : 133
    الردود : 2723
    المعدل اليومي : 0.59

    افتراضي مقهى المحرومين (مسرحية)

    المشهد الأول

    الشخوص:
    المذياع العتيق (الشخصية الرمزية المحورية)
    الاستاذ(مثقف ثوري وموظف شريف بائس و معتقل مفرج عنه حديثاً)
    صاحب المقهى( إنسان غامض لا يملك من الحياة شيئاً , ذات صباح استيقظ الناس على خبر شراءه المقهى من صاحبه القديم و لغاية كتابة هذه السطور لا أحد يعرف بالضبط , من أين أتى بقيمتها )
    عامل المقهى(أو ما يسمى بصبي المقهى) فتى بسيط يعول على إخوته الصغار و أمه الأرملة
    (الاستاذ ليس لي دخل): سمي بهذا الاسم بعد أن أصابته لوثة عقلية على إثر تحقيق روتيني ,جرى معه في دهاليز مظلمة , و بعد أن كان قبلة الجميع , لثقافته و علمه وبساطته و صراحته - التي كانت سبباً في ذاك التحقيق
    رواد المقهى المعتادين

    المكان:
    حارة في منطقة عشوائية وعلى ناصيتها تربع هذا المقهى المترهل ذي الطاولات الأربع

    جلبة و دخان كثيف تصاعد نتيجة لدخان السجائر و النراجيل ومذياع ضخم قديم تربع على منصة مرتفعة يصدح بأغنية جميلة لكوكب الشرق
    ((اد ايه من عمري قبلك راح وعدى ياحبيبي
    اد ايه من عمري راح))

    يجلس الاستاذ وحيداً رغم سيل المهنئين الطالبين منه الانضمام لطاولاتهم بعد طول غيبته
    -( والله افتقدناك يا استاذ لك وحشة كبيرة أين كنت ؟ قلقنا عليك , عسى ما شر) زبون يصرخ مهنئاً
    -الاستاذ:هههه . مشاغل واعباء , سلمك الله
    يجيب على مضض , محاولاً إخفاء الكذب الذي لم يتعود عليه .
    الاستاذ(هامساً بسخرية) : آخ لو تعرف اين كنت اقبع الايام الماضية , والتي مرت علي كسنيين , ليتك كنت معي هههههه .

    (( ولا شاف القلب منك فرحة وحده ولا داق في يوم غير طعم الجراح))
    صدقتي يا ست .في الأيام القليلة الماضية , ذقت كماً هائلاً من الجراح , يعادل كل سنين حياتي مجتمعة( الاستاذ بصوت خافت)
    صبي المقهى يصرخ بفرح وهو يحمل عدداً من كؤوس الشاي ويؤرجحها بحركات بهلوانية:
    - أحلى كاس شاي للأستاذ . و الحساب مدفوع من قبل المعلم الكبير صاحب المقهى .
    يلتفت الأستاذإليه فيراه قد رفع يديه بحركة استعراضية وكأن لسان حاله يقول: لا داعي للشكر..
    -شرفتنا يا أستاذ . أين كل هذا الغياب ؟ (صاحب المقهى هاتفاً , وهو يداعب شاربيه الممتدتين على وجهه كأنهما قرنا ثور معمر)
    -الأستاذ بلكنة الممتن: الله يعطيك العافية يا معلم , والله لقد كنت مشغولاً الأيام الماضية .
    - يهمس( وكأنك لا تعرف أين كنت يابن الزا.... والله يتملكني شعور كبير , بأنك أنت , من كنت وراء غيبتي)

