فى الأسبوع الماضى استمعنا إلى أصوات عديدة وكثيرة سبقت الانتخابات الأمريكية التى شغلت العالم بقدر لا تستحقه ، فليس فى أمريكا ما يبعث على الأمل ، فكل اللصوص سواسية لا يختلف هذا عن ذاك إلا فى التخطيط والتنفيذ ، لكن الهدف واحد والاستراتيجية لا تتغير ، وفى هذا الصدد استمعنا إلى أصوات كثيرة تداخلت وتصادمت وأعلنت التحدى ، ولعل أبرز هذه الأصوات كان صوت الحق المتمثل فى شيخنا المجاهد أسامه بن لادن ، وأصوات الباطل التى تبناها بوش وكيرى والعديد من طغاة العالم ، لكن اللافت للإنتباه هو هذا التوحد فى الإتجاه والذى جمع ما بين بوش وكيرى وتأكيدهما على ضرورة ملاحقة بن لادن أينما وجد .

ولنا أن نتخيل دولة فى حجم أمريكا وهى تتحدى شخص واحد من المسلمين وتطارده فى كل مكان ... يكون الأمر منطقيًا إذا قام التحدى بين دولة وأخرى أو بين مجموعة دول ومجموعة أخرى ، لكن الحادث الآن أن دولة تدعى أنها سيدة العالم تضع كل إمكانياتها وقدراتها فى ملاحقة فرد واحد أراد أن يرفع الظلم عن أمته ، وعلى الرغم من كل ذلك فقد فشلت فشلاً ذريعًا لا حدود له ، فضربات أسامه بن لادن تتواصل فى كل مكان وزمان ، وأتباعه وأنصاره يتزايدون فى كل دولة ، بينما تتقلص أمريكا وتنعزل عن العالم أكثر وأكثر .

إن أسامه بن لادن يمثل لأمريكا بذرة حق تهدد مشروعها الكبير وتنسفه من الأساس ، وهى تحاول جاهدة سحق هذه البذرة فى مهدها ومنعها من الإنبات والتعاظم والخروج عن السيطرة ، فهل نجحت أمريكا فى ذلك ؟!!

لقد فشلت فشلاً ذريعًا أضحك عليها العالم ، فها هو بوش الذى وعد شعبه بأنه القادر على التخلص من أسامه بن لادن والتمكن منه حيًا أو ميتـًا يدخل الانتخابات وهو خالى الوفاض .. يدخل الانتخابات وهو فاشل مواصلاً خداع شعبه وتضليله بعد أن ملئهم رعبًا وخوفـًا من أسامه بن لادن وأتباعه ، ورغم وضوح الصورة إلا أن الشعب الغبى استجاب للحاكم الغبى وأمده بولاية حكم جديدة ستكون وبالاً عليهم بإذن الله تعالى !!

إن اختيار الله يظل دائمًا هو الاختيار الأفضل والأعظم حتى لو لم يوافق هوى النفس وتطلعاتنا القاصرة .. من هنا فإننى أؤكد أن فوز بوش فى الانتخابات الأخيرة سيعود بالخير الوفير على أمة الإسلام والمسلمين بإذن الله ، وذلك على عكس ما يتوقع البعض ، فبوش يُعد من أكثر حكام أمريكا غباء ، وقد شهدت بغباءه الفطرى والدته يوم أعلنت : ( هذا هو أغبى أولادى أصبح رئيسًا لأمريكا ) والمرء العاقل يفرح إذا قاد الدولة الطاغية حاكم فاشل وغبى لأنه سيعجل بنهايتها لا محالة ، وقد شاهدنا فى ولاية بوش الأولى كيف ارتفع حجم الدين الأمريكى والذى يتعاظم الآن فى كل يوم أكثر وأكثر حتى تحول إلى شبح مخيف وعما قريب سيصبح خارج السيطرة ، وتلك النقطة الهامة التى لا تظهر على الساحة هى التى كانت سببًا فى تفكك الاتحاد السوفيتى وانهياره .

لقد بلغت تكاليف الحرب الأمريكية على العراق حتى اللحظة ما يقارب الـ 150 مليار دولار ، يضاف إليها شهريًا ما لا يقل عن 8 مليارات شهريًا فى الوقت الذى بلغ فيه عجز الميزانية الأمريكية أكثر من 455 مليار دولار .

يقول الدكتور محمد أحمد النابلسى فى العدد الأخير من مجلة "الشاهد" : ( إن الحظ سيكون حليف الولايات المتحدة الأمريكية لو نجحت فى جعل بوش يدفع بنفسه ثمن حماقاته ، وسيكون من سوء حظها أن يفوز بوش فى دورة ثانية فعندها ستدفع أمريكا كلها ثمن هذه الحماقات وأولها حماقة الحرب الاستباقية ) .

إن نهاية الامبراطوريات القوية تأتى دائمًا على يد الحكام الأغبياء الذين يفقتدون إلى الحكمة ويتصرفون بغباء ، ونحن فى عالمنا العربى والإسلامى دفعنا ثمن ذلك من خلال تولية الأغبياء وطول مدة بقائهم فى الحكم .. دفعته أيضًا ولايات الاتحاد السوفيتى الذى انهار رغم ما بلغه من مجد ورفعة ... أمريكا تسير مسرعة فى هذا الاتجاه ، ولن ينقذها منه أحد لأنها سُنة الله فى خلقه ، وبإذن الله سيشاهد هذا الجيل الذى شاهد إنهيار الامبراطورية الروسية إنهيار الامبراطورية الأمريكية فى أمد بسيط جدًا على يد أمثال بوش وكيرى وهؤلاء الحمقى .

إن أقدام أمريكا مازالت غائصة فى مستنقع العراق وأفغانستان ، والعراق وحده يستقطع 30% من حجم الجيش الأمريكى ، وهذا العدد سوف يزداد كلما ازدادت عمليات المقاومة فى العراق ، وما التهديد الأمريكى لكل من كوريا وإيران وسوريا والسودان غير تهديد أجوف لن يرقى إلى حد التنفيذ بالوضع الذى نراه الآن .

وفى السياق نفسه يقول الدكتور محمد النابلسى : ( إن الوضع فى العراق وأفغانستان سيضع أمريكا قريبًا أمام أحد ثلاثة احتمالات : فإما الإنسحاب المذل ، وإما ترك البلدين يبتلعان الجنود الأمريكيين ، وإما اللجوء إلى خطوات الإبادة الجماعية ) وأنا أرى أن أمريكا بدأت ذلك بالفعل ولكن بخطوات معكوسة .. بدأت بالإبادة الجماعية التى سوف تبتلع الجنود الأمريكيين كلما طالت مدة البقاء فى كل من العراق وأفغانستان ، وستصل حتمًا للخيار الأخير وهو الإنسحاب المذل .

إن أمريكا لم تنجح فى يوم من الأيام فى إدارة معركة واحدة ولم تكسب حربًا فى تاريخها كله إلا عن طريق العملاء والخونه ، وليس أمامها غير الإنسحاب المهين من العراق ، لكن المشكلة الحقيقية التى تقلق أمريكا أن العراق ليس فيتنام أو الصومال .. إنه يتوسط منطقة فى غاية الخطورة بالنسبة لأمريكا وأتباع أمريكا والدول المجاورة للعراق ... إن كل نظام عربى قدم الدعم لأمريكا ترتعد فرائصه اليوم خوفـًا من مستقبل العراق فى ظل المقاومة .. إنهم يتمنوا احتلاله ولا يتمنوا تحريره .. يتمنوا أن تمزقه الحرب الأهلية ولا تقوم له قائمة حتى لا يأتى يوم الحساب ، وأمريكا تعلم أن التضحية بالعراق تعنى التضحية بكل شئ والتخلى الكامل عن إمتلاك المنطقة وإقامة إسرائيل الكبرى ، وكلها معوقات تجعل القرار الأمريكى صعبًا خصوصًا إذا ما تحقق الإنسحاب على يد المقاومة الإسلامية المجاهدة فى كلا البلدين .

يقول تعالى : (( وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولى المتقين )) .

ويعد الشيخ أسامه بن لادن فى زماننا هذا شيخ المتقين وإمام المجاهدين والراية التى يلتف من حولها كل المجاهدين ، وكل كلمة تصدر منه تكون بمثابة الدواء الذى يشفى صدور قوم مؤمنين ، وما تعامل بوش مع أسامه بن لادن إلا صورة مكررة لتعامل فرعون مع موسى .

لقد كرر بوش كثيرًا مقولته الكاذبة بأنه يسعى لتطهير الأرض من الإرهابيين الذى يفسدون فى الأرض ويحجبون الحرية عن الشعوب ويعشقون القتل والدمار ، وكل هذه الأفعال يتصف بها بوش ويرمى بها الآخرين ... يقول تعالى فى سورة غافر : (( وقال فرعون ذرونى أقتل موسى وليدع ربه إنى أخاف أن يُبدل دينكم أو أن يُظهر فى الأرض الفساد ـ 26 ـ وقال موسى إنى عُذت بربى وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب ـ 27 )) وتستكمل الآيات الكريمة وصف المشاهد التى نحياها بكل دقائقها وتفاصيلها فيقول جل شأنه : (( وقال رجل مؤمن من ءال فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلاً أن يقول ربى الله وقد جاءكم وقد جاءكم بالبينات من ربكم وإن يك كاذبًا فعليه كذبه وإن يك صادقـًا يصبكم بعض الذى يعدكم إن الله لا يهدى من هو مسرفٌ كذاب ـ 28 ـ يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين فى الأرض فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد ـ 29 )) .

الحكام ضد أسامه بن لادن ، ووسائل الإعلام ضده ، ورغم التضييق والحصار فإن الله جل شأنه يبلغنا صوته بين الحين والحين ، وهو الذى لا يملك وسائل إعلام ولا يملك جيوش زيف ورياء ونفاق .. يصلنا صوته الخاشع والواثق رغم كل المعوقات والصعوبات وكأن الله تعالى قد أوحى له ما أوحى لنبيه إبراهيم : عليك النداء وعلينا البلاغ ... يقول تعالى فى سورة ص : (( وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلاً ذلك ظن الذين كفروا فويلٌ للذين كفروا من النار ـ 27 ـ أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين فى الأرض أم نجعل المتقين كالفجار )) .

قد يقول قائل : ماذا يمكن لأسامه بن لادن أن يفعله فى مواجهة دولة فى حجم أمريكا ؟!! ويقول آخر : وماذا يمكن للجماعات الإسلامية أن تفعله فى مواجهة أنظمة طاغية وباغية ؟!! ... وقد يقول ثالث : وماذا فعل الطفل الفلسطينى بالحجر ، وماذا يمكن أن يحقق أمام الدبابة والطائرة ؟!! .... كل هذه الأقوال مردودة على أصحابها وهى فى مجملها عبارات خاطئة تعتمد على الحسابات المادية وإدارة الصراعات دون إعتبار لوجود الخالق ونواميسه وأحكامه (( وما يعلم جنود ربك إلا هو )) .

إننا لا نريد من كل هذه النماذج غير القدوة ..

إنهم يمثلون لنا البذور الصالحة التى تحمل كل الخير ..

يلزمنا من يغرس فينا الأمل وينزع منا اليأس ..

يلزمنا من يضع أقدامنا على طريق الهدى بعد أن كثرت من حولنا طرق الضلال ..

يلزمنا من يمحو من عقولنا اليأس وينزع عن نفوسنا التشاؤم ..

يلزمنا من يُرينا آيات الحق بأفعاله ، وقد فعل ذلك الشيخ أسامه بن لادن ..

يجب ألا تضيع محاولات الإصلاح هباء ..

يجب ألا نرضى بالفشل مهما حدث من تجاوزات وانتكاسات ، فليس بعد التشاؤم إلا الضياع ..

علينا أن نعاود ضرب الصخر حتى ينفلق ، وإن لم ينفلق علينا أن نعاود الضرب مرات ومرات ..

يضحك القدر من اليائس ويقول من غير صوت : الطرقة القادمة هى التى كانت ستفلق الحجر ، لكن الذى ضرب كثيرًا يأس أخيرًا فضاع كل شئ !!

إن الولايات المتحدة ـ مهما كانت قوتها ـ لن تقوى ولن يقوى معها العالم على تحمل تبعات فترة رئاسة جديدة لحاكم أقل ما يتصف به هو التهور والرعونة ، وستصبح أمريكا ذات يوم كالقطار الذى يجرى من غير سائق .

إن أحدًا لا يمكنه إدراك ما سوف تحمله السنوات القادمة بعد أن خلطت أمريكا أوراق الحق والباطل وبدلت مفاهيم المقاومة والاحتلال وعبثت بكل القيم والمبادئ والأخلاق .

لقد خالف بوش العالم كله فى حربه على العراق وخالف القانون الدولى وخالف حتى الحلفاء والأصدقاء وغرته القوة العمياء فإلى أين يمضى بعالم عجز فيه الضعيف وصمت فيه القوى وتهمشت فيه كل المؤسسات الدولية التى قامت من أجل إقرار الحقوق وإنصاف الضعفاء !!

ها هى إسرائيل تعربد على حس أمريكا معتمدة على الفيتو الأمريكى الذى ساندها أكثر من 29 مرة منهم سبع مرات فى عهد هذا الحاكم الظالم .

إن أمريكا تعربد الآن فى أفغانستان وتعيد الانحلال إلى النساء والرجال عن طريق نشر الإباحية والتبرج وزراعة المخدرات ، ومازالت فى العراق تقتل وتقصف ولا يمكن للعالم أن يتحمل جرائم أكثر من ذلك فقد وصلت الأمور إلى حد التشبع ، ولقد أظهرت الانتخابات الأمريكية والصهيونية أنه لا يوجد مجتمع مدنى فى كلا الدولتين فالشعوب هناك انحازت لمن يسفك الدماء وينشر الخراب ، وعلى هذا الأساس فعلى كل أمريكى وصهيونى أن يدرك أنه مستهدف ولا فرق بين مدنى وعسكرى .

لقد وضع الشيخ أسامه بن لادن أقدام الأحرار على طريق الخلاص ، والأمل الآن فى حركة الشعوب وتغيير الأنظمة البالية التى تساعد أمريكا على الظلم والطغيان واستباحة الحرمات .

مرحبًا بألف ولاية أخرى للمجرم بوش ، فقد يُرنا الله فيه ما يستحقه وتنزل اللعنات عليه وعلى قومه ، وكثيرًا ما تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن ، وإن غدًا لناظره قريب .
منقول