أحدث المشاركات
صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 12

الموضوع: خطايا

  1. #1
    أديب
    تاريخ التسجيل : Mar 2015
    المشاركات : 77
    المواضيع : 8
    الردود : 77
    المعدل اليومي : 0.02

    افتراضي خطايا


    في ساعات الصباح الباكر استيقظت على وقع رنين الهاتف، نهضت بتثاقلٍ وتحسست بيدي مكان هذا الجهاز المزعج وكأني عجوزٌ أعمش يتخبط بهراوته في الظلمات، لقد خففت الوسادة على ما يبدو من صوته وصياحه المتواصل والمستمر حتى أدركته بعد لاي.

    - نعم.

    - معذرة على الإزعاج، أريد مقابلتك لأمرٍ هام، أرجوك.

    - ما المشكلة، لقد أفزعتني ؟

    - لا يمكن أن أشرح لك عن طريق الهاتف.

    لقد أصابني صوته اللاهث وكلماته المتقطعة بالخوف والذعر، يا ترى ما المشكلة وما الأمر الطارئ الذي دعاه لأن يطلبني على وجه السرعة في هذا الوقت المبكر، وفي أول يومٍ من إجازتي الرسمية ؟

    - حسناً سأكون عندك بعد قليل، انتظرني فحسب.

    انطلقت حيث المكان المزمع أن ألتقي به، والأفكار الأبليسية تعصف بدماغي كقارب تائه في بطن المحيط.

    - ما بك يا ( أيمن ) ؟

    ظل لدقيقة مطأطأ الرأس، أزاح كفيه عن وجهه فتكشف عنهما وجنتان محمرتان كالجمر وعينان نديتان، عدّل من جسلته، ثم راح يحكي ما حصل له.

    لقد ارتكبت جريمة فظيعة، ووقعت في ورطة عسيرة المخرج، وأريد منك يا صديقي العزيز أن تنتشلني منها، كما تعلم فأنت أعز صديق لدي، وكاتم أسراري.......

    - طلبت منه أن يكمل، فلم تعد أعصابي تتحمل أكثر من ذلك.

    واصل ( أيمن ) حديثه وقال:

    بعد انتهائي من فترة الدوام الرسمي قبل يومين، لمحت زميلة لي في العمل، أجنبية من أصولٍ عربية، كانت واقفة عند مدخل الشركة، وبجوار مركبتها المتعطلة، فعرضت عليها مساعدتي، إلا أن محاولاتي الحثيثة في إصلاح هذا العطب باءت بالفشل، فاضطررت إلى أن أقلها لمسكنها.......

    - نعم، واصل.

    دعتني للداخل من أجل شرب كأس من العصير نظير خدمتي لها، فوافقت بعد إلحاح.
    غابت لدقائق وأنا في انتظارها في الصالون ثم أطلت متخففة اللباس، كانت أنيقة للغاية، فستانها الأحمر القصير أضاف عليها مزيداً من الجمال، شعرها البني المتموج والمنسدل على كتفيها ومشيتها المتمايلة بغنج، ابتسامتها الساحرة وعطرها الفوّاح أصابتني بالسكر والاندهاش.

    توقف ( أيمن ) قليلاً عن الكلام، ثم أشعل سيجارة ودفن عقبها في فمه وراح ينفث دخانا في الهواء، ثم أضاف:

    أخذ قلبي يزداد وجيبه، رجلاي ترتجفان، العرق يتصبب من وجهي. أيقنت بعد ذلك أن لهذه الفتاة مآرب خبيثة تدفنها داخل رأسها، حاولت مباغتتها والهرب منها إلا أن الأبواب كانت موصدة بإحكام.