    -مئة مرة قلت لك إن أردت اللعب معي , فلا داعي للغش يا أخي , ما جنسك أنت ؟ لا تعرف اللعب من دون غش (زبون يصرخ بحنق واقفاً)
    - هه , و من يتقن اليوم اللعب بدون غش يا أحمق ؟. إنما نعوم في بحر من الغش( رفيقه على الكرسي المقابل مع ضحكة صفراء)
    (أستاذ ليس لي دخل) يجلس وحيداً على طاولة منفردة) يقوم كمن لدغته أفعى و يصرخ:
    ليس لي دخل , ليس لي دخل , قلت له ألف مرة , يا بني لسانك حصانك ,إن صنته صانك )
    تعالت الصيحات المستنكرة و المؤنبة من تلك الطاولة ,والتي اجتمع عليها أربعة رجال في منتصف أعمارهم يقتلون الملل و الوحدة
    - صاحب المقهى مناديا صبيه: أسكت االعجوز, و صب له كاساً من الشاي.
    يهمس بأذن صبيه: وواحدة للغشاش , عسى أن تتفتح قريحته.
    - كم صرت أكره اللعب , يذكرني دوما بالأماكن المغلقة( الأستاذ هامساً)
    - زبون:الله( دو شيش) ! راحت عليك , وهزمتك بالثلاث . صوت يزمجر بضحكة نصر مستهزئة.
    يرد عليه باستسلام و يأس :- ( لا انت اليوم حظك كحظ بنات الهوى لا يقهر) يرد عليه خصمه
    اترك الحظ جانبا , هذا يسمى حرفية .(يرد بلهجة المنتصر)

    ( ابتديت دلوقت احس ابتديت دلوقت اخاف للعمر يجري)

    (استاذ ليس لي دخل): -الله يا ست الله (عبرة و بكاء مخفي ) , ويتابع: وهل بقي من العمر إلا رشفة( يرتشف كأس شايه بصوت عال مقزز)
    المذياع العتيق: - لاز لتم أحبتي تستمعون إلى كوكب الشرق أم كلثوم من إذاعة صوت إسرائيل من اورشليم القدس .
    صمت رهيب أطبق على المكان و الكل ينظر باتجاه صاحب المقهى , الذي تخشب بطريقة عجيبة ,و تهدل شاربه , فغدا كحبل الغسيل المهترئ .
    الكل بصوت واحد شامت:( الله يعينك يا معلم راحت عليك أيام اللعب و الفهلوة)
    صاحب المقهى يستفيق من غيبوبته و بصوت باك محترق مخاطباً صبيه:
    -كم مرة قلت لك يا حيوان , لا تضع هذه الإذاعة اللعينة , روح وأنت طالق ( اقصد أنت مفصول)
    العامل بنحيب و ألم: - أنت قلت لي يا معلم , ضع للزبائن أغنية لام كلثوم ,ولم أجدها إلا على هذه الموجة .
    ينظر صاحب المقهى إلى المذياع بحنق , و يهم أن يكر عليه و يحطمه.
    المذياع العتيق ناطقاً: - ليس لي دخل , ليس لي دخل
    أستاذ ليس لي دخل: - هذا أنا , حقوق الطبع محفوظة , سأقاضيك بتهمة الاختلاس .
    المذياع العتيق: هكذا برمجت , و ما على المذياع إلا الانصياع.

