يظهر المشهد جلياً فى نهايات تشكله ؛ فقد كان هناك صراع محتدم بدأ مع 25 يناير بين طرفين هما نظام حكم مبارك بأجنحته ورموزه والثورة بتياراتها وفصائلها من جهة أخرى ، وبعد التوحد فى الثورة خلافات فرعية فخلافات فكرية فصراعات سياسية ، الى أن انتهينا الى تقاتل وتصارع تيارات الثورة التى نافست بعضها بعضاً على السلطة وصارت تكره بعضها بعضاً أكثر من كرهها لنظام مبارك ، ونسيت الخصومة القديمة فى حضور هذا الصراع الخائب الذى جاء فى غير أوانه وقبل الانتهاء تماماً من شوط الصراع الأول مع نظام حكم مبارك.
الاسلاميون والاخوان مسئولون ، وكذلك التيار الثورى الليبرالى والقومى والناصرى واليسارى ، فقد فشلوا جميعاً فى صياغة خارطة طريق لادارة وحكم البلاد فى هذه المرحلة الحرجة المتوترة عقب الانفجار الشعبى واسقاط رأس النظام وبعض رموز حكمه ، وتجلت الأنانية الحزبية والسياسية فى أبشع صورها ، فصعد النظام السابق وأجنحته بشكل أو بآخر ليقدم هو خارطة طريقه .
جزء كبير من هذا التفكك الثورى وانفراط عقد الوحدة السحرى الذى حقق المعجزة وانفضاض التيارات السياسية والقوى الثورية عن مؤازرة التيار الاسلامى يتحمل مسئوليته الاخوان الذين فشلوا فى الانسجام والتعايش ليس فقط مع التيار العلمانى بألوان طيفه ، بل مع التيار السلفى ، ثم انتهاءاً بالفشل فى الانسجام والتعايش والتوجيه والقيادة ضمن حركة الرفض عقب انطلاقة الثورة المضادة الكبرى من خلال تحالف الشرعية الذى ضم فصائل سلفية متنوعة فضلاً عن الجماعة الاسلامية وبعض الجهاديين .
ومن العجز عن ادارة البلاد ومواجهة التحديات الكبيرة فى الداخل بوزارة جبارة من أهل الخبرة والتجربة والبأس ، الى العجز الذى ولد اليأس فى صفوف الشباب عن ادارة دفة المعارضة والرفض بالحسم اللازم والتوفيق والسرعة وضبط أداء تحالف الشرعية ومنع التجاوزات والتناقضات والسيولة داخله منذ بداية الأحداث الكبيرة الى اليوم .
التيار الشعبى والجناح اليسارى والناصرى والليبرالى فى الثورة مشارك فى الهزيمة ، لأنه عمد لافشال مرسى فى الحكم رغم كل التحفظات عليه وصعد التوتر ضده واستدعى المجلس العسكرى ووثق فيه .
لم يكن هذا وقت تجريح حمدين وعرض مساوئه ، فالجميع مخطئون والكل لديه مساوئ وأخطاء فادحة بما فيهم الاخوان ، بل الحكمة فى اخفاء ذلك الآن ، لأن التصريح به دعم للثورة المضادة ، وان كانت ثمة مؤامرة كما يروجون يشارك فيها حمدين كديكور ، فماذا نقول فى المقاطعة التى خدمت هذا السيناريو ودعمته ؛ فهل الاسلاميون مشاركون فى المؤامرة بهذه المقاطعة السلبية ؟
دعوا مرسى للانسحاب فى الجولة الثانية أمام شفيق ، ولم يستجب الاخوان ، فاضطر الناخب الثورى الى اعطاء صوته لمرسى ، ليس حباً فيه انما نكاية بشفيق وبمن يقف وراءه ويحركه ، واليوم تتكرر الدعوة - اذا قمنا بتجريد المشهد من جميع علائقه - ؛ فحمدين اليوم يمثل الاضطرار الثورى وليس الخيار المفضل للثورة أمام الثورة المضادة تماماً كما كان مرسى .
الثورية ليست فقط فى الشارع والمظاهرات انما ايضا فى القدرة على فرض ارادة الناس ، وهذه جولة جديدة وشوط ثان مكمل من الثورة وهو النضال السياسى والبناء بعد صراع الميادين والشوارع ، والثورة لن تكتمل الا بانتزاع السلطة من نظام مبارك وبزحزحة المجلس العسكرى الى الخلف ، وهذا لن يحدث الا بالمكمل السياسى النضالى ، والبعض يتوهم ويريد العودة لتكملة الشوط الأول الذى انتهى بالفعل ، فى غير الأوان والزمان عبر حركة الشارع والميادين ، بينما المباراة بجميع فصولها على وشك الانتهاء .
السلطة أضعف من أن تكسر المعارضة وقوى المجتمع والجماهير الغاضبة التى تقف وراءها – المجتمع العميق أقوى من الدولة العميقة - ، وهى قادرة بحضورها وثوريتها على منع أى تزوير أو عبث ، وأقوى من أن تهزم عبر صناديق الاقتراع فى انتخابات حرة نزيهة وشفافة ، بما يعنى أن للثورة فرصة أخيرة ، فى حالة واحدة فقط ، يعلمها جيداً الاسلاميون والثوار ، فقد ذاقوا طعم انتصاراتها مرة أو مرتين خلال الأعوام القليلة الماضية