أبجديات الموت.. سيرة رسول مات منذ عام ونصف.. ولم يولد بعد..
جميع من يعيشون الوهم يدعون بأن من علمتهم هي الحياة أي كذبة عابرة يلفقون ما يسمونها حكمتهم عليها.. أنا مثلهم لا شيء يختلف في عنهم لأننا نعيش في أزليات الوهم المتكررة منذ آلاف السنين ونحلم بأمجادنا الوهمية وأجدادنا الغجريين الذين اغتصبوا الفروسية وانتهكوا عرض الكرم وقدموا قربانهم للمجد والخلود في سلالة مخبولة تماماً ..!!
ها أنا ذا ألاحق الوهم حالياً ولكن ليس للحياة دخل في كل ما تعلمته إنها أبجديات الموت والتضحية منذ أكثر من عام ونصف هي من علمتني كيف أعيش لدرجة العيش مثلاً في روح أنثى ميتة..
ربما يريد البعض القول مثلاً: ما الذي أريد قوله..؟!
لا مجال لعلامات الاستفهام في أقدام من ضحوا بأرواحهم من أجل أن يخلقوا تأريخ حقيقي لا علاقة له بكل شوائب ما مضى..
فالماضي لم يأخذ في كل سنواته خطوة واحدة نحو الحرية من الداخل.. كان دائماً ينبذ الاستعمار ولكنه لم يقوى أبداً على نبذ الاستبداد.. ونبذ الفساد.. ونبذ العاهات التي جعلته يغوص طويلاً في عصور مظلمة.
ويا له من حزن مزمن نعيشه عندما نعيش نبحث عن خرافات وأساطير وعن عشاق مجانين ومصادر رزق ودعم ونفوذ وننسى كل هذه الثورات هذا هو السرطان الذي يجب علينا أن نخلعه من عقولنا ونبحث عن مستقبل هذا التأريخ الذي خلقته أجساد العزل التي استشهدت وهي تواجه جحيم الماضي وبقاياه.
أريد أن أفهم كيف لنا أن نتأمل بصمت كل ما يحدث ونعجز كثيراً جداً حتى عن تحريك أقدامنا أو أقلامنا للمواجهة المحتملة لما يحدث ونظل ننتظر حدوث معجزة مع كل إيماننا التام بأنه قد ولى زمن المعجزات منذ زمن بعيد..
الأوطان المتكئة على غيرها هي عار على تأريخ أبنائها الذين تغابوا عن كل المفاسد التي تحدث فيها .. لكن ثمة شيء ما في التأريخ كله يقول لي بأن استمرار امتدادات هذه السلالة الفاشلة والمتواصلة يستمر لشيء.. ليس للقيامة طبعاً إنما لخلق عدالة إلهية بين التخلف والتقدم بين الحضارة والوجود فقط بين الإنسانية وفقدانها.. بين أشياء كثيرة تغلب على أمرها هذه الحروف.
أفتش عن ذاكرة عصرية للزمن ولكني كلما مضيت قدماً أجد نفسي في آخر لوحة من ألواح القدر لا أقوى على نفخ ولو قليلاً من الرماد الذي تكدس في قلوب الأمة.
عندما أقول بأن الشعب اليمني مجرد مجموعة أضداد سماعية لا متناهية .. البعض سيقول أني أقتل الأمل والتأريخ و.. و.. و.. و .. يسرني هذا جيداً لأنهم البعض.. أخاف على نفسي التي ماتت منذ عام ونصف.. منذ انطلاق الثورة اليمنية.. منذ أن خرجنا نبحث عن الوطن وفقدناه ربما إلى الأبد.. منذ أن سقطت الأجساد الطاهرة ولم تبكي عليها سوى الشوارع..
حتى أنا لم أجد في نفسي ما يستحق أن أبكي عليه في كل هذه المتاهات غير موتي وربما لأنه الوحيد الذي لن يتم تصنيفه على حساب أي جهة مخبولة.. وأنا لست رسولاً لأي إله.. أو رسالة ما.. أو دين ما.. أنا رسول حياتي إلى الموت..
سأقيم جنازتي وحيداً ربما سأقف يوماً ما في حدادي الأخير على نفسي ولكن قبل هذا أريد أن أفهم لماذا لم أعد أستطيع فهم أي شيء !!