    (الوجوم يخيم على المقهى وتنطفئ الاضاءة الا على وجه صاحب المقهى و مكتبه)
    يضرب كفيه بكلتا يديه باكياً: -لا حول ولا قوة الا بالله .
    (جرس الهاتف يرن بقسوة وشماته)
    زبون:- جاءك الموت يا تارك الصلاة(بنبرة ضاحكة)
    (الجميع في المقهى يضحك ثم تسكت اصوات الضحكات الا صوت المذياع العتيق مازال ضاحكاً)
    صاحب المقهى يرفع السماعة بخوف و تردد ثم يقف خائفاً:
    -احترامي سيدي أنا ل.......
    (يصمت . امن الواضح أن الذي على الخط الآخر لا يعطيه فرصة للكلام)
    صاحب المقهى: ليس لي دخل يا سيدي .
    (الإضاءة تنتقل إلى الأستاذ ليس لي دخل): وما علاقتي أنا بالموضوع ؟الحمد لله ,الشهود كثر
    صاحب المقهى: اخرس يا مجنون.
    أستاذ ليس لي دخل: حاضر يا باشا
    صاحب المقهى مرتبكاً ينشف عرقه: - ليس لك سيدي إنما أخاطب عجوزاً خرفاً .
    -حاضر. حاضر , كما تامرون سيدي ,أنا و الصبي و المذياع , سنكون عندكم حالاً .
    المذياع العتيق: يا ويلي , و يا سواد ليلي
    صبي القهوة: أريد أمي .
    (جو حزين يسود المقهى و الزبائن تربت على كتف صبي المقهى لمواساته)
    الاستاذ: لا تخف ,مجرد سؤال و جواب ,المهم أن تحتفظ برباطة جأشك.
    الجميع يربتون على المذياع العتيق , الذي تصاعدت منه موسقى جنائزية.
    ثم يتوقف قائلاً: آن الآوان لوضعي في باحات المزابل , أو بيعي كقطع مستعملة , يا خسارة التكنو لوجيا الاصيلة
    صاحب المقهى: نعتذر منكم أيها السادة ,سنضطر لإغلاق المقهى لبعض الوقت ,لظروف عائلية طارئة(ثم يلتفت الى صبيه بصوت آمر): أغلق المكان , و الحقني بصحبة هذا المذياع الحقير الى الخارج , فأنا بانتظاركم.
    (يغادر صاحب المقهى المكان بعد أن فتح خزنته , و تناول منها رزمة من النقود)
    الاستاذ بصوت ضاحك: - ظروف عائلية ؟! هه ... لا تنس أن تسلم لي على حماتك .
    زبون:- سترى ظروفاً عائلية , تحمر لها الرقاب في حضرة معاليه هههههه ..
    ( تنفجر الضحكات في المقهى)
    الأستاذ و العجوز ليس لي دخل يقتربان من الصبي وهم يربتون على كتفيه:
    - لا تخف . وأي سؤال يوجهونه إليك , قل لهم : هكذا أمرني معلم المقهى , أنا لا أعرف شيئاً ,
    أنا جاهل , و لا أفرق بين البطيخ و الشمام , أو بين النسور و الحمام .
    يغادر الجميع المقهى ويلملم الصبي حاجياته و يلتفت الى المذياع العتيق معاتباً:
    -هذا ذنبي , أني أحببتك , و لطالما أزلت عنك الغبار و الأوساخ , وعاملت أزرارك الكبيرة بكل رقة و احترام .
    -ما ذنب أمي و إخوتي الصغار ,الذين سينتظرون عودتي , التي قد تطول أو لا تحصل ؟
    المذياع العتيق: - لا تخف أعدك بأنك أول من يخرج من هناك و سأفديك بروحي و أسلاكي .
    ولكن عليك أن تصغي جيداً لما أقوله , و تنفذ بالحرف الواحد.
    صبي المقهى: حسناً لأرى مانهايه هذه القصة معك
    (صبي المقهى يحمل المذياع العتيق)
    (المذياع العتيق يقهقه): أنت تحملني من أماكن حساسة و تدغدغني
    صبي المقهى: مذياع أحمق , و كانهم صنعوك في مشفى للأمراض العقلية .
    المذياع(بلهجة جادة) وكيف عرفت ؟ وهل كان أحد أجدادك من صناعي ؟
    صبي المقهى: اصمت ,ودعنا نذهب قبل أن نسمع نباح المعلم .
    صبي المقهى يصرخ: - لا تنسونا يا شباب من الخبز و الحلاوة
    المذياع: و أنا كذلك لا تنسوني من بعض البطاريات
    يغادر الجميع وتنطلق موسقى حزينة يتخللها صوت جوقة مؤلفة من رواد المقهى تنشد:
    (يا ظلام السجن خيم
    إننا نهوى الظلاما
    ليس بعد الظلم إلا
    فجر مجد يتسامى
    يا رنين القيد زدني
    نغمة تشجي فؤادي)
    (صوت قادم من بعيد لشخص كأنه ذو رتبة عسكرية رفيعة:
    -اخرسوا جميعاً و إلا أخذتكم معهم.
    تسكت الاصوات , و تنطلق موسيقى خوف و رعب .

