حديث قلب :
ـــــــــ
خفق القلب ،،، لا خوفا ، بل خفقان مهجة[1] تدافعت لتخرج ثم لتبلغ الحلق ،،، وليس رُعبا ، وإنما التوق ، شيءٌ تاق لشيءٍ ، وقلبٌ تاق لِمُعذّبه ،،، وصدر تعاظم ليسع قلبين لا قلبا واحدا شأن القلوب بالصدور .
وهرع الشوق ،،، لا إلى دنيا يصيبها ، بل كطفل بريء راح ريح أُمّه ، فجعل يعدو فرِحا ، وجعلت تُفرِّج بين ذراعيها لتلقاه بضمّة ، ثم لتُلْمِسه صدرها ، ثم لتُسمعه حديثه وهو يقول : حبيبي .
ثم يعبث الصبي بقميص أمه ويفغر فمه كأنه ملك الدنيا ،،، وهي دنياه حقا وقد ملكها ، ثم تداعبه فيشم ريحها كأنه ترياق النوم ،،، فيضع رأسه على نحرها ويذهب في سُبات ،،، ولو رآه أرباب الليل والسّهاد لكالوا له الحسد كيلا .
وتلك براءتي ،،، وذاك قلبي ،،، وهذه رجولتي .
أنا الطفل ،،، وأنا الصبي ،،، وأنا الرجل .
ثم أنا الحسين .
ـــــــ
ثم جاء الذئب الحكيم ،،، ونظر في عيني فقرأ صفحة من قلبي ، ثم أقعى وقال :
ما بك أيها الحبيب ؟
قلت : خشف شرد وندّ ، ومن عجب لم تُصبه رميتي .
قال : خشف أم ظبية ؟
قلت : أوّاه منك أبا سرحان ،،، بل ظبية رمتني باللمى ، وأصْمَتْ بجفنها إذ أطرقت وأسدلت بمكحول أشفارها ، فندّ الرشد حتى كاد أن يُرفع عني القلم .
قال : أوَلم يُرفع بعد ؟؟؟ .
قلت : إنه مني كرمية حصاة .
قال : كرمية حصاة !!! يبدو أن موعدك الصبح ،،، وليس الصبح ببعيد .
قلت : أُتْل عليّ رُقية يا صاحبي .
قال : أأذهب في أثر شيخ فآتيك به ليقرأ عليك ؟
قلت : ما أظن الجنون يبطئ به عائق ، أو يحول دون سطوته حائل ،،، وإن شيخك لبعيد ، وإن ريح مجنون ليلى لأشمها ، كأنها منى قاب قوسين أو أدنى .
وأخشى ما أخشاه يا ذئب ، أن يباغتني الجنون فيحكم قبضته ، ثم ولات حين مناص ،،، وكما ترى وحيد أنا .
ضحك وقال : ما بالدار دَيّار[2] .
قلت : وإني أتحرّق هنا ، وأتلوّى هناك ،،، ثم كأنها تشدّ أوصالي لتقطعها بسكينها هاهنا ، كأني عبثها المحض .
قال : الشبعان يفتّ للجائع فتّا بطيئا[3] .
قلت : وإنه ليحزنني صدّها ، كأنها في غنى !!! وأنا في شغل شاغل .
قال : وما يشغلك ؟
قلت : قلبي .
قال : آه ،،، صَرَّ الجُنْدُب[4] .
قلت : نعم ،،، .
قال : وهل أُحيطتْ بمكنونك عِلما ؟
قلت : في التعريض مندوحة عن التصريح[5] .
قال : وهل يكفي التعريض ؟
قلت : ويحك ،،، وما أفعل ؟
قال : ولا تَدْنِ وصلاً من أخٍ متباعدٍ **** ولا تنأ عن ذي بغضةٍ إن تقرّبا
فإن القريب من يُقرّبُ نفسـه **** لعَمْرُ أبيك الخير ، لا من تنسّبا
قلت : كأنك تريد القول ،،، القريب من تقرّب لا من تنسّب[6] ؟
قال : إي وربّي وانا الذئب ،،، إي وربي إن القريب من تقرّب لا من تنسّب .
قلت : ما بال الحكمة على لسانك هذه الليلة .
ضحك وقال : علمتني صروف الحياة يا حسين ،،، وإنها لمدرسة أيّ مدرسة .
قلت : صدقت .
ـــ انتهى ــــ
حسين الطلاع
المملكة العربية السعودية _ الجبيل
18/1/2010 م.
[1] : المهجة هي دم القلب .
[2] : مثل عربي بمعنى ما بالدار من أحدٍ .
[3] : مثل عربي كناية عمن لا يهتم لشأنك .
[4] : مثل عربي كناية عن الأمر إذا اشتدّ .
[5] : مثل عربي ، أي في الإشارة غنى عن التصريح .
[6] : مثل عربي .