    لحقتني وطوقتني بذراعيها وشدت عليّ كأفعىّ سامة حتى سقط برج مقاومتي، لقد دلع إبليس لسان الغواية ولعق على إرادتي حتى انفك خيط المقاومة وتزحلق من بين يديّ، لقد استسلمت أخيراً لرغباتها وغرقت في مياه غوايتها الآسن، ولم أفق إلا وأنا ملطخٌ بعار الرذيلة، ها أنا ذا أشعر بالندم، أشعر بالاشمئزار، أشعر بالكآبة وبوخز الضمير. يومان وأنا أعيش هاجس الاضطراب والقلق، لم أعد أجرؤ حتى على النظر في وجه زوجتي وأبنائي.
    لقد وُضعت يا صديقي في موقفٍ لا يُحسد عليه، كل الأمور كانت ضدي، الزمان، المكان، المكيدة، لو كنت مكاني كيف ستتصرف ؟

    - ...........
    واصل ( أيمن ) حديثه وقال:

    ولكن ليت المشكلة وقفت عند هذا الحد وانتهت.

    - ماذا بعد ؟

    تلفت يميناً وشمالاً قبل أن يقرب رأسه ناحيتي ويواصل حديثه، فقد بدأ الناس بالتوافد شيئاً فشيئاً للمقهى.

    - لقد أرسلت لي البارحة على جهاز الهاتف الجوّال مقطع فيديو يصور الأحداث الساخنة التي دارت بيننا، وطلبت مقابل عدم نشره والتخلص منه مبلغ ثلاثمائة دينار، أقسم بالله أن ربع هذا المبلغ لا يوجد عندي.

    هددتني هذه الفتاة الترعة إن لم أستجب لطلبها هذا اليوم وأسلمها المبلغ المطلوب الساعة الثالثة عصراً كحدٍ أقصى، فإن هذا الشريط سيكون منتشراً في اليوتيوب وعلى أوسع نطاق.

    لقد حملتني أجنحة الخوف إليك والاستنجاد بك، علني أوفق وأخرج من نفق الفضيحة معافياً سالما.

    قلت له:

    - لا بأس يا صاحِ، فدمعتان على وشك النزول، سوف أعطيك المبلغ المطلوب وادعو الله أن يتوب عليك ويغفر زلاتك، وأن تفي هذه الفتاة بوعدها ولا تعود ثانية لابتزازك وتهديدك.

    ذهبت معه لأقرب مصرفٍ وسحبت له المبلغ المطلوب وسلمته إياه، طبع على خدي قبلة وشكرني بحرارة ثم اختفى كنيزك يمر في السماء.

    من الجميل والرائع أن تنتشل شخصاً من مستنقع الضياع، وتكون سبباً في عدم تعاسته وتهاوي بيته، خاصة إذا كان هذا الشخص من أعز وأقرب الناس إليك، لا شك أنك تشعر حيال ذلك بالنشوة والزهو.

    في المساء لمحت صديقي ( أيمن ) وهو يخرج من محلٍ لبيع الهواتف النقالة، أردت أن أستعلم منه عن موضوع اليوم والذي لم يبارح مخيلتي قط، وقبل أن أصيح عليه مناديا، ركب سيارته وانطلق الهوينى إلى جهة غير معلومة.

    دخلت المحل لأستعلم الأمر من صاحبه، بعد أن تسلقني الفضول.

    - مرحباً، ماذا كان يفعل الزبون ذو القميص الأزرق الذي خرج قبل قليل ؟

    فرد عليّ، ومن تكون بالنسبة له ؟

    - صديقه.

    - وما اسمه ؟

    - ( أيمن )، أيمن يوسف.

    أسقط الرجل عينيه في الأسفل وكأنما يتحقق من صحة الاسم ثم أجاب:

    لقد اشترى جهاز تلفون، يقول أنه سيهديه زوجته هذا اليوم في عيد ميلادها.