    نهاية المشهد الاول

  2. #2
    الصورة الرمزية وليد عارف الرشيد شاعر
    تاريخ التسجيل : Dec 2011
    الدولة : سورية
    العمر : 60
    المشاركات : 6,280
    المواضيع : 88
    الردود : 6280
    المعدل اليومي : 1.39

    افتراضي

    الله الله ... ليتك رأيتني أصفق طويلًا لهذا المشهد الجميل القوي
    اختلطت الواقعية المرة بالسخرية المستجلبة للطرافة والظرف النابع من معاناة الشخوص مع الرمزية (المذياع ) وإن وجدتها غريبةً متفردةً في زحام واقعية صارخة
    ألم - قهر - خوف - توتر - طرافة - حميمية ... كلها عناوين أضفت عليها الحواريات المستغرقة بواقعيتها جاذبيةً ومتعة .. وكانت بما نسميه اللغة الثالثة التي تجمع الفصحى للعامية
    بصدق أحسست أني كنت حاضرًا أشاهد هذا المشهد
    أنتظر بفارغ الصبر باقي المشاهد وأحييك مبدعًا تكتب المسرح بحرفة واقتدار ومن الواضح أيضًا عن تجربة مسرحية وثقافة ومشاهدة
    أحب أن ألفت الانتباه إلى أن التداخل اللغوي سبب لي بعض إرباك في مراقبة صحة كتابة بعض الألفاظ
    مودتي وكثير تقديري

  3. #3
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jan 2010
    الدولة : على أرض العروبة
    المشاركات : 34,923
    المواضيع : 293
    الردود : 34923
    المعدل اليومي : 6.71

    افتراضي

    مهارة ومرارة رسمت المشهد بما نجح فيه الكاتب بضم القاريء لعناصره ليعيش الحدث ويسير مع الحوار كجزء منه

    بانتظار التتمة

    تحاياي
    تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

  4. #4
    الصورة الرمزية آمال المصري عضو الإدارة العليا
    أمينة سر الإدارة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Jul 2008
    الدولة : Egypt
    المشاركات : 23,786
    المواضيع : 392
    الردود : 23786
    المعدل اليومي : 4.13

    افتراضي

    مشهد حي ناطق وكأن الشخوص تتحرك أمامي
    وحوارية شيقة تحمل الكثير
    أجدت تجسيد الحروف بألق
    متابعة حتى التتمة أديبنا الفاضل
    تحاياي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  5. #5
    الصورة الرمزية بشار عبد الهادي العاني شاعر
    تاريخ التسجيل : Aug 2011
    الدولة : تركيا
    المشاركات : 2,723
    المواضيع : 133
    الردود : 2723
    المعدل اليومي : 0.59

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة وليد عارف الرشيد مشاهدة المشاركة
    الله الله ... ليتك رأيتني أصفق طويلًا لهذا المشهد الجميل القوي
    اختلطت الواقعية المرة بالسخرية المستجلبة للطرافة والظرف النابع من معاناة الشخوص مع الرمزية (المذياع ) وإن وجدتها غريبةً متفردةً في زحام واقعية صارخة
    ألم - قهر - خوف - توتر - طرافة - حميمية ... كلها عناوين أضفت عليها الحواريات المستغرقة بواقعيتها جاذبيةً ومتعة .. وكانت بما نسميه اللغة الثالثة التي تجمع الفصحى للعامية
    بصدق أحسست أني كنت حاضرًا أشاهد هذا المشهد
    أنتظر بفارغ الصبر باقي المشاهد وأحييك مبدعًا تكتب المسرح بحرفة واقتدار ومن الواضح أيضًا عن تجربة مسرحية وثقافة ومشاهدة
    أحب أن ألفت الانتباه إلى أن التداخل اللغوي سبب لي بعض إرباك في مراقبة صحة كتابة بعض الألفاظ
    مودتي وكثير تقديري
    بوركت شاعرنا الكبير , حياك الله وبياك
    تعم سيدي المسرح هو عشقي الأول , تعمدت كتابة النص بلغة سهلة وكما أسميتها اللغة الثالثة ,وابتعدت عن التقعر ,لكي تصل الفكرة لشريحة أوسع وترسم الإبتسامة والمرارة والاستفهام على محيا الجميع.
    شكري وتقديري

