ان بناء الدولة الاسلامية، والمحافظة على هذا البناء، والارتقاء به وانهاض الامة الاسلامية هي من اهم اعمال حملة الدعوة، والدولة الاسلامية انما تنشأ على الافكار الاسلامية، وتبقي ما بقيت هذه الافكار في الامة الاسلامية، وتزدهر اذا كانت الافكار صافية في اصولها، فتقيده في فروعها حسب ما جاء به الوحي الى سيدنا محمد صلى الله عليه واله وسلم .
اننا ونحن نعمل في بناء الدولة، وانهاض الامة، لا بد ان نضع نصب اعيننا، وبشكل جاد وملح ايجاد وتقوية الرأي العام خاصة في الافكار الاساسية، وكلما كان الرأي العام قويا، كلما كانت الامة قادرة على خوض النضال، عند قيام الدولة الاسلامية، ومن اهم الافكار الاساسية التي تحتاج الى عناية وتقوية، وتساوي ما يبذل فيها من جهد مهما بلغ، تلك الافكار التي تحافظ على قيمة التقيد بالاحكام والاسس التي تقوم عليها الدولة، والاسس التي تقوم عليها حياة الافراد، ومن اهم الاسس التي تقوم عليها الدولة وحياة الافراد، اعتبار ان السيادة للشرع، ذلك ان اسقاط قيمة التقيد بالاحكام الشرعية والاسس التي تقوم عليها الدولة هو الذي سبب البلاء الاكبر في هدم الدولة الاسلامية، واسقاط قيمة التقيد بالاحكام الشرعية والاسس التي تقوم عليها حياة الافراد تتجلى في اهمال الغالبية العظمى من الافراد مسألة التقيد بالاحكام الشرعية في حياتهم اليومية، سواء في سلوكهم الفردي وفي علاقاتهم مع الناس، فان الاكثرية معهم، والرأي العام الطاغي على العلاقات بين الافراد لا يقيم وزنا للاحكام الشرعية، ولا تلاحظ حتى مجرد ملاحظة، مع ان التقيد بالاحكام الشرعية هو اساس الحياة، وهو ثمرة الايمان، وعلى اساسه يجب ان يكون انضباط السلوك .
والادلة على وجوب التقيد بالاحكام الشرعية، جاءت قطعية في القران والسنة، قال تعالى"فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في نفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسلميا"وقا ل تعالى"وما اتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا"وهو يفيد العموم لانه جاء بصيغ العموم . والادلة على ذلك كثيرة في القران، اما في السنة فقد قال صلى الله عليه وسلم"تركت فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله وسنتي"وقال عليه الصلاة والسلام"من احدث في امرنا هذا ما ليس منه فهو رد".
فهذه الادلة وغيرها تدل دلالة قطعية على وجوب التقيد بالاحكام الشرعية، وتدل على انها اساس في حياة الفرد المسلم، فاهمال البعض لها في حياتهم اليومية، وعدم طغيانها على العلاقات بين الافراد، اسقط قيمة الاسس التي تقوم عليها حياة الفرد اليومية، والاسس التي تقوم عليها العلاقات بين الافراد، ولهذا كان من اهم ما هو ملقى على عاتق حملة الدعوة وهم يعلمون لاستئناف الحياة السلامية، وحمل الدعوة الاسلامية الى العالم، ان يعملوا لتوضيح وتقوية قيمة الاسس التي تقوم عليها حياة الافراد وعلاقاتهم فان هذا من اهم الاعمال لاقامة الحكم على الفكرة الاسلامية وهذا كله انما يكون يجعل التقيد بالاحكام الشرعية سجية من السجايا بين السملمين ويجعله وحده الطاغي على الناس .
والتقيد بالاحكام الشرعية يحقق سيادة حكم الشرع، ويحدد مقاييس الاعمال في الحياة، اما تحقيق سيادة حكم الشرع فهو الذي يضمن للمجتمع الاستقرار، ويضمن للناس الطمأنينة على حياتهم وحقوقهم، ومصالحهم، فان سيادة حكم الشرع لها في نفوس المؤمنين السلطان الادبي والمعنوي، وما هو فوق السلطان الادبي والمعنوي، لها في نفوسهم السلطان الروحي فهي حكم الشرع، اي حكم الله الذ يجاء به الوحي، فهم فوق اعتزازهم بالاسلام، وفخرهم على الدنيا به، فانهم يخشون من مخالفته عذاب جهنم، ويرجون من اتباعه والتقيد به جنات النعيم، ومنهم من يرجو ما هو فوق ذلك، الا وهو رضوان الله تعالى، ولذلك فان سيادة حكم الشرع تجعل المسلم يتقيد بالقانون بدافع العقيدة، ويقف حارسا على التقيد به بدافع العقيدة، فهو يضبط سلوكه بحسبه، ويجعل نفسه حارسا عل الناس لضبط سلوكهم بحسبه"كنتم خير امة اخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر"اي حراسا على التقيد بحكم الشرع، وكذلك تجعل سيادة حكم الشرع العلاقات بين الفراد ليست سهلة ميسورة فحسب بل قد ضمن فيه ما يرفع النزاع بني الناس، فتتم بسهولة ويسر ما دامت سيادة حكم الشرع هي المسيطرة على النفوس، وتجعل الى جانب ذلك كله سلطان الحاكم رعاية شؤون لاقوة تسلط، لان المرجع الاعلى للناس ليس الحاكم وانما هو حكم الشرع، فهو مرجع الرعية والراعي، وما الحاكم الا راع يرعى شؤون النسا باحكام الشع"والامام راع".
