غلطة قلم
بعد شجار العمّة (سُعدة) مع زوجها وتمرده عليها، بعد أن كان خاتماً بإصبعها الصُغرى، وثوراً تحرث به الأرض، فكرت وقالت : ما يحلُّ هذه المشكلة إلا الولي (سعدون) ــ لِمَ كانت تعتقد فيه ــ فهو يؤلف القلوب ويفرقها يجد سبيلا إلى تدفق المال إلى الجيوب، يشفي المرضى من إنسان أو حيوان، يطرد منهم مس الجان، يصف السارق بأوصافه، يجد الضال من حيوان أو من مال، يرجع الغائب إلى أحبابه، وخدمه من الجن.
كانت العمّة سُعدة ترى سعدون يخاطب خدمه، يشير بيده في الهواء ليقربهم إلى جواره، أحيانا يُظهر أنه يجر أحدهم من أذنه أو يصفعه، أحيانا يمسك عصاه ويضرب الهواء حتى تكلَّ يداه ويتحدث : خُذ يا حبشوش، خُذ يا دعبوس، خذوا، خذوا... اجلسوا هنا دون عبث، ويقول لمن أمامه من الحضور وهو يلهث من التعب: أتعبوني هؤلاء الجن، إذا لم أكن حازماً معهم، سوف يؤذون القرية، ولو لا حزمي معهم، لا فسدوا فيها.
كانت تسمع من بعض رجال القرية أن سعدون دجّال، لكنها لم تصدق وتقول لهم : أنتم يا أعداء الأولياء الصالحين، كيف تقولون على هذا الرجل الصالح ؟! تف عليكم، تف، هو يجلب الحظ لمن زاره وعرف مقداره، ومن حاول شتمه قيده بقيود لا تراها العين .
حملت سمّنها ودقيقها ومالاً وفيراً وتوجهت إليه. وصلت إلى داره وهي تدعو: الله أن يحفظ وليّنا وينصره ..... وضعت هديتها في غرفة الخدم ـ فهم من يستلمون الهدايا، يرفضونها أو يقبلونهاـ
جلست في صف الانتظار طويلاً، حتى نادى باسمها : يا سُعدة جاء دورك. لم تندهش سُعدة لمعرفتهُ باسمها ؛فهو يعرف من سوف يأتيه، وبما جاء من أجله. أقبلت إليه وقعدت أمامه.
لم يمسح على رأسها كما كان يفعل في صباها، بكت سُعدة تبدل حال زوجها معها، بعد العشرة الطويلة، وشكت له أشيئاً كثيرة منها : عدم مشاركة زوجها الفراش، قال لها وهو يبتسم ابتسامة صفراء : لقد تأخرتِ كثيرا حتى الحال تبدل، فلكل شيء أجل، وصفتي السابقة يا سعدة كانت من سنين، ولابد من تجديدها بين الحين والحين، ليعود بعلك إلى ما كان عليه الحال، وأحسن الرجال، أمّا الآن فلابُدّ من وصفة جديدة، صارمة وشديدة، ليسيح لك كالماء الرقراق، والفؤاد لكِ ينساق، كما يفعل العشّاق، عيناه لن ترى سواك، وفوه لا ينطق إلا إياك، ماله بين يديك، وعبدا يقول : شبيك لبيك ثم التفت إلى الخلف وأخذ ورقة طويلة مطوية، كتب فيها اسمها وقال : هذه هي الورقة تحفظينها في صدرك بجلد غزال، حتى يكون لك أطيع الرجال، ويراك كالغزال، وهذا البخور، تحرقيه قبل النوم مساءً حتى يزداد السرور، ويراك شمس البدور، وسترين كيف يعود شبابه، وتسيل لكِ لُعابه، وهذه ورقة أخرى تمحي كلماتها بالماء، وتسقي زوجك خفية منه كل صباح مساء.
عادت سُعدة إلى بيتها فرحة، وعملت بما أمر به سعدون عدة أيام وعلاقتها مع زوجها تسوء أكثر فأكثر حتى وصل ألأمر إلى طلاقها.
عادت إليه باكية تشكوه مما جرى، قال لها وهو ينوح برأسه شمالاً ويميناً هِم ،هِم ، هِم.... ما كُتب على الجبين، لابد أن تراه العين، قد ازداد الألم، وزل القدم، وأخطأ القلم، فرق بين القلبين، وزاد بينهم البين، ففرق وما وفّق، وأخلف وما ألّف ، فقلمي مسيّراً بالأفلاك، التي تخطّ مسراك، وهذه مشيئة القدر، على كل البشر .
خرجت سُعدة من داره وهي تدعو له بطول البقاء لخدمة القرية، وتهجو الأفلاك، التي فرقّت بينها وبين زوجها .