  6. #6
    الصورة الرمزية بشار عبد الهادي العاني شاعر
    تاريخ التسجيل : Aug 2011
    الدولة : تركيا
    المشاركات : 2,723
    المواضيع : 133
    الردود : 2723
    المعدل اليومي : 0.59

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ربيحة الرفاعي مشاهدة المشاركة
    مهارة ومرارة رسمت المشهد بما نجح فيه الكاتب بضم القاريء لعناصره ليعيش الحدث ويسير مع الحوار كجزء منه

    بانتظار التتمة

    تحاياي
    لك جزيل الشكر والامتنان يا سيدة المكان

  7. #7
    الصورة الرمزية بشار عبد الهادي العاني شاعر
    تاريخ التسجيل : Aug 2011
    الدولة : تركيا
    المشاركات : 2,723
    المواضيع : 133
    الردود : 2723
    المعدل اليومي : 0.59

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة آمال المصري مشاهدة المشاركة
    مشهد حي ناطق وكأن الشخوص تتحرك أمامي
    وحوارية شيقة تحمل الكثير
    أجدت تجسيد الحروف بألق
    متابعة حتى التتمة أديبنا الفاضل
    تحاياي
    أهلاً بك يا أخية ,تزدان الكلمات بطيب مروركم
    شكري وتقديري

  8. #8
    الصورة الرمزية بشار عبد الهادي العاني شاعر
    تاريخ التسجيل : Aug 2011
    الدولة : تركيا
    المشاركات : 2,723
    المواضيع : 133
    الردود : 2723
    المعدل اليومي : 0.59

    افتراضي

    المشهد الثاني

    المكان
    (غرفة صغيرة مظلمة , تربعت في منتصفها طاولة حديدية صغيرة , و كرسي . من أعلى الطاولة تدلى ضوء مبهر شديد , و في ركن الغرفة انتصبت مغسلة ذات صنبور عتيق تنقط مياهه برتابة و شكل مزعجين)
    الشخوص:
    صوت المحقق
    صاحب المقهى
    صبي المقهى
    المذياع
    أصوات المعتقلين

