سعيا لبيان مضمون حقوق الإنسان في الإسلام هذا عرضٌ لأهم المفاهيم الحقوقية مع توضيح نظرة الإسلام إليها :
1 ـ الحق في الحياة :إن الحياة في الإسلام مقدسة ، ومن بين الآيات العديدة التي تؤكد حرمة انتهاك حياة الإنسان ـ إلا لسبب عادل ـ قوله سبحانه : ( ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ) الأنعام / 151 ، وقوله عز و جل : (أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيى الناس جميعا ) المائدة /32 .
وقد شرع الإسلام حد القصاص لحماية حق الحياة . فالإنسان في الإسلام محترم في حياته ، ولا يجوز التمثيل بجثته ولو في الحرب . بل إن القتال لم يُشْرع إلا من أجل الحق ودفاعا عن الحق ، مع وجود قيود صارمة على العمليات الحربية .هذا بالإضافة إلى تحريم الإسلام قتلَ غير المحاربين من النساء و الأطفال ، و كبار السن .
و قد جاءت الشريعة الإسلامية بمبادئ حماية النفس و العرض و المال وعدم التهور في التعرض للمهالك ، و الحفاظ على العقل بتحريم الخمر وكل ما يذهب العقل . وهكذا لم يترك الشرع الحنيف أمرا فيه حفاظ على حياة الإنسان إلا دعا إليه وشرعه .
2ـ الحق في العدل :إن أول و أهم واجب للنبي صلى الله عليه و سلم كان هو إقامة العدل ، و لا يزال هو واجب أفراد المجتمع وهيئاته . و إن السلطات ليست مسؤولة فقط عن إقامة العدل للجميع بل يجب أن تعطي كل فرد الحق في الاحتجاج على الظلم . ويمكن أن نورد في هذا الخصوص الآيات التالية من بين آيات أخرى كثيرة قال تعالى : (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط و لا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو اقرب للتقوى و اتقوا الله إن الله خبير بما تعملون ) المائدة /8 ، وقال جل جلاله أيضا : ( وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا و أصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم )الشورى / 40 ،41 ، 42 .
3 ـ الحق في المساواة :
تعد المساواة بين الناس على اختلاف أجناسهم و ألوانهم و لغاتهم مبدأ أصيلا في الشرع الإسلامي ، بخلاف الحضارات السابقة حين كانت النظرة للإنسان بحسب جنسه أو لونه أو غناه أو فقره أو قوته أو ضعفه أو حريته أو عبوديته . ويعترف القرآن الكريم بمقياس واحد فقط للتفضيل فيما بين الإنسان و أخيه الإنسان ، وهو السلوك الأكثر تقوى . ولا يعتد بأي تمييز قائم على أساس النسب و العلاقات القبلية و اللون و الأرض . و تعتبر الآيات التالية ميثاقا غليظا في هذا الشان : قال تبارك و تعالى : ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير ) الحجرات / 13 ، وقال سبحانه كذلك : (ولكل درجات مما عملوا وليوفيهم أعمالهم وهم لا يظلمون ) الأحقاف / 19 .
و لا تتنافى هذه المساواة مع الاختلاف بين غير المتماثلين في الحقوق الفرعية فالاجتهاد و العمل و الابتكارات و القدرات مطالب اجتماعية لتحقيق المصالح ، و بناء عليها يختلف الناس اختلافَ حساب و ليس اختلاف كرامة ، فالناس سواسية أمام الله رغم اختلافهم في الفروع .
4 ـ واجب إطاعة ما هو شرعي و الحق في عصيان ما هو غير شرعي :
إن المعنى الواضح لفكرة حكم الشريعة هو أن يكون الشخص مسؤولا فقط عن إطاعة ما هو شرعي و الابتعاد عما هو غير شرعي و عصيانه ، بل تصحيحه إذا استطاع . وقد قال الله عز و جل في هذا الشأن : ( و تعاونوا على البر و التقوى و لا تعاونوا على الإثم و العدوان ) المائدة / 2 . و قد روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أيضا أنه أعلن مرارا : " لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق " رواه البخاري في كتاب الأحكام .
5 ـ الحق في الحرية :
لقد وصف الله الإنسان بأنه خليفته في أرضه ، قال سبحانه : ( وإذ قال ربك للملائكة إني جـاعل في الأرض خليفـة ) البقرة / 30 ، و هذا الوصف له مدلولاته من حيث ما ذُكر من الكرامة و الاحترام و الحق الإنساني .مما يعكس ما يتمتع به الإنسان في ظل الإسلام من الكرامة و الحرية و الرفعة مقارنة بما قررته الاتفاقيات الدولية وغيرها .
إن الدساتير الحديثة تقسم الحرية إلى أقسام مختلفة : حرية التعبير ، حرية الحركة ...الخ ، و القرآن لا يشير إلى هذه الأقسام فقط ، بل من بين توجيهاته أنه ليس لأي شخص ـ حتى النبي صلى الله عليه و سلم ــ الحق في استعباد شخص آخر بأي أسلوب : قـــــال جل جلاله : ( ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب و الحكم و النبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله و لكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون ) آل عمران / 79 .
إن جوهر الاستعباد و مدلوله أن العبد ليس له ملاذٌ ضد سيده ، بل هو تابع تماما لمشيئة سيده ، و إنه ـ في رأي الإسلام ـ إنكارٌ لكرامة الإنسان أن يكون الشخص بلا ملاذ و لا وسيلةَ لحمايته .
و لقد تحدث القرآن عن احتمال نشوء نزاع بين السلطات العامة و الأفراد ، و مثل تلك المنازعات يتطلب حلها الرجوع إلى القرآن و إلى النبي صلى الله عليه و سلم ، يقول الله جل و علا : ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله و أطيعوا الرسول و أولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله و الرسول ) النساء / 59 .
غير أن واجب الأمر بالمعروف في الإسلام لا يتنافى مع الحرية الفردية لأن في قيام أفراد المجتمع بذلك حرصا على الآخرين و تنبيها لهم على الأخطار المادية المعنوية ، و في ذلك دعوة أخرى إلى التفاهم و التشاور و إلى مبدإ الشورى المؤصل في الإسلام مصداقا لقوله سبحانه : ( وأمرهم شورى بينهم )الشورى/38
والشورى هنا ليست مطلقة بل هي مقيدة بحدود الشرع ، فليس للفرد الحق في أن يُحَكِّم رأيه بما يتنافى مع الدين الإسلامي أو يعرض مصالح الناس للانتقاص . فإقامة السلطة في هذه الدنيا ـ في الإسلام ـ تعد نعمة من عند الله لمصلحة المجتمع بأكمله ، المجتمع الذي يدرك أعضاؤه دائما واجباتهم و التزاماتهم . و إن سمة ذلك المجتمع هي أن شؤون الناس تتم تسويتها من خلال المشاورات المتبادلة ، يقول عز و جل : (و الذين استجابوا لربهم و أقاموا الصلاة و أمرهم شورى بينهم ) الشورى / 38 ، و يقول سبحانه : (و شاورهم في الأمر ) آل عمران / 159 .