باسم يوسف بين تطرفين
نجم الأسبوع كان الاعلامى الساخر باسم يوسف ، وما أثير من جدل واسع حوله بعد ردود الأفعال المتباينة والمتناسبة مع سخونة طرحه ومدى ما تسببه من صدمة سواء للمتلقى أو لمن وقعَ عليه فعل السخرية .
ربما تجاوز باسم فى مقاله الأخير فى الشروق فقرة أن السلطة السابقة تحملته ، وهذا ما قد يرد عليه به بعض الاسلاميين بأن الدكتور مرسى تلقى نقده وسخريته اللاذعة بصدر رحب فى سياق عدم سعيه لغلق قنوات وملاحقة اعلاميين وكتاب ، لكن بالفعل تمتْ احالة باسم الى النائب العام فى عهد الدكتور مرسى ، وبالفعل لُوحق باللعائن والتخوين والتكفير والاهانة على مستوى واسع فى أوساط الاسلاميين .
من السهولة التشكيك فى احترام السلطة السابقة للحريات الاعلامية ، بادعاء أن الاسلاميين بالفعل لم يتم تمكينهم من السلطة وأدواتها بشكل كامل لنحكم على موقفهم من الحريات بشكل منصف ونهائى .
بمعنى أنه لو افترضنا أن أجهزة الدولة جميعاً كانت مُنطاعة لأمر الاسلاميين وأن سلطان الدكتور مرسى نافذ على الجميع بداية من المخبر الصغير الى أعلى رتبة ، وأن مؤسسات الدولة السيادية جميعاً منسجمة فى منظومة حكم متكاملة على رأسها الاخوان فى سدة السلطة .. فهل كانت لتترك باسم يوسف دون ملاحقة واقصاء بشكل قانونى وناعم ومُبرر بعناوين حماية الأمن القومى والحفاظ على السلم الأهلى والاجتماعى .. الخ ؟
هنا نعود لمشهد احالة باسم للنائب العام فى عهد الدكتور مرسى ، لنستعيد الفكرة الأساسية وهى أن السلطة السابقة ربما أرادت العصْف به ومنع برنامجه بشكل قضائى لكنها لم تتمكن من ذلك لضعف سيطرتها على مؤسسات الدولة ، ولأن كثيراً من تلك المؤسسات كانت تسير فى اتجاه عكس توجهات السلطة الوافدة .
بعيداً عن مضمون معالجة برنامج الاعلامى الشهير للواقع السياسى وأسلوب طرحه ، وبصرف النظر عن توجهاته الفكرية وقناعاته السياسية وموقفه المعروف من التيار الاسلامى الا أننا نستكشف هنا فقط من خلاله مدى انسجام التيارات المختلفة بمصر مع قناعاتها وشعاراتها ومدى بُعدها أو قربها مما تؤمن به وتروجه مجتمعياً عن فلسفتها فى الحكم وفى كيفية التعامل مع المخالفين والمختلفين معها .
أرى أن الاختبار الحقيقى لم يكن لباسم نفسه بعد توقف برنامجه لأربعة أشهر ، بعد الماراثون الذى خاضه مع حكم الدكتور مرسى ، ليستجم فى استراحة طويلة بين الشوطين ، لا ليستوعب ضخامة وسرعة المتغيرات وليُهيئ نفسه للمباراة الجديدة ، فأنا واثق من سرعة استيعابه ، انما لأنه يُمثل اختبار حقيقى وجاد للسلطة التى بشرَ هو بها ، والمنافسة لسلطة الاسلاميين والمناهضة لها ، ليس على مستوى الفكر والمرجعية فقط ، بل على مستوى الرؤية المتعلقة بمستقبل مصر وطبيعة علاقاتها دولياً واقليمياً وعربياً .
الاختبارُ فى الأساس لهاتين السلطتين حولَ حقيقة موقفهما من النقد مهما كانت درجة سخونته ، واذا كان باسم اجتهدَ نوعاً ما لينجحَ فى اختباره الشخصى – بعيداً عن أى تقييم منا للمضمون – فان السلطة الجديدة هى الأنسب للحكم عليها بموضوعية حكماً شبه نهائى – بعكس وضع الدكتور مرسى – كونها تتمتع بالسلطة والنفوذ والسيطرة على الأجهزة ، ولا شكوك تُذكر حول ولاء المؤسسات السيادية لتوجهاتها .
الاختبار هنا للسلطة الحالية بعد أن شاهدنا اجتهاد باسم ليبدو متوازناً فى طرحه النقدى مما أثارَ ضده حملة ضارية قادَها محبو العهد الحالى بمكوناته ، واذا تحججَ البعض بالخطاب المتشدد والفتاوى غير المنضبطة والخطر على السلم الأهلى وتهديد الوحدة الوطنية فى موقف السلطة من القنوات الاسلامية المُعتدى عليها بالغلق مع بواكير التبشير بدولة مدنية حديثة كما أُشيع ، فما هى الحجة التى سوف تُسَاق عندما يُسَاق الساخر الليبرالى صاحب فلسفة احترام الرأى والرأى الآخر للنائب العام من جديد ؟
نشكو شكوى شبيهة ، فلا وسط ولا اعتدال عند كلا الفريقين سواء عند اليمين الاسلامى أو الليبرالى ، وربما كان الموقف المشرف الوحيد للالتقاء فى منطقة وسط بعيداً عن طرفى التشدد والتخوين هنا وهناك ، كان عندما التقى باسم يوسف مع المفكر الراقى الدكتور ناجح ابراهيم فى الجامعة الأمريكية فى مناظرة شهيرة ، قد يكون البناء على ما جاء فيها طريقاً للوصول الى التيار الثالث الوسطى بين جناحين كلاهما تخوينى متشدد .
رد مع اقتباس
