مسجد الاستقلال باندونيسيا ثالث أكبر مسجد فى العالم بعد الحرمين الشريفين حيث يستقبل عشرات الآلاف من المصلين يومياً وقد تم تصميمه ليستوعب 200 ألف شخص .
بدأ بناء المسجد عام 1961م بتعليمات من رئيس اندونيسيا الأول أحمد سوكارنو ليكون رمزاً لاستقلال البلاد وأسهمَ بنفسه فى تصميمه حيث كان فى الأساس مهندساً معمارياً ، ويُذكر أن أحد المهندسين المسيحيين من جزيرة سومطرة ساهم هو أيضاً فى البناء ويُدعى فراديك بيسالا ، وهذا يُعد من أدبيات التعايش والتنوع بالمجتمع الاندونيسى بالرغم من أن المسلمين يشكلون أغلبية بتسعين بالمائة من السكان لكن هذا لا يعطى مسوغاً للالغاء لدرجة أن هذا المسجد بشموخه تقف قبالته كنيسة شهيرة خاصة بالبروتستانت .
بعد وفاة سوكارنو استكمل الرئيس سوهارتو أعمال البناء ليفتح الجامع المهيب أبوابَه للمصلين والزائرين عام 1978م وليصبحَ أهم رمز على استقلال وعزة وحرية الشعب الاندونيسى .
هو فخر اندونيسيا والمسلمين فى آسيا عموماً ، يدرس ويخطب به أشهر علماء اندونيسيا والعالم ، ويمتد نشاطه الى استيعاب مجالات الدعوة والتربية والكفالة والأعمال الخيرية والاجتماعية ، وامامه الأكبر هو امام الأئمة ورئيس رابطة أئمة المساجد ورئيس هيئة العلماء ، وهو الآن العلامة الأستاذ الدكتور على مصطفى يعقوب الذى تشرفنا بلقائه أكثر من مرة ، ونائبه هو الدكتور حاجى مبارك .
صلينا بحمد الله الجمعة الماضية بمسجد الاستقلال العظيم فى ختام جولة علمية ودعوية استغرقت أسبوعاً باندونيسيا ، شرفتُ خلالها بصحبة المفكر الاسلامى الكبير فضيلة الدكتور ناجح ابراهيم والعالم السلفى الأردنى على بن حسن الحلبى ، وسعدنا بالحفاوة والاستقبال الكريم .
بعد الصلاة ألقى فضيلة الدكتور ناجح ابراهيم كلمة لاقت اعجاب جميع الحاضرين الذين تسابقوا للتصوير معه ، ثم ألقى فضيلة الشيخ على بن حسن الحلبى كلمة موجزة رحب بمضمونها جميع الحاضرين ، ثم ألقيتُ كلمتى المختصرة بعنوان " الشعوب - لا الجماعات والتنظيمات " وكان لها أثر طيب وردود أفعال لم أتوقعها ، وقد غيرتُ موضوعَ الكلمة بعد حوارى مع نائب امام الأئمة الذى ضاعف انبهارى بالشعب الاندونيسى المتدين الشغوف بنصرة قضايا أمته ، والذى يتمنى كل فرد مسلم فيه أن يطيل الله عمره ليرى الأراضى والأوطان والمقدسات وفد حُررت ، والمسلمون ينعمون بالعزة والثروات وقيادة العالم .
ذكرتهم بأن المشهورين من القادة الذين يحفظ التاريخ لنا أسماءهم قليلون ، وليسوا هم أصحاب الانجازات والتحولات الكبرى ، انما الفضل الأكبر يعود الى ملايين من مجهولى الهوية والاسم من الشعوب المسلمة التى خاضت الأهوال والمواجهات لأجل الله .. لا لأى شئ آخر .
طلبتُ منهم العودة الى غزوة خيبر والى خبر الرجل الذى طلب بعد اسلامه صحبة الرسول فى جهاده ، فدفع الرسول صلى الله عليه وسلم غنماً كان غنمه فرفضه قائلاً ما على هذا اتبعتك انما على أن أضرب بسهم فى نحرى فأموت فأدخل الجنة .. هذا الرجل ليس له اسم ولا تعريف فى جميع كتب السير .
وجعل العلامة الندوى يستقصى عوامل تحول أكبر ثلاث امبراطوريات الى الاسلام وهم العرب والتتار والأفغان ، فتوصل بعد جهد الى أن المجهولين المتجردين والملايين الصادقة هم أصحاب الفضل الأكبر ، وذكر خبر الجندى الذى عثر فى احدى المعارك على تاج مرصع بالذهب والألماس فجاء به الى قائده الذى اندهش كيف لم يطمع فيه ، فسأله عن اسمه ، قال : لا تسألنى هذا السؤال فاسمى يعرفه الله .
قلتُ لهم : لو عدنا مصر بمائة مليون مسلم اندونيسى صادق متجرد – تعدادهم مائتان وثلاثون مليوناً – ووضعناهم فى صحراء سيناء وبصقوا فقط على اسرائيل لأغرقوها وأنهوا وجودها الى الأبد .
ليس بالتنظيمات والجماعات والسلاح والتفجيرات والأسماء المشهورة وبن لادن والظواهرى وباعشير تنتصر الأمة ، انما بالشعوب والمجهولين الذين يعرف الله أسماءَهم وأحوالهم وصدقهم .
ولذا تستهدف أمريكا واسرائيل الشعوب المسلمة فى ثقافتها وعقيدتها وتدينها وطهرها وصحتها وعافيتها ، وربما دعمتا تنظيمات مسلحة أو تركتها اسرائيل على بعد خطوات منها تضرب وتخرب وهى قادرة على سحقها عسكرياً .
نصحتُ بتربية الشعوب بالعلم والحب والتسامح والاحسان والرفق والتواضع ، ولن يثمر التفجير والتكفير والقتل والقسوة والاستعلاء الا الفشل والهزائم .
بعد الكلمة هجم المحبون لدينهم على يحتضوننى ويحاولون تقبيل يدى كأنهم ظنوا أننى ولى من أولياء الله الصالحين فجعلت أقابل أياديهم تقبيلاً بتقبيل وقد ثقلت الدموع فى جفونى تريد أن تسقط .
لا تذهبوا بعيداً جداً ، لا تنعزلوا عن شعوبكم .
قولوا لهم : " أنتم " .. لا تكرروا : " نحن " .
قودوهم بالحب والتودد والرفق ، سيتسابقون لنصرة القضية بالملايين ، أما أنتم بمفردكم أيها المشهورون المتكبرون ، فمساعيكم مصيرها الفشل .