  2. #2
    مشرف قسم القصة
    مشرف قسم الشعر
    شاعر

    تاريخ التسجيل : May 2011
    المشاركات : 7,009
    المواضيع : 130
    الردود : 7009
    المعدل اليومي : 1.48

    افتراضي

    قصة تحكي واحدة من أمراض المجتمع - الخديعة والاستغلال.
    أسلوب السرد سلس و مباشر ويأخذ بالقاريء الى الخاتمة.
    تحياتي.
    وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن

  3. #3
    الصورة الرمزية خلود محمد جمعة أديبة
    تاريخ التسجيل : Sep 2013
    المشاركات : 7,724
    المواضيع : 79
    الردود : 7724
    المعدل اليومي : 1.99

    افتراضي

    الى أن ندرك مفهوم عمق الصداقة وكيف تكون ومن يستحق هذا اللقب المقدس سنبقى في دائرة الغدر والخيانة و صفعات الخيبات الموجعة
    رسالة نبيلة وقصة مباشرة وجميلة بطرحها وبساطتها
    بوركت
    كل التقدير

  4. #4
    أديبة
    تاريخ التسجيل : Feb 2015
    المشاركات : 1,269
    المواضيع : 38
    الردود : 1269
    المعدل اليومي : 0.38

    افتراضي

    قصة مؤثرة ترصد نفوس غادرة تتلون كالحرباء بدعوى الصداقة ..و هل في الإنسان إلا الأمانة و الغدر يلتحمان كأنهما نسيج واحد، و لو أنصفنا لقلنا أن الإنسان جُبِلَ على هذه و تلك ، يرتفع أحيانا إلى مصاف القديسين و يهبط أحيانا فإذا هو الشيطان الرجيم ..

    استمتعت بقراءة سطور خطتها أناملك أستاذ علي الحسن

    كل التقدير

  5. #5
    أديب
    تاريخ التسجيل : Mar 2015
    المشاركات : 77
    المواضيع : 8
    الردود : 77
    المعدل اليومي : 0.02

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبد السلام دغمش مشاهدة المشاركة
    قصة تحكي واحدة من أمراض المجتمع - الخديعة والاستغلال.
    أسلوب السرد سلس و مباشر ويأخذ بالقاريء الى الخاتمة.
    تحياتي.
    هي نموذجاً لما يحدث للكثيرين للأسف في واقعنا المعاش..

    مداخلة جميلة كالعادة أستاذ عبد السلام..

    دمت بخير أخي الكريم

  6. #6
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jan 2010
    الدولة : على أرض العروبة
    المشاركات : 34,923
    المواضيع : 293
    الردود : 34923
    المعدل اليومي : 6.71

    افتراضي

    لغتك سلسة ، وأسلوبك السردي جميل شائق، ومهارتك القصية مبشرة
    غير أن معالجة الفكرة لم تضاه الأداء قوة، فمن غير الطبيعي أن تلج محلا رأيت فيه صاحبك لتسأل عما كان يفعل هناك، ولا يقدم المشتري للبائع في العادة كشفا بمسار السلعة، ولعل أقصى ما يخبره بها في حال كهذه أنه يريد الجهاز هدية وربما أضاف أنها لامرأة ..
    وقبل ذلك .. متوقع أو معقول أن يهدد رجل امرأة بمشاهد صورها لها، أما أن تهدد امرأة رجلا فجنيدة وعنيدة على أن تقبل

    هي بعض ملاحظة خطرت لي بينما أقرأ النص الذي شدني أسلوبه وسلاسة حرفه

    دمت بخير

    تحاياي
    تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

  7. #7
    أديب
    تاريخ التسجيل : Mar 2015
    المشاركات : 77
    المواضيع : 8
    الردود : 77
    المعدل اليومي : 0.02

