|
أرثيكَ ، أم أدعُ الأيّـــــامَ ترثيني |
يا قِبلةَ الشِّعْر ، يا عِطرَ الموازينِ ؟ |
يا شاعرَ العزمِ ، والقَرْنيْنِ ، يا أرَجًا |
تحبّهُ – كالنّدى – أزكى الرياحينِ |
حكيمُ لفظٍ يزمُّ الجُرْحَ منطقُهُ |
يحكي طلاوةَ تِبيانٍ لمحْزونِ |
يا صبرَ أيوبَ ، يا نبراسَ مَن عشقوا |
عزمَ المروءاتِ ، في صدق التلاحينِ ! |
مَيْسانُ حائرةُ الأطلالِ مشفقةٌ |
تُسائِلُ الفجْرَ عن أغرودةِ التِّينِ |
عن النخيلِ ، وما جادت فسائلُهُ |
من الحكاياتِ ، عن ليلى ونَسْرينِ |
عن الذي في الهوى ما انفكّ يسحرُها |
يشتاقها ذاكرًا صفوَ البساتينِ |
ولهى معانيك ، إذ تجري ، تبلّلها |
عيونُ صبْـركَ ، تحكي كالبراكينِ |
هذي المنصّةُ جُرْمٌ أن تفارقَـــــها |
مَن ذا يُشنّفُ أسماعَ الشَّواهينِ ؟ |
مَن ذا لها ، والحبيبُ الفرْدُ غادرَها |
مُخلّفًا عندها شكوى الثَّمـانينِ !؟ |
ترنو لبغداد أعوامًا ، وما أزفت |
للمُبتلى أوبةٌ بين الدَّرابينِ |
يا لهفةَ العمر إذ يمضي ، وما حملت |
آمالُه غيرَ إيقاعِ السكاكينِ |
مهلاً ، فروحُك يا طيرَ العراقِ هفت |
تطوف بالحيّ ، تسري في الشرايينِ |
في " الطابقين " لها أنسٌ تتيه به |
غداةَ أن هزَّهُ صَوْتُ الحَساسينِ |
بكى الفراتَ هواكَ الثرُّ منتدبًا |
عبيرَ دجلة ، هيّا كي تواسيني |
فهل تركتَ وداعًا في شواطئنا ؟ |
أم هل رجوتَ شِراعًا دون تأبينِ ؟ |
وهل سألتَ حِسانَ الحيّ قافيةَ |
ذكرى جواها تضاهي بالمضامينِ ؟ |
فاهنأ أبا خالد الميفاء خاطرُهُ |
كفى ستذكـرك الدنيا مدى الحينِ |
يحفّكمْ خالصُ التحنانِ ، تحمله |
قلوب أهليك أبناء الميامينِ |
كفى لكم ألقٌ في مُقلتَيْ وطني |
به يُذاكرُ أجيالاً ، ويرويني |
مدادُه الباذخانِ : الصبرُ ، يتبعهُ |
غِنى فؤادٍ ، بعِطر الشيحِ مسكونِ |
يا أمّ خالد صبرًا فاللقاءُ غدا |
كقاب قوسين ، مشبوبَ الأفانينِ |
هيَ الحياة أويقاتٌ ، وتحملنا |
شعائرُ البَيْنِ بين الطينِ والدينِ |
كفاكِ فخرًا ، فتى بغداد ، من شغفٍ |
أحيا مَعانيكِ فَيْضًا غيرَ مَوْهونِ |
أرثيكَ أم أدعُ الأيّامَ ترثيني |
أيا كبيرًا شذاهُ الآنَ يُشجيني |
أنّى لمثلي بأنْ تدنو صنائعُهُ |
مُثـقّـفًا إرثُهُ مِلءَ الميادينِ |
لكن ، وتعرفني الآفاقُ لي قلمٌ |
باسم الوفاءِ تساخى فرطَ تمكينِ ! |
إيهٍ فقيدَ العراقيّين قاطبةً |
ومَن تزاهى بحبّ الضَّادِ والنّونِ ! |
رزاقُ ، ناديت ،أدنتْني له ظُللٌ |
أحيت عروقَ الصَّبا ، بالودّ تسبيني |
وأجهش الزَّهرُ بكّاءً على نُزُلٍ |
ما زال يرتادُها طُهرُ المساكينِ |
مَررْتُها مُخبرًا مَن زار أيكتَها |
دمعي لمثواك ، دمعٌ بالملايينِ ! |