واما تحديد مقايس الاعمال، اي تصوير الحياة، فانما هو الحلال والحرام، فقد امر الله المسلمين بالتقيد بهذا المقياس، بل ونفى الايمان عمن لا يحكم الشرع، "فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم"والحياة الدنيا في نظر المسلم طريق الى الاخرة"وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون""وابتغ فيما اتاك الله الدار الاخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا"ومن هنا لم تكن امور الدنيا مهما عظمت هي مقياسالاعمال، ولا هي تصوير الحياة وانما المقياس هو الحلال والحرام.
والحلال هو ما احل الله، الحرام هو ما حرم الله، والنصوص صريحة واضحة تنهى عن ان يحل احد شيئا او يحرم شيئا"ولا تقولوا لما تصف السنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب""قل ارايتم ما انزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا قل الله اذن لكم ام على الله تفترون"فالمقياس هو ما احل الله وما حرمه فيوقف عنده، فاذا اشتبه عليه امر فلم يدر احلال هو ام حرام، توقف عن فعله حتى يلعمه، فلا يصح الترجيح بالمنفعة او المصلحة او العقل، او المفسدة، بل يجب ان يتوقف حتى يتبين له الامر، فما كان حلالا فعله دون اي حرج، وما كان حراما اجتنبه ولو كان ترياق الحياة، قال عليه الصلاة والسلام"الحلال بين والحرام بين وبينهما مشبهات لا يعلمها كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات كراع يرعى حول الحمى يوشك ان يواقعه، الا وان لكل ملك حمى، الا ان حمى الله في ارضه محارمه"وبهذا يظهر حرص الرسول عليه السلام على الدقة في مقياس الاعمال، فهو قد اضاف الى وجوب الوقوف عند حد الحلال والحرام، الحث عل الامتناع عن العمل حين يشتبه امر الحلال والحرام، وهذا اقصة ما يتصور من التوكيد والتدقيق في امر الحلال والحرام .
على ان الاسلام لم يقصر تطبيق الشرع على حياة الافراد اليومية، ولا على العلاقات بين الافراد بل تعداه بحيث يشمل ذلك ايضا علاقات الحاك بالرعية، واعمال الحكم كلها، فاوجب الحكم بالشرع على الامة وعلى الحكام، كما اوجب التقيد بالشرع على جميع المسلمين من حكام ورعية من غير فرق، فقال تعالى"وان احكم بينهم بما انزل الله ولا تتبع اهواءهم عما جاءك من الحق"وقال تعالى"ومن لم يحكم بما انزل الله فاولئك هم الكافرون"وقال في اية اخرى"ومن لم يحكم بما انزل الله فاولئك هم الظالمون"وفي اية ثالثة"ومن لم يحكم بما انزل الله فاولئك هم الفاسقون".
فهذه الادلة على ان سيادة حكم الشرع يجب ان تتحقق، وعلى ان تصوير الحياة انما هو الحلال والحرام، وانه وحده هو مقياس الاعمال في الحياة، كافية لان يقنع اي مسلم ان كان يؤمن بالقران وبنبوة محمد عليه الصلاة والسلام بانه يجب عليه ان يضبط سلوكه في هذه الحياة حسب ما جاء به القران والسنة، فيحقق سيادة حكم الشرع، ويجعل مقياسه للحياة بالحلال والحرام لا بالنفعية، ولا بالمصلحة، ولا بالعقل، وبذلك يعيد قيمة التقيد بالاحكام الى الاسس التي تقوم عليها حياة الافراد اليومية، والى الاسس التي تقوم عليها العلاقا بين الفراد، وبذلك يعود للاحكام الشرعية وزنها، ويتحقق انضباط السلوك الانضباط الذي يحقق الطمأنينة والاستقرار، في حياة الافراد، والمجتمع، والدولة .