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ربيحة الرفاعي مشاهدة المشاركة
    لغتك سلسة ، وأسلوبك السردي جميل شائق، ومهارتك القصية مبشرة
    غير أن معالجة الفكرة لم تضاه الأداء قوة، فمن غير الطبيعي أن تلج محلا رأيت فيه صاحبك لتسأل عما كان يفعل هناك، ولا يقدم المشتري للبائع في العادة كشفا بمسار السلعة، ولعل أقصى ما يخبره بها في حال كهذه أنه يريد الجهاز هدية وربما أضاف أنها لامرأة ..
    وقبل ذلك .. متوقع أو معقول أن يهدد رجل امرأة بمشاهد صورها لها، أما أن تهدد امرأة رجلا فجنيدة وعنيدة على أن تقبل

    هي بعض ملاحظة خطرت لي بينما أقرأ النص الذي شدني أسلوبه وسلاسة حرفه

    دمت بخير

    تحاياي

    الأستاذة القديرة ربيعة الرفاعي

    أهلاً وسهلاً بكم وبمداخلتكم الحاذقة وما تمخض عنها من ملاحظات واستفسارات..

    في الحقيقة هي قصة حقيقية آثرت على نفسي أن أتصرف في بعض أحداثها وشخوصها وأضيف عليها بعض الرتوش التي لا تفسد المعنى والهدف، وأن أكشف من خلال هذه الأسطر المتواضعة عن احتيال شخص على صديقه المقرب، من خلال خلق قصة وهمية لا أساس لها من الصحة لاستجلاب عطف صاحبه وكسب بعض المال لإرضاء زوجته في عيد ميلادها، وهو ما تبين من خلال نهاية القصة حينما تم كشف اللعبة بالصدفة، ومن خلال الحوار الذي دار بين البائع والصديق المغدور به.. ولا أخفيك سراً أن هاجس النهاية ظل يلاحقني كلما مررت بهذا النص لما يثيره من بعض التساؤلات في طريقة المعالجة ومدى تقبل المتلقي لها، غير أني آثرت على نفسي بعد إطلاق سراح النص عدم التغيير فيها ( أي النهاية )..

    شكراً كبيرة أستاذتنا الفاضلة

    كوني بخير

  8. #8
    أديب
    تاريخ التسجيل : Mar 2015
    المشاركات : 77
    المواضيع : 8
    الردود : 77
    المعدل اليومي : 0.02

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة خلود محمد جمعة مشاهدة المشاركة
    الى أن ندرك مفهوم عمق الصداقة وكيف تكون ومن يستحق هذا اللقب المقدس سنبقى في دائرة الغدر والخيانة و صفعات الخيبات الموجعة
    رسالة نبيلة وقصة مباشرة وجميلة بطرحها وبساطتها
    بوركت
    كل التقدير
    الجميل هو حضوركم وقراءتكم المتأنية لهذا النص المتواضع

    تحياتي

  9. #9
    أديبة
    تاريخ التسجيل : Aug 2014
    المشاركات : 842
    المواضيع : 4
    الردود : 842
    المعدل اليومي : 0.24

    افتراضي

    أثق أنك تعرف جيدا ماهية القصة وأدواتها، فقد جعلت من القصة مشوقة ناجحة مع أن بعض تفاصيلها خرجت عن المعقول

  10. #10
    الصورة الرمزية آمال المصري عضو الإدارة العليا
    أمينة سر الإدارة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Jul 2008
    الدولة : Egypt
    المشاركات : 23,786
    المواضيع : 392
    الردود : 23786
    المعدل اليومي : 4.13

    افتراضي

    في زمن اللامعقول بات من المتوقع تصديق مالا يستوعبه العقل من احتيالات تقع تحت مسميات مختلفة منها الصداقة !
    سرد جميل ومضمون نبيل يحمله النص فشكرا لك أديبنا الفاضل
    تحاياي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. خطايا
    بواسطة احمد المعطي في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 22
    آخر مشاركة: 06-03-2016, 10:50 PM
  2. خطايا الحب
    بواسطة نافع سلامة في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 13
    آخر مشاركة: 16-05-2010, 10:11 PM