    ( يجلس صاحب المقهى متوتراً , يسمع بخوف أصوات الضرب و الآهات من الخارج)
    - أأأأخ والله يا سيدي أنا بريء , لم افعل شيئاً و لم اقل شيئاً(أحد الأصوات)
    صوت المحقق( - اخرس يا كلب خذ هذه , طاخ طاخ)
    -آه , آه ,ليس لي دخل , ليس لي دخل .
    صاحب المقهى: - تركته جالساً في المقهى قبل مجيئي !
    صوت المحقق: - اخرس يا معلم .
    صاحب المقهى: - حاضر , حاضر , سيدي ( يلتفت حوله ثم يتكلم بهمس) : الآن عرفت , لماذا لا يتكلم هذا العجوز الخرف إلا بهذه الجملة .
    صوت المحقق: ها !!! أهلأً بالمعلم الخائن , و ناكر الجميل .
    (صاحب المقهى يقف خائفاً مرتعداً )
    صوت المحقق: اجلس
    صاحب المقهى: أهلا بسيدي , وولي نعمتي , ومعلمي صاحب المعالي(يتابع بعتاب)
    -أنا يا سيدي خادمكم المطيع الذي لا يعص لكم أمرا , وسجلي يشهد بذلك .
    صوت المحقق: - و لكنك للأسف ! ختمته بخاتمة سوء و خيانة .
    صاحب المقهى: - حاشا لله يا سيدي , إنما هو سوء تفاهم بسيط , ناتج عن صبي غبي , و مذياع عتيق أخرق .
    صوت المحقق:- هات ,احك لي ما الذي حصل ؟
    صاحب المقهى: -أمر سيدي و مولاي (يمد يده إلى جيبه و يخرج رزمة كبيرة من النقود)
    - ليسمح لي سيدي قبل هذا , أن أعبر عن خالص احترامي و تقديري لكم يا حامي الحما و البلاد , و أرجوكم( لهجة تملق شديدة) أرجوكم أن تقبلوا هديتي المتواضعة -التي هي في الواقع , لا تعبر إلا عن مدى حبي و إخلاصي لكم .
    صوت المحقق يتغير و يلين بعض الشيء: - حسناً حسناً , ضعها على الطاولة .
    صاحب المقهى:- قلت للصبي الغبي : افتح المذياع ,و ضع للزبائن أغنيةً لأم كلثوم ,وحضرتك تعلم أن شعبنا يا سيدي , يعشق هذا الصوت , و عندما يسمع صوتها ينتابه الحلم و الحماسة .
    صوت المحقق:- ااااايييي نعم
    صاحب المقهى:- وانأ كنت أريد هذه الحالة , لكي أكتشف مكنوناتهم الداخلية , و أدونها , و أسجلها في تقرير مفصل أقدمه لحضرتكم .
    صوت المحقق:- حلو ! خطة حلوة , و مبتكرة , جميل , تابع
    صاحب المقهى:- ولكن هذا الصبي الأحمق , وضع الأغنية , دون أن يتأكد من الموجة أو القناة التي تبث الحفل ,وذاك المذياع الخرف , مشى على هواه أيضا
    صوت المحقق: -يعني أنت متأكد , أنه لم يكن يقصد أن يضع تلك القناة بالذات؟
    صاحب المقهى:- أنا تلميذكم النجيب , و الله لو شككت بذلك واحد في المليون , لكنت نسفته تقريراً ,أنسيته فيه حليب أمه .
    صوت المحقق:- والمذياع العتيق ؟ هل تشك بانتمائه السياسي و القومي ؟
    صاحب المقهى: -هههه ... انه أغبى من الصبي , ولكن في الفترة الأخيرة صار يشوش , و يتعطل عندما تبث بعض خطب المسؤولين و المتنفذين !
    صوت المحقق:- يا ترى , هل استطاعت المعارضة أن تشده إلى طرفها ؟
    صاحب المقهى: -إلى الآن لم استطع أن اثبت عليه شيئاً .
    صوت المحقق:- هل رأيت الأستاذ يقترب منه كثيراً ؟
    صاحب المقهى( يضحك): -الأستاذ يا سيدي , دائماً منعزل , و بعد زيارته الأخيرة لكم , حتى السلام لا يرده لأحد .
    صوت المحقق:- لكي تعرف بأننا هنا ,منبر تأديب و معرفة و تقويم !!!
    (تنطلق صرخات ألم و أصوات ضرب و عبارات توسل)
    صاحب المقهى يتحسس رقبته بخوف ووجل ويجيب: -أنا من يعرف ذاك يا سيدي حق المعرفة .
    صوت المحقق:- والعجوز ليس لي دخل ؟
    صاحب المقهى: - هههه لقد تخرج من مدرستكم الموقرة بامتياز مع مرتبة الخرف و الجنون .
    (صوت المحقق يقهقه ببشاعة و يشاركه صاحب المقهى)
    حسناً, من أجل هديتكم , و سجلكم السابق , سأدعك هذه المرة تدخل الحمام لمرة واحدة ثم تنتظر حتى أحقق مع الآخرين
    صاحب المقهى باكياً:- لماذا يا سيدي الحمام ؟ أرجوك لا. لا
    صوت المحقق: -لا تخف . سأدعهم يتواصون بك , فأنت من عظام الرقبة .
    يصرخ المحقق:- هاتوا الصبي
    (يخرج صاحب المقهى ويدخل الصبي خائفاً مرتعدا يبكي)
    صوت المحقق بقساوة: -اجلس يا ولد
    الصبي: -لا يصح سيدي , من أجل و اجبكم
    صوت المحقق ينهره بشدة :- اجلس يا حمار.
    -حاضر سيدي , لو ناديتني بهذا الاسم سابقاً , لجلست فورا ( الصبي ببلاهة)
    صوت المحقق:- أصبحت من ممارسي السياسة , و المعارضة يا ولد ؟
    الصبي:- سمعت بممارسةال..... !! ولكن السياسة ؟
    صوت المحقق:- اخرس , كأنك تمزح معي ؟
    الصبي بخوف: -لا والله يا سيدي , ولكن لا اعرف عما تتكلم ؟ماهي السياسة ؟و أنا سأقول لكم: مارستها , أم لا ؟؟!
    صوت المحقق:- السياسة يا غبي . ألا تعرف ما هي السياسة ؟
    الصبي :- يا سيدي الله وكيلك , لا أعرفها , فكيف أمارسها؟ ثم معلمي لم يقل لي ولا مرة أو يخبرني عنها .
    صوت المحقق:- لماذا هل تتعلم كل شيء من معلمك ؟
    الصبي بخبث:- نعم سيدي , فأنا لم اعرف في حياتي غيره ,بعد وفاة أبي .
    صوت المحقق:- ومتى مات أبوك ؟
    الصبي: -عندما رأيت معلمي
    صوت المحقق:- وبماذا مات أبوك ؟
    الصبي:- من الجوع . سيدي
    صوت المحقق:- ومن الذي جوعه ؟
    الصبي: -كرامته , سيدي.
    صوت المحقق:- وماذا تعرف عن الكرامة ؟
    الصبي: لا أعرف شيئاً , سيدي (ببلاهة) ولكن أبي قال لي ذلك قبل موته .
    صوت المحقق بهمس( الحمد لله أنك لا تعرف شيئاً , كنا تعذبنا معك , كما تعذبنا مع أبيك)
    الصبي:- ماذا سيدي ؟
    صوت المحقق:- لا شيء , لا شيء ,قل لي :ماذا تعرف عن هذا المذياع الخائن ؟
    الصبي: -ههههههههه المذياع خائن هههههه
    صوت المحقق:- ما الذي يضحكك يا أحمق ؟
    الصبي:- لا شيء , لا شيء, ولكني يا سيدي , كنت أحسب هذا المذياع موظفاً مهماً بالحكومة.
    صوت المحقق بجدية و تساؤل:- ولماذا؟
    الصبي:- لأنه سيدي على الدوام ينافح و يمجد بالحكومة , و بصراحة سيدي ,وهذا سر بيني و بينك.
    (يوشوش قائلاً ملتفتا يمنة و يسرة: لقد كنت أحسبه مخابرات)
    صوت المحقق يضحك ببلادة:- ههههههه , وماذا تعرف عن المخابرات يا ولد ؟
    الصبي:- إنهم الناس الذين يدافعون عن هيبة البلد , و ينشرون الأمن و العدل ,ولا يسمحون لأحد بتخريب أمن الوطن والمواطن.
    صوت المحقق(نافشاً ريشه):- صدقت , صدقت , و الله أظهرت لي بأنك ولد فهيم !
    بهمس( ما أجحشك يا صبي)
    صوت المحقق:- طيب , ما قولك في حادثة اليوم , و لماذا حصل هذا الفلم الهندي ؟
    الولد بخبث و يحاول أن يرسم الجنون على محياه):- سيدي أخاف إن قلت لك الصراحة ,أن ينزعج معلمي , و يطردني من المقهى .
    صوت المحقق بفضول:- لا تخف , لن يسمعك ,إنه الآن في الحمام , إنهم يقومون بتلييفه الآن .
    الصبي بهمس:( الله يعينه راحت عليك يا معلم)
    صوت المحقق:- هه قل : هيا
    الصبي:- سيدي , صاحب المقهى بخيل جداً , و قد قلت له من فترة ,أن المذياع بحاجة إلى إصلاح , لأنه بدا يخلط الحابل بالنابل .
    تبرمجه على المحلي , ينطق بالإفرنجي , تعلي الصوت يبدأ بالسعال , لم يراع معلمي أنه مسن عجوز , و بحاجة إلى رعاية , لكي لا يدفع أجور التصليح
    صوت المحقق: -مفهوم مفهوم
    يستطرد سائلاً : و كيف هم زبائن المقهى ؟وخصوصاً الأستاذ , و العجوز ليس لي دخل .
    يحك الصبي ذقنه متثائباً:- الأستاذ لا أفهم كلامه , لأنه مثقف , و أنا أمي , لا افقه شيئاً , ولكنه طيب القلب و لا يؤذي أحدا .
    والأستاذ ليس لي دخل مجنون , لاتعرف عن ماذا يتكلم , إذا قلت له كيف حالك يا عماه . يقول لك : ليس لي دخل.
    وبقية الزبائن المنتوفين , في كل الأوقات يلعبون النرد و الورق و يسخرون من بعضهم .
    صوت المحقق: -وعن ماذا يتكلمون بالعادة ؟
    الصبي:- مواسم , يا سيدي
    صوت المحقق:- ماذا ؟
    الصبي: نعم سيدي , في الصيف يتكلمون عن الحر و قسوته , و في الشتاء عن البرد و الوقود , وفي بداية الشهر عن مرتباتهم ,وكيف أنفقوها بلحظات ,و بعد ذلك يحلمون بقدوم أخر الشهر ليتكرر المسلسل نفسه .
    صوت المحقق:- وهل يشتمون الدولة أو النظام ؟
    الصبي : -لا ياسيدي , ثم يلتفت متسائلاً بخبث:- وهل يجرؤون ؟؟؟؟
    صوت المحقق : -خذوا الولد إلى الحمام ,و ائتوا لي بالمذياع العتيق.
    الصبي خائفاً مرتعداً: -لماذا الحمام سيدي ؟ و أنا كما عرفتم , ليس لي ذنب ,و لا أعمل إلا كما يأمرني معلمي .
    صوت المحقق: -أعرف يا بني أنك بريء , ولكن من أجل سمعة المحل ,يجب أن تدخل إلى الحمام !!!
    ولو أن كل شخص لدينا دخل , و لم نمرره إلى الحمام , لضاعت هيبتنا و عنفواننا .
    ( أصوات ضرب و تكسير و صراخ)
    الولد ينسحب باكيا(- والله يجب أن ادخل الحمام الحقيقي فقد عملتها على نفسي أين أنتي يا امااااااااااه)
    ( ظلام ولا تزال أصوات الصراخ و الآهات وتنطلق موسيقى حزينة
    يا عيني يا عيني على الولد
    يا عيني يا عيني على الولد
    يتبع

  9. #9
    الصورة الرمزية بهجت عبدالغني مشرف أقسام الفكر
    أديب ومفكر

    تاريخ التسجيل : Apr 2008
    الدولة : هنا .. معكم ..
    المشاركات : 5,142
    المواضيع : 253
    الردود : 5142
    المعدل اليومي : 0.88

    افتراضي

    وما زالت متابعة هذه المسرحية الواقعية الساخرة

    مستمرة ..

    بانتظار التكملة ..







    تحياتي ..
    لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير

  10. #10
    الصورة الرمزية بشار عبد الهادي العاني شاعر
    تاريخ التسجيل : Aug 2011
    الدولة : تركيا
    المشاركات : 2,723
    المواضيع : 133
    الردود : 2723
    المعدل اليومي : 0.59

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة بهجت الرشيد مشاهدة المشاركة
    وما زالت متابعة هذه المسرحية الواقعية الساخرة

    مستمرة ..

    بانتظار التكملة ..







    تحياتي ..
    تتشرف كلماتي المتواضعة بمروركم أستاذي الفاضل
    شكري

صفحة 1 من 3 123 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. مقهى المهرجان
    بواسطة د.جمال مرسي في المنتدى مهْرَجَانُ رَابِطَةِ الوَاحَةِ الأَدَبِي الأَوَّلِ 2006
    مشاركات: 344
    آخر مشاركة: 03-08-2006, 01:19 PM
  2. مقهى بوجشتر
    بواسطة عبد الرحيم ناصر في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 9
    آخر مشاركة: 14-02-2006, 08:24 PM
  3. مقهى الغرباء
    بواسطة مهند صلاحات في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 12-11-2005, 06:30 AM
  4. على مقهى
    بواسطة عادل عبد القادر في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 19
    آخر مشاركة: 08-10-2005, 09:12 PM
  5. العيد غدا-مهداة لكل المحرومين من فرحة العيد
    بواسطة فارس عودة في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 16-12-2003, 03:49 PM