قراءة في قصيدة: ولا في علوّ السّماء
لأن السماء هناك
ملبدة بالخراب
لذا الحزن فرض
وأفراحنا الباقيات من النافلات
يضن عليها زمان السؤال
بشقة تمر الجواب
تبدأ القصيدة بعرض صورة مخالفة للصّورة التّمطيّة المعروفة عن تلبّد السّماء بالغيوم، وهي صورة السّماء ملبّدة بالخراب!
إذا كانت السّماء وهي رمز العلوّ والرّفعة والطّموح ملبّدة بالخراب فنحن أمام قتامة ودمار لكلّ ما نسمو إليه، ويسيطر الحزن على المكان وعلى مشاعر القارئ التي تتلبّد أيضا باليأس. ويؤكّد الأمر حين الحديث عن الأفراح وهي ما تبقّى من النّافلات. والنّوافل أو النّافلات في اللّغة هي : "مَا زَادَ عَلَى النَّصِيبِ أَوِ الْحَقِّ أَوِ الفَرْضِ" .
أي أنّ الفرح ليس ذا دور أساسي كونه نافلة. أضف إلى ذلك ما تبقى من هذه النّافلة لا يحظى بنصيب من الإجابة والتّحقق؛ كون الزّمان يبخل عليها حين تطالب بالقليل القليل من الاستجابة (بشقّة تمر الجواب) . تناص رائع مع الحديث النّبوي "من استطاع منكم أن يستتر من النار ولو بشق تمرة فليفعل". الحديث الذي يحثّ على الصّدقة ولو بشقّ تمرة. إشارة إلى أنّ الفرح لا يحظى بالصّدقة القليلة ليستمرّ.
وأن السحائب حكر
على من يجاري
بريق السراب
وبما أنّ السّماء ملبّدة بالحزن، فإنّ السّحب وهي الغيوم التي ستعطي المطر يحتكرها من يجاري الوهم وهو بريق السّراب. في النّهاية العدميّة مسيطرة ... الغيمة غيمة لم تمطر، ومن يملكها يؤمن بوهم غير موجود، فلا شيء يتحقّق!
صخور من الكبرياء
تنز الدموع
والدّموع (تذرفها) صخور الكبرياء ... الصّخور صمّاء ولا يمكن أن تحسّ لكنّها هنا الأنفة والكبرياء التي تنزّ أي ترشح وتسيل ببطء لصلابة المصدر المنبثقة عنه.
وكم من حيارى تعاقر
يأس الشراب
إذا ما المسافات تنهل
قهر الغياب
الحيرة تسيطر على النّاس وتجعلهم يعاقرون كؤوس الشّراب اليائسة... المعاقرة للخمرة، والخمرة مصدر النّشوة والفرح لكثيرين، ولكن المعاقرة هنا لليأس! فيما الزّمن زمن الغياب الذي ينهله حين عطشه للحضور.
وإنا جميعا نصافح هذا المساء
لكي لا يحضّ الرياح
على الاحتطاب
بنار ترمد أفكارنا
وتغرس فينا
مزيدا من الحزن
حد التأسي
وبؤسا تحلى
بثوب اليباب
الكلّ يصافح المساء. والمساء رمز للنّهاية فهو القطعة الزّمنيّة الأخيرة من النّهار، والمصافحة هي القبول والتّرحيب، فالجميع يقبلون هذا الوضع كي لا يزداد سوءا .... كي لا يشجّع الرّياح لتزيد من اشتعال نار الأفكار التي تغرس المزيد من الحزن المرتدي ثوب الخراب ... قبول بالواقع المرير كي لا يأتي الأمرّ!
وأن الشرائع باتت هنا كالسيوف
تقارعنا بالحراب
الشّرائع التي من المفروض أن تكون مصدرا للعدل، أضحت مصدر خوف وأذى وأداة حرب مقاتلة.
وأنّا إذا ما ارتوينا
بآسن كأس المرارة في الانتظار
تُسَاوَمُ أيامنا
بين أن نحيا
من أجل عصف الرغيف
وبين التقهقر سيرا على قوس جفن الضباب
في حالة الانتظار قد يكون الارتواء بما تبقى راكدا عفنا في كؤوس المرارة بمساومة بين الحياة من أجل الرّغيف أو التّراجع الفاشل ز
الخبز وهو الحاجة الأساسيّة للجسد يتطلب معاناة ومرارة، وقد لا ينال ...
وإنا تعبنا
من الأمنيات التي تحفر
الصخر حينا ..
وحينا تلوح بكف العقاب ..
كأنا بذاك التمني
أقمنا القبورا
وأنا بذاك التحدي ضربنا
الصدورا
عدم تحقيق الأمنيّات والتي هي أشبه بالحفر بالصّخور ، وقد تنذر بالعقاب أيضا، وسبّب التّعب وربّما كانت الأمنيّات سببا للموت الذي أعدّت له القبور، وكأنّ التّحدّي بالأمنيّة ضرب للصّدور وهو بذلك عقاب لا ثواب.
كفانا التمني
كفانا التأني
سنمضي إلى ما نشاء
فلن نقبل الآن هذا الغبار
و لا في علو السماء
ولا في تراب التراب .
وبما أنّ التمنّي لم يجدِ وشكّل خطرا، جاءت الدّعوة وصرخة التّحدّي بالكفّ عن الحلّ الوهمي هذا، وكفى للتّأني، أي للتّقاعس، ويجب المضيّ قدما، وعدم القبول بالغبار ... فالغبار مؤذ، مانع للرّؤية، وحاجب للحقائق, مرفوض في الجسام من الأمور والهامّة(علو السّماء) وفي الصّغائر منها (تراب التّراب)
الحقيقة يجب أن تظهر في كلّ مكان ولا قبول إلّا بالحقّ .. لا للأمنيّات ولا للغبار! ويجب التّحرك صوب ما يراد